فماذا يقول هذا الشاعر إذا سئل عن قوله (ترهبيني) وقيل: إن الأصل في ذلك (ترهبينني) يحذف إحدى النونين؟ فلا أجده يستطيع الجواب عن ذلك، إلا أن يكون عارفًا بالإدغام، وهو: إذا كان المثلان في كلمتين وقبلهما ساكن، وهو حرف مداولين، يجوز إدغام أحدهما في الآخر، ولما وجد هذا السبب في (ترهبينني) أدغمت إحدى النونين في الأخرى، ثم خفف الإدغام فصارت (ترهبيني) فيجب حينئذ على مؤلف الكلام، بهذا الدليل، معرفة الإدغام، ليسلم من اعتراض متعرض أو تعنت متعنت.
وأما النوع الثاني: وهو قولنا إن المؤلف يحتاج إلى معرفة اللغة فلسنا نعني بذلك إلا ما كان مألوفًا، متداولًا بين أرباب هذه الصناعة. وسيأتي ذكر ذلك في كتابنا هذا.
ويفتقر المؤلف أيضًا إلى معرفة عدة أسماء لما يقع استعماله في النظم والنثر، ليجد إذا ضاق به موضع في كلامه، بإيراد بعض الألفاظ فيه، العدول عنه إلى غيره، مما هو في معناه.
وكذلك يحتاج إلى معرفة الأسماء المشتركة، ليستعين بها على استعمال التجنيس في كلامه، علم أن هذا الموضع ينبغي أن يذكر فيه الأسماء البتة، وانقسام دلالتها على المعاني، فإن المؤلف إذا كان عالمًا بذلك، فهو مما لا يستغني عنه فتقول:
الألفاظ تنقسم دلالتها على المعاني ستة أقسام: مترادفة، ومشتركة، ومتباينة، ومتواطئة، ومشككة، ومتشابهة، فأما الثلاثة الأولى التي هي: المترادفة والمشتركة والمتباينة فيحتاج مؤلف الكلام إلى معرفتها. وإنما أوجبنا عليه معرفة الأسماء
المتباينة، لأن منها ما يوهم إنه من المترادفة، وليس كذلك، وأما الثلاثة الأخر التي هي: المتواطئة والمشككة
1 / 13