Джахиз: Властители слова (часть первая)
الجاحظ: أئمة الأدب (الجزء الأول)
Жанры
الصوت
أمر الصوت عجيب، وتصرفه في الوجوه عجب، فمن ذلك أن منه ما يقتل كصوت الصاعقة؛ ومنه ما يسر النفوس حتى يفرط عليها السرور فتقلق حتى ترقص، وحتى ربما رمى الرجل بنفسه من حالق، وذلك مثل هذه الأغاني المطربة؛ ومن ذلك ما يكمد؛ ومن ذلك ما يزيل العقل حتى يغشى على صاحبه، كنحو هذه الأصوات الشجية والقراءات الملحنة. وليس يعتريهم من قبل المعاني لأنهم في كثير من ذلك لا يفهمون، وقد بكا ماسرجويه من قراءة أبي الخوخ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدق به؟ قال: إنما أنكاني الشجا.
وبالأصوات ينومون الصبيان والأطفال، والدواب تصر آذانها إذا غنى المكاري، والإبل تصر آذانها إذا حدا في آثارها الحادي، وتزداد نشاطا وتزيد في مشيها، ويجمع بها الصيادون السمك في حظائرهم التي يتخذونها له، وذلك أنهم يضربون بعصي معهم ويعطعطون، فتقبل أجناس السمك شاخصة الأبصار مصغية إلى تلك الأصوات حتى تدخل في الحظيرة. ويضرب بالطساس للطير وتصاد بها. ويضرب بالطساس للأسد وقد أقبلت فتروعها تلك الأصوات. وقال صاحب المنطق: الأيايل تصاد بالصفير والغناء، والصفير تسقى به الدواب، وتنفر به الطير عن البذور.
العرب
لم يكونوا تجارا ولا صناعا، ولا أطباء ولا حسابا، ولا أصحاب فلاحة فيكونوا مهنة، ولا أصحاب زرع لخوفهم صغار الجزية، ولم يكونوا أصحاب جمع وكسب، ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب لما عند غيرهم، ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل، ولا عرفوا الدوانيق والقراريط، ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة، ولم يستغنوا الغنى الذي يورث البلادة، والثروة التي تحدث الغرة، ولم يحتملوا ذلا قط فيميت قلوبهم ويصغر عندهم أنفسهم. وكانوا سكان فياف وتربية العراء، لا يعرفون الغمق ولا اللثق،
2
ولا البخار ولا الغلط، ولا العفن ولا التخم. أذهان حديدة، ونفوس منكرة، فحين حملوا حدهم ووجهوا قواهم إلى قول الشعر وبلاغة المنطق وتثقيف اللغة وتصاريف الكلام، وقيافة البشر بعد قيافة الأثر، وحفظ النسب، والاهتداء بالنجوم والاستدلال بالآثار وتعرف الأنواء، والبصر بالخيل والسلاح وآلة الحرب، والحفظ لكل مسموع، والاعتبار بكل محسوس، وإحكام شأن المناقب والمثالب. بلغوا في ذلك الغاية، وحازوا كل أمنية، وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر وهممهم أرفع، وهم من جميع الأمم أفخر ولأيامهم أذكر.
الغناء
إنا وجدنا الفلاسفة المتقدمين في الحكمة، المحيطين بالأمور معرفة، ذكروا أن أصول الآداب التي منها يتفرع العلم لذوي الألباب أربعة: فمنها النجوم وبروجها وحسابها الذي يعرف به الأوقات والأزمنة، وعليها مزاج الطبائع وأيام السنة؛ ومنها الهندسة وما اتصل بها من المساحة والوزن والتقدير وما أشبه ذلك؛ ومنها الكيمياء والطب اللذان بهما صلاح المعاش وقوام الأبدان وعلاج الأسقام وما يتشعب من ذلك؛ ومنها اللحون ومعرفة أجزائها وقسمها ومقاطعها ومخارجها وأوزانها حتى تستوي على الإيقاع وتدخل في الوتر.
ولم يزل أهل كل علم فيما خلا من الأزمنة يركبون منهاجه، ويسلكون طريقه، ويعرفون غامضه، ويسهلون سبيل المعرفة بدلائله، خلا الغناء، فإنهم لم يكونوا عرفوا علله وأسبابه ووزنه وتصاريفه، وكان علمهم به على الهاجس، وعلى ما يسمعون من الفارسية والهندية، إلى أن نظر الخليل البصري في الشعر ووزنه ومخارج ألفاظه، وميز ما قالت العرب منه، وجمعه وألفه، ووضع فيه الكتاب الذي سماه العروض. فلما أحكم وبلغ منه ما بلغ، أخذ في تفسير النغم واللحون، فاستدرك منه شيئا، ورسم له رسما احتذى عليه من خلفه، واستمد من عني به. وكان إسحاق بن إبراهيم الموصلي أول من حذا حذوه وامتثل هديه، واجتمعت له في ذلك آلات لم تجتمع للخليل بن أحمد قبله؛ منها معرفته بالغناء وكثرة استماعه إياه، وعلمه بحسنه من قبيحه وصحيحه من سقيمه، ومنها حذقه بالضرب والإيقاع وعلمه بوزنهما. وألف في ذلك كتبا معجبة، وسهل له فيها ما كان مستصعبا على غيره، فصنع الغناء بعلم فاضل وحذق راجح ووزن صحيح، وعلى أصل مستحكم له دلائل واضحة وشواهد عادلة، ولم نر أحدا وجد سبيلا إلى الطعن عليه والعيب له. وصنع كثير من أهل زمانه أغاني كثيرة بهاجس طبعهم والاتباع لمن سبقهم.
Неизвестная страница