ودعاء العبد ربه فهو مسألة الخاضع المستكين، ومن هذا ونحوه لم يجز أن يدعو داع فيقول: (يا رب لا تجر علي ولا تظلمني، وإن كان معلوما أن الله لا يفعل شيئا من ذلك، لأن هذا للفظ) (¬1) وما شاكله يخرج عن حد خطاب التعظيم والهيبة والإجلال، فمن أجل ذلك لم يجز هذا وشبهه في دعاء الله تعالى، وجاز أن يقال: { ?ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا } (¬2) وإن كان من حكم الله أن لا يحمل أحدا ما لا طاقة له به إذا كان هذا الكلام يدل على الخضوع والاستكانة وعلى الانقياد وليس من الأول في شيء ، وكل شيء سأله السائل ربه أن يفعله فهو عندي على ضربين: أحدهما شيء من حكم الله أن يفعله دعا به الداعي أو لم يدع به، وشيء من حكم الله أن لا يفعله إلا بعد دعاء، وأما المعنى الذي من حكمه أن يفعله يدع به فكالذي حكاه الله عز وجل من دعاء ملائكته وسؤالهم إياه واستغفارهم للمؤمنين فقالوا: { ?ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } (¬3) الآية. وقد علمنا أن الله تعالى يدخل المؤمنين الجنة وأنه يغفر للذين تابوا، دعا بذلك داع أو لم يدع.
¬__________
(¬1) ما بين قوسين من (ج).
(¬2) البقرة: 286.
(¬3) غافر: 7.
Страница 86