وقد وجدت محمد بن جعفر يذكر في الجامع أن من خاف فوت الجنازة في الحضر، ولم يكن الماء بحضرته وهو محدث أن يتيمم ويصلي، والله أعلم ما وجه هذا القول؛ ونحن نطلب الحجة لهذا القول الذي ذكره إن كان قولا من قول أصحابنا رضي الله عنهم. فإن قال قائل ممن يحتج بهذا القول: إني رأيت الله تبارك وتعالى أباح التيمم إذا خشي الإنسان فوات (¬1) الصلاة، وإن كان يصلي إلى الماء بعد خروج وقتها. ألا ترى أن الإنسان إذا كان في موضع بينه وبين الماء مسافة، وهو يقدر علىيه بعد خروج الوقت أنه يأمر أن يتيمم ويصلي، وإن كان يقدر على الماء بعد خروج الوقت لئلا تفوته الصلاة، ورأينا الجنازة تفوت المحدث؛ قلنا: إنها بمثابة الصلاة التي يخشى فوتها. قيل له: صلاة الجنازة لا تشبه الصلاة التي شبهتها بها؛ لأن الحاضرين للجنازة لا يخلوا أن يكونوا غير متطهرين كلهم أو فيهم متطهر، أو يكون من حضرها فيهم محدثون غير متطهرين أو يكون من حضرها فيهم متطهرون بالماء وغير متطهرين، فإن كان الكل محدثين، فقد قال الكل من الناس: إن عليهم أن يتطهروا بالماء، ثم يصلوا، إلا أن يكونوا في موضع قد أيسوا من وجود الماء، ويخاف على الميت إن أخروه إلى وجود الماء، فحينئذ يجتمعون على التيمم ويصلون عليه. وإن كان بعض من حضر الجنازة متطهرا بالماء؛ ومنهم من ليس متطهرا به، ففرض الصلاة لزم المتطهرين بالماء دون من كان محدثا؛ لأن الصلاة على الجنازة فرض على الكفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين؛ إذا كان الفرض قد لزم المتطهرين بالماء دون المحدثين لم يكن للمتنفل أن يتيمم في الحضر إلا بطهارة الماء، إذ وقت النفل في كل زمان إلا وقت منع التنفل فيه، والله أعلم.
¬__________
(¬1) - في (ج) فوت.
Страница 191