1 (3) ولو أن الانتباه من ناحية أخرى كان موجودا في كل واقعة سيكولوجية - بما في ذلك حالات الإرادة - فسوف يتضح في هذه الحالة أن الانتباه لا بد أن يكون سابقا على الإرادة. غير أن «برادلي» يأخذ بوجهة النظر المعارضة، فهو يعتقد أن الانتباه النشط يتضمن الإرادة، أعني أنني في كل مرة أنتبه فيها انتباها نشطا إيجابيا إلى شيء ما، فلا بد أن يكون هناك فعل للإرادة يسبق فعل الانتباه. لكنه يضيف «أن الانتباه - يقينا - لا يعني الإرادة بالمعنى الذي يكون فيه كل انتباه مرادا بشكل مباشر. ذلك لأن الانتباه نفسه ليس هو باستمرار هدف إرادتي، فقد يكون في بعض الحالات هدفي وقد لا يكون ... فإذا ما حققت غرضا ما، خارجيا أو داخليا، فإنني قد أكون منتبها بغير شك، ومع ذلك فما دمت لا أشعر بأي ميل على الإطلاق إلى الشرود ذهنيا عن هدفي، فإنني لا أنتبه مطلقا انتباها مرادا مباشرة ... ومن ثم فإن الانتباه باختصار حالة قد تكون هي نفسها مرادة مباشرة، لكنها يقينا ليست بحاجة إلى أن تكون كذلك.
2
وعلى ذلك فإن «برادلي» يرى أن هناك نوعين من الحالات: (أ) إما أن يكون الانتباه نفسه هو موضوع الإرادة. (ب) أو أن يصاحب ممارسة الإرادة فحسب، دون أن يكون هو نفسه مرادا. وهو يكون موضوعا للإرادة: «حين ندرك أن التمهل أو التأني أو الصعوبة أمام تحقيق فكرتي، تعتمد بطريقة ما على فشلي وشرود ذهني، أما الانتباه نفسه فهو موجود وتشتمل عليه صراحة فكرتي عن الغاية أو الهدف، وفي هذه الحالة يكون الانتباه نفسه مرادا بطريقة مباشرة، وليس كما كان من قبل موجودا وجودا عرضيا.»
3
وسوف أثير ضد وجهة نظر برادلي هذه الاعتراضات الآتية: (4) (أ) فهو لم يفسر لنا كيف ينشأ الانتباه في الحالات التي يوجد فيها وجودا عرضيا، أعني الحالات التي لا يكون فيها هو نفسه مرادا بطريقة مباشرة، الحالات التي «قد أكون فيها - بغير شك - منتبها، ومع ذلك لا أشعر على الإطلاق بأي ميل إلى الشروط ذهنيا عن هدفي، وقد لا أنتبه انتباها مرادا بطريقة مباشرة.» وحتى أوضح اعتراضي هذا سوف أستخدم الرموز الآتية: افرض أن (أ) تمثل الإرادة ، و(ب) تمثل الانتباه و(ج) تمثل الموضوع المراد، عندئذ في الحالات التي يكون فيها الانتباه مصاحبا فحسب لممارسة الإرادة، دون أن يكون هو نفسه مرادا، فسوف تكون الصيغة على النحو التالي:
أ - ج (ب). وهي تقرأ هكذا: الإرادة (أ) موجهة إلى غرض معين (ج)، والانتباه (ب) متضمن بطريقة ما في الموقف. أما في الحالة التي يكون فيها الانتباه نفسه مرادا فسوف تكون الصيغة على النحو التالي: أ - ب ج فنقول عندئذ إن الانتباه تشتمل عليه صراحة فكرة الغاية أو الهدف.
والسؤال الآن هو: في الحالة السابقة التي يوصف فيها الموقف بأنه أ - ج «ب»، من أين يأتي الانتباه؟ لا يمكن أن يقال: إنه جزء ضروري من الإرادة، إذ يمكن أن يكون هو نفسه مرادا، ولا يمكن أن يقال: إنه شرط ضروري للموضوع المراد، لأنه - بناء على رأي «برادلي» نفسه - يمكن تصور الانتباه شاردا عن الموضوع، بحيث يمكن أن يعود إليه بواسطة الإرادة. وعلى ذلك ففي الحالة التي يكون فيها الانتباه نفسه ليس هو الموضوع المباشر للإرادة، أعني حين يوجد وجودا عرضيا، فإنه لا يمكن أن يكون جزءا ضروريا من أ (أعني من الإرادة)، ولا جزءا ضروريا من ج (أعني من الموضوع المراد). ومع ذلك كله فلا يزال برادلي يرى أنه من الضروري أن يكون الانتباه موجودا ليساهم في عملية الإرادة! والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما السبب الذي يجعل الانتباه موجودا في هذه الحالة؟ إنه إما أن يكون موجودا بسبب الإرادة على الإطلاق. فلو أنه كان موجودا بسبب الإرادة بطريقة غير مباشرة، فلا بد أن يكون ناتجا من الإرادة وموضوعها، غير أننا لا يمكن أن نتصور كيف يمكن أن يحدث ذلك. افرض مثلا أن موضوع إرادتي هو قراءة قصيدة من القصائد وفهمها، إن الإرادة والقصيدة قد استدعيا معا الانتباه إلى القصيدة. وإذا لم يكن ذلك هو المعنى المقصود، فإنني لن أستطيع أن أفهم كيف يمكن للانتباه أن يكون موجودا بطريقة أخرى بسبب الإرادة وبشكل غير مباشر. لكن إذا لم يكن للانتباه صلة بالإرادة على الإطلاق، فلا يمكن أن يقال عنه إنه بعد الإرادة، ولا يمكن على الإطلاق أن نتصور أنه يطيع اتجاهات الإرادة. (5) (ب) لا يتضح ما إذا كان «برادلي» يعتقد أن الانتباه مصاحب ضروري للإرادة، أم إن الإرادة يمكن أن توجد بدون الانتباه. فكلامه يدل - من ناحية - على أن الانتباه لا بد أن يتبع كل حالة من حالات الإرادة، لكنه يكون أحيانا مرادا بطريقة مباشرة، وأحيانا أخرى يكون مرادا بطريقة غير مباشرة. وكلامه يدل من ناحية أخرى على أنه يتصور حالات تكون فيها الإرادة موجودة مع غايتها لكن بدون انتباه، وذلك حين يقول: إن شرود الذهن، أعني عدم الانتباه إلى الموضوع المراد، قد يعوق أو يعرقل تحقيق فكرتي. وذلك يعني بعبارة أخرى أنه قد يكون لدي إرادة الوصول إلى غاية معينة، فكرتها موجودة في ذهني، غير أن عدم الانتباه إلى هذه الغاية يعوق أو يعرقل عملية الوصول إليها. (6) ومن ناحية أخرى فإن قول «برادلي»: إن الانتباه قد يكون هو الموضوع المباشر للإرادة «حين ندرك أن الإعاقة أو العقبة أمام تحقيق فكرتي تعتمد بطريقة ما على فشلي وشرود ذهني» - هذا القول يبدو أنه يحتوي على تناقض ذاتي؛ لأنه يعني ببساطة أنني أدرك أن هدفي لم يتحقق لأنني كنت شارد الذهن، وهكذا أعود فأجعل انتباهي موضوعا مباشرا للإرادة، غير أن «الإدراك» لا يكون ممكنا بدون الانتباه إلى الموقف المدرك، وعلى ذلك فيمكن أن تصاغ وجهة نظر «برادلي» على النحو التالي: حين أجد، من خلال الانتباه، أن انتباهي ليس موجها الوجهة الصحيحة، فإنني أقوم بتصحيحه بإرادتي. والقول بأن الانتباه يكتشف أنه هو نفسه قد ضل، ليس إلا خلفا واضحا. (7) ومن هنا فإن القول بأسبقية الإرادة على الانتباه قول لا يمكن الدفاع عنه، ولهذا فأنا أعتقد أن الصيغة لا بد أن تكون باستمرار على النحو التالي: ب - ج، بحيث تمثل «ب» - كما سبق أن قلنا - الانتباه، كما تمثل «ج» موضوع الانتباه. ويقال عن «أ» التي تمثل الإرادة: إنها توجد حين تكون هناك خصائص معينة تتصف بها «ب»، أعني موضوع الانتباه، وهي خصائص سوف نبحثها بعد قليل.
والقول بأن الانتباه يسبق الإرادة يعفينا من الربط غير الضروري بين الانتباه والوعي؛ فقد يكون الانتباه شعوريا في حالتي الإرادة والتفكير، وقد يكون لا شعوريا في حالة النزوع البسيط. وحتى في حالتي الإرادة والتفكير اللتين يكون فيهما الانتباه شعوريا، فإنني قد أشعر بالعمل الرئيسي الذي أقوم به، في الوقت الذي تحدث فيه أشياء أخرى كثيرة بطريقة لا شعورية. فأنا الآن مثلا أشعر بأنني أكتب، لكني لا أستطيع أن أشعر بمئات الآلاف من الألياف العصبية والعضلية التي تتكامل معا وتركز نفسها في فعل الكتابة. ومن ناحية أخرى، فليس كل فرد عضوي يستطيع أن يشعر تماما بالعمل الرئيسي الذي يقوم به في وقت معين: ويبدو أن تقسيم «ليبنتز» للجواهر العضوية إلى جواهر لا واعية وجواهر واعية، وجواهر واعية بذاتها - تقسيم صحيح؛ فالنبات - مثلا - يعمل ككل عضوي، لكنه يعمل بطريقة لا شعورية، أما الكائنات الحية، فيمكن أن يقسم نشاطها إلى ثلاثة مجالات: مجال النشاط اللاشعوري، كنشاط العقل الفسيولوجي، ومجال الوعي الغامض، كوعينا بضوضاء الطريق، أو أثر الضغط على جلدنا في الوقت الذي ننظر فيه بانتباه إلى موضوع معين. وأخيرا مجال الوعي الواضح، وهذا المجال الأخير هو ما يسمى عادة بالانتباه. لكن تبعا للنظرية التي نأخذ بها، فإن هذه التقسيمات الثلاثة تحتاج كلها إلى الانتباه من جانب الفرد، أعني الانتباه إلى الموقف الحاضر، حتى يستطيع أن يعمل وفقا لما يبدو له أنه نافع لحياته وسعادته.
ويتكامل المجموع الكلي لنشاط الفاعل - في حالة الفعل المراد - في كل واحد. سواء أكان هذا الفعل فعلا خاصا بالتفكير أو بحركة الجسم. والفعل المراد ليس إلا قمة للانتباه. وأين عسانا نجد مثالا للصلابة والتماسك في كائن حي معقد، أكثر مما نجده عند إنسان عاكف ومنصب على فعل عنيف من أفعال الإرادة؟ غير أن الفعل المراد عند الإنسان يظهر في صورتين واضحتين: فهو قد يكمن تحت صورة مساهمة الجهاز العضلي للجسم كله وكل قناة من قنوات الإحساس، أو قد يستبعد تقريبا الفعل العضلي، كما يستبعد الجهاز الحسي.
4
Неизвестная страница