ومن الواضح أن مثل هذا التعميم هو نتيجة لشهادة التجربة. ومن هنا فإن الانتظام والاطراد في الطبيعة ليس رابطة ضرورية: «ليس ثمة ضرورة منطقية في قانون الطبيعة، فهو بذاته ليس يقينا من الناحية الحدسية، كلا، ولا هو يمكن استنباطه من مقدمات منطقية يمكن هي نفسها أن تكون يقينية حدسا؛ فالشك في هذا القانون أو إنكاره لا يستلزم الوقوع في التناقض.»
21
والواقع أن مبدأ السببية ليس إلا مسلمة، وهو مسلمة مقيدة وضرورية لتقدم العلم، لكنك لا تستطيع أن تصفه وصفا مشروعا أكثر من ذلك. فنحن نعبر عن معرفتنا بعالم الواقع في قضايا عامة هي التي نسميها بالقوانين العلية، وهي لا يمكن أن تكون ممكنة إلا على افتراض أن الحوادث تقع في اطراد دقيق. لكن علينا أن نضع في أذهاننا أن مبدأ السببية - وإن كان قد برهن على أنه مفيد من الناحية المنهجية - فإنه لا يبرهن على أنه صحيح من الناحية الانطولوجية. كلا، ولا ينبغي أن نزعم أنه كلما زاد تطبيقنا لمبدأ السببية في النظريات التي تقال حول الكون، اقتربت هذه النظريات من الحقيقة. ونحن نذكر ذلك هنا لكي نلفت النظر إلى واقعة أن أولئك الذين يأخذون بالنظرية الآلية، يعتمدون في الغالب على إمكان التطبيق الدقيق لمبدأ السببية على العالم المادي.
إن السببية هي اسم يطلق على الاطراد الذي نلاحظه في تسلسل الأحداث وتتابعها، ولو أننا فهمنا من هذا اللفظ شيئا أعمق من ذلك، فإننا في هذه الحالة نستخدمه ليعبر عن مثلنا الأعلى أكثر مما نستخدمه كتسجيل للواقع. إنه سوف يكون «اسما فارغا يخفي فحسب مطلبا لنا هو أن تسلسل الحوادث وتتابعها سوف يظهر يوما ما نوعا أعمق من الارتباط بين شيء وشيء آخر أكثر من مجرد التجاور الاعتباطي الذي تبدو عليه الظواهر الآن.»
22 (13) والواقع أن لفظ السببية أسيء استخدامه بكثرة، حتى إن العلماء قد قاموا أخيرا بمحاولة جادة لحذفه تماما من مصطلحاتهم. يقول أحد هؤلاء العلماء: «إني لآمل أن يستغني العلم في المستقبل عن فكرة السبب والنتيجة؛ لأنها فكرة غامضة.»
23
يقول رسل في نفس المعنى: «أود ... أن أؤكد أن كلمة «السبب» قد ارتبطت بشكل معقد بارتباطات سيئة الفهم مما جعل حذفها التام من مصطلحات الفلسفة أمرا مرغوبا فيه.»
24
ويقول الكاتب نفسه: «إن ما جعل علم الطبيعة يقلع عن البحث وراء الأسباب هو أنه لا وجود لمثل هذه الأمور في الواقع.»
25 (14) لكن ما القانون أو القوانين، التي يمكن أن توجد لتحل محل قانون السببية المزعوم؟ طرح «برتراند رسل» هذا السؤال وحاول أن يجيب عليه.
Неизвестная страница