99

ولما مات القاضي كمال الدين بن البارزي، سعى قاضي الحنفية بحلب، محب الدين محمد بن الشحنة في كتابة السر، بعشرة آلاف دينار، خمسة آلاف قبل اللبس، وخمسة بعده، وكان الجمال يوسف بن كاتب شكم ناظر الخاص، وتمربغا الدويدار الثاني، يساعدانه، فراج أمره، وأورد الخمسة المعجلة [وحكم] بلبسه الخلعة بذلك، يوم الخميس مستهل هذا الشهر، وكان ابن الشحنة هذا رجلا مقداما عاقلا ماكرا، ذا حيل، ودهاء، وجرأة على ما يريده، مع حسن الشكالة، وغزارة العلم، والسماح بالبذل، وانضم إليه، لما راح امره أشرار من سكان القاهرة، فخاف غائلته جميع الناس خوفا عظيما، حتى وجبت القلوب لذلك، وقلعت له النفوس، وضاقت الصدور، [وسهرت له] العيون، وصار الناس في أمر مريج، ولم يختلف منهم في ذلك اثنان، واخفى هذا من أمره على ناظر الخاص من حبه له؛ لكون ابن الشحنة كان تحت رقه وعند بابه، فلم يحسب ما حسب الناس من أمره (وحبك للشيء يعمي ويصم) فقام بعض العقلاء في ذلك، فخيل منه ناظر الخاص وحمل الأكابر على تخييله، فلما توارد على سمعه ذلك أشر، ولم يقدر في الحالة الراهنة على أكثر من أن تلطف حتى أخر لبسه الخلعة إلى يوم الاثنين، فلما تأخر اجترأ من له غرض في الوظيفة، فسعى السراج الحمصي الشافعي باثني عشر ألف دينار، وسعى الأمين عبد الرحمن بن قاضي القضاء شمس الدين محمد بن الديري العبسي الحنفي بعشرين ألف دينار، عشرة معجلة، وعشرة مؤجلة، فمال السلطان إليه، فاشترط بقاء نظر القدس والخليل معه، فتوقف في ذلك، فزاد في البذل، إلى أن وصل إلى خمسة وثلاثين ألف دينار، وأقبض العشرة المعجلة، وكان رجلا خفيفا؛ فخيف من أمره أيضا، وكان الخوف من الحمصي أشد؛ لما اشتمل عليه من قلة الدين والجرأة، فلم يزل الأكابر يتلطفون في التأخير من يوم إلى يوم، وهم ينقضون عرى الساعين شيئا فشيئا، إلى أن ردهم السلطان، ورد إلى ابن الديري ما عجله، فرد منه إلى السلطان ألف دينار، وقال: إنه لولا أنه قرض لرده أجمع، فسر السلطان ووعده بخير، وأما ابن الشحنة فحسب ما دفعه من جهات تحت يده، وتعصبوا عليه، وآذاه ناظر الخاص أذى كثيرا، بعد مبالغته في خدمته.ثم ولي المحب محمد بن الشهاب أحمد بن الأشقر العجمي ناظر الجيش، كتابة السر بغير شيء، وضم نظر الجيش إلى ناظر الخاص، ولبسا خلعتين بذلك يوم الخميس ثامن شهر ربيع هذا، واطمأنت خواطر الناس، ولم يستفد ابن الشحنة بذلك إلا شيوع الأمر برجلته، واشتهار ما تقدم من أوصافه عند الخاص والعام، وتقرر بغضه في خواطر بعض الأكابر.

ثم بعد أيام لبس ابن الأشقر خلعة بما تحت نظره من أوقاف المدارس، ونحوها، إلا أنه استثني نظر الجامع الجديد بمصر؛ فغنه كان قد أبلغ السلطان أنه خراب، فأمر ناظر الخاص بعمارته من مال السلطان، فسأل كاتب السر السلطان أن يبقى نظره مع من تولى نائبه.

موت ابن يعقوب:

Страница 195