وبهذا قد تعلم أنه ليس يعسر عليك أن تختبر أعمال هذه الصناعة، إن أنت قصدت لذلك. فإن أنت استنكفت عن أن تمتحن الأطباء لأنك مكثر أو لأنك بطل فإن أول ما تناله العقوبة على ذلك أنت. وذلك أنه ليس كما أن الأمر فى امتحان الأطباء وتعلم الطب أو ترك ذلك إليك، كذلك الأمر إليك فى الحاجة إلى الطب. لأن قلة معرفتك بالطب هى أكثر ما يوقعك فى الأمراض المتوالية. وما أحد كان أولى بأن يتعلم صناعة يكتسب بها الصحة، من الأبطال والأغنياء. ولا أعلم أن الإثم فى هذا إلا مثل الإثم فى الأمور التى يرتكبونها من معاصى الله أو أكثر منه. وذلك أن الله، عز وجل، أمر بأن يعرف الإنسان نفسه. وهم لا يعرفون شيئا من أمر النفس ولا من أمر البدن. وكأن تركيبهم من أشياء سواهما. ويجهلون أمر تركيبهم كما يجهله البهائم. ويعرفون عدد قراهم وعدد من فيها من العبيد والأكرة على الصحة والحقيقة، ولا يعرفون عدد أعضاء أبدانهم. وحالهم فى الجهل بأمر البدن، كحالهم فى الجهل بأمر النفس. وكان الأجود لهم كثيرا أن يجهلوا عدد من يملكون من الطباخين وغيرهم، ويعلموا عدد من فيهم من العصب الذى به يكون الصوت، والذى به يكون النفس، وسائر كل واحد من الأفعال. وقد كان ينبغى لهم، وإن كسلوا عن تعلم الطب، إلا يغفلوا عن امتحان الطبيب لكن يفرغوا أنفسهم لهذا، ولو يسيرا من عمرهم.
Страница 110