Джамаль ад-Дин аль-Афгани: Первое столетие 1897–1997
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Жанры
وتضرب الإنجليز في الأراضي المصرية ولا يتحرك أحد من إخوانهم الشرقيين مع أن احتلال مصر ينبه الأذهان، صحيح أن الاحتلال قانون تاريخي، احتلال القوي للضعيف، والموحد للمفكك مثل احتلال إنجلترا لقوة كبيرة ضعفت وتفككت. وصحيح أيضا أن التحرر من الاحتلال دفاعا عن الاستقلال قانون تاريخي كذلك، إذا تأنف الأمم من الخضوع للأجنبي المختلف عنها في الأخلاق والعادات. لذلك نشأت حركة فكرية في أغلب أقطار الشرق للمطالبة بالخلاص من الأجنبي والدعوة إلى الوحدة. ويضرب الأفغاني المثل لذلك بالحركة العرابية والتي يسميها «العشواء» بالرغم من أنه هو منظرها والتي اتخذها الإنجليز ذريعة لاحتلال مصر، مما يبين أن نقد الأفغاني للثورة العرابية ليس لتعاليمها ومبادئها بل لطرق تنفيذها ووسائل تحقيقها على نحو أهوج غير منظم، وهي تشبه الثورة المهدية في السودان عندما يقف السودانيون أمام البنادق بالسيوف. ومصر عند المسلمين من الأراضي المقدسة مثل الحرمين. لذلك حركت أحزان مصر أشجان المسلمين. وقد اعتمد الإنكليز على المداهاة والمكر أكثر من الاعتماد على الجيوش. ولكن من الهند إلى مكة إلى مصر ما زال الناس غافلين. ومع ذلك فقد جدد احتلال مصر الروابط ووحد الكلمة. كاد الإنجليز لمصر مرة بدعوى الدفاع عن الخديوي والشرعية ضد الخارجين عليه والثائرين ضده، ومرة لإخضاع رجال الدين وأئمة المساجد وعلماء الأوقاف. وهي نفس الطرق التي اتبعتها إنجلترا في الهند، الاستيلاء على الأوطان بالحيلة والدهاء وليس بالسلاح حتى ملكوا ثلث العالم، يشككون في الحكام الوطنيين، ويقلبون عليهم الرعية للعصيان حتى يخلعوهم أو طي الضعيف الأحمق وإقامة صغير بدلا عنه. وقد يسلبونه كل شيء إلا اللقب ولواحقه، مثل: نائب، صاحب، راجا، خديوي، سلطان. وأشهرهم حيلة اللورد نورثبروك (كرومر) الذي فقد حكم الهند. عذبها وبكى عليها، ووعدها بالإصلاح مثل زعيم المنافقين عبد الله ابن سلول. ثم خدع المصريين، واستعمل توفيق باشا لإدخال مصر تحت حماية إنجلترا، ويلقنه الأوامر. ثم خلع توفيق وطلب تولية عباس ولدا صغيرا، وجعل نوبار باشا وزيرا يعينه الإنجليز، وهو غير مسلم ولا عربي. وقام بنفس الشيء في الهند، خلع أمير وتنصيب أمير. والحال هو سبات من له الحق وحراك من لا حق له.
16
فبينما تنظر أوروبا خاصة فرنسا إلى ضياع مصالحها في مصر، والدولة العثمانية لما لها من مكانة في قلوب الهنود، وإنجلترا بين أصابع آل عثمان فإن الناس لا تحرك ساكنا ولا تتقدم إلا بالشكوى، وهم فقراء. والإنجليز تعد بالجلاء وهم على يقين أن الدولة العثمانية في طريقها إلى الزوال. وأعلنت السيادة على مصر، وتم الاستيلاء على السودان فداء لرأس جوردون. وقد سمح العثمانيون لإنجلترا بذلك، وسكن الناس انتظارا لوعود إنجلترا بالجلاء، فلما بسطت إنجلترا سيادتها ثار الناس، وأيدوا الثورة المهدية في السودان والثورة العرابية في مصر.
وكما لا تكون مصر للمصريين إلا بالاستقلال والتحرر من الإنجليز كذلك لا تكون مصر للمصريين إلا بالحكم النيابي والتحرر من الاستبداد. ففي الشعب المصري الخامل والجاهل، ولكن هناك أيضا العاقل والعالم، وكما ينظر الأمير إلى الشعب ينظر الشعب إليه. النصيحة هي إشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى، وانتخاب نواب الأمة لسن القوانين. فهذا أثبت للعرش وأدوم للسلطان. وتتكون القوة النيابية من نفس الأمة وليس من قوة أجنبية تكون الأمة تابعة لها أو حماية منها. ويثبت التاريخ أن الملوك لم يثبتوا رغم إرادة الشعوب، وتستطيع الأمة أن تعيش بدون ملك ولكن الملك لا يستطيع أن يعيش بدون أمة، ويكون المجلس النيابي المصري مشابها للمجالس النيابية الأوروبية. أقل ما فيه من الأحزاب حزبان، حزب الشمال وحزب اليمين، الشمال للمعارضة واليمين للحكومة. والمجلس لا يعيش بقوة واحدة مناهضة للحكومة أو مؤيدة لها. ليس النائب هو هذا الوجيه الذي يمتص دماء الفلاح، الجبان الذي لا يقوى على مناهضة الحكام، الضعيف الذي لا يملك الحجة تجاه الحاكم الظالم، بل ذلك الرجل القوي في الخير والحكمة والدفاع عن الوطن ومناقشة الحساب، ويرفض الأفغاني المجلس النيابي المزور والمعين الذي يزيف إرادة الأمة ويبرر للحاكم إرادته. ويتوجه بنداء إلى قيصر روسيا بأن تكون الملايين من الرعية أصدقاء للعرش خيرا من أن تكون أعداء له تتربص به الفرص. كما يتوجه إلى شاه إيران ناصر الدين بأن عظمة التاج والعرش بالحكم الدستوري، وأن الفلاح والعامل والصانع أنفع للأمة من الأمراء والوزراء.
17
ولكن الأحزاب السياسية في الشرق دواء وداء في نفس الوقت؛ إذ تتألف الأحزاب لطلب الحرية والاستقلال، وتبدأ والكل أصدقاء، ثم ينتهون والكل أعداء بسبب عدم تكافؤ القوى بين الأمة وأحزابها السياسية أو بلغة العصر بين الدولة والمجتمع المدني؛ إذ يقوم الحزب السياسي بعناصر ضعيفة وبأفراد قلائل، يعلنون برنامجا لتحرير الأمة من الاستعمار والاستعباد، فتتألف القلوب حولها، وتجتمع الكلمة. ويستحسنها الغريب، ويخافها الدخيل. تفرح الأمة ببرنامج الحزب ووعوده في الآجل والعاجل فتؤازره وتطيعه، ثم بعد ذلك تظهر في رؤساء الأحزاب الأثرة والأنانية، وتفضيل حب الذات على مصلحة الأمة. فتنزوي الناس عنه وتنكمش النفوس منه، وتترك الحزب أو تعاديه. لا يعني ذلك أنه لا فائدة من الأحزاب على الإطلاق، فإن الشرق بعد أن وقع في الاستعباد في حاجة إلى يقظة، والحزب يقوم بذلك حتى يظهر في الشرق أفراد كما ظهر في الغرب أفراد يستشهدون في سبيل الأوطان. حينئذ ينشأ الحزب لجمع الشتات، والقضاء على الذل، وبيان نعمة الإخاء والتعاون والاتحاد، يعمل على عزة البلاد ونصرة المظلوم، فواضح أن مهمة الحزب تربوية ثورية، وهو ما كان الأفغاني يحلم به بتأسيس العروة الوثقى، النواة السرية للحزب، وحولها تقوم الخلايا، ولكنه لم ينج نظرا لعدم استقراره في وطن. وهو ما حاوله حسن البنا بعده وينجح في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نجحت فيه أيضا الجماعات الإسلامية ولكن دون نظرية ثورية.
18
ومع ذلك، وبالرغم من تأكيد الأفغاني على أهمية الحكم النيابي والتعدد الحزبي إلا أنه صاغ أيضا نظريته في
المستبد العادل
كنظام أمثل للشرق، فقد عرفت مصر النظام الفرعوني على ضفاف وادي النيل. وانتصر لها موسى ويوسف. فالمصريون في حاجة إلى عزم وحكمة وقوة، وذلك لا يتم بالقهر بل بالكلمة وتوحيد الأهواء وتوجيهها نحو الغاية، وتلك مهمة الرجل القوي العادل. القوة المطلقة استبداد، والعدل بلا قوة تراخ. يحتاج العدل إلى قوة قصدية وهو ما يستطيعه المستبد العادل. لا تحكم مصر إلا بأهلها واشتراكهم في الحكم والدستور الصحيح دفاعا عن الحرية والاستقلال؛ فالحرية لا يهبها الملك، والاستقلال لا يعطيه المستبد. إنما يؤخذان بالكفاح. ولا يسلم الشكل الدستوري من رجل قوي. لذلك لا يحكم الشرق إلا قوة عادلة تخضع لها الأمة. وهي تحقق مصالحه. وهي قوة وطنية؛ لأن الأمير الصالح القريب أولى من البعيد الغريب. أما الحكم الجمهوري فلا يصلح للشرق اليوم ولا لأهله.
Неизвестная страница