قال فرونت دي بوف: «هذا أفضل كثيرا؛ إذ يعطيني مجيئه إلى هنا الفرصة للثأر منه.»
قطعت مظاهر الاقتراب السريع للعدو كل حديث آخر، فرجع كل فارس إلى موقعه، وعلى رأس الأتباع القلائل الذين تمكنوا من حشدهم، انتظروا في عزم ثابت الهجوم الوشيك.
الفصل الرابع والعشرون
عندما سقط إيفانهو، وبدا أن الجميع قد تخلوا عنه ، تمكنت ريبيكا بإلحاحها من إقناع أبيها أن ينقل المحارب الشاب من ساحة النزال إلى المنزل الذي كان اليهوديان آنذاك يقيمان فيه في ضواحي آشبي.
صاح إيزاك: «يا إبراهيم المقدس! إنه شاب صالح، وإن قلبي لينزف من رؤية الدم يسيل على سترته المطرزة الثمينة، ودرعه الباهظة الثمن، ولكن أنحمله إلى منزلنا؟! هل فكرت في الأمر جيدا يا فتاة؟ إنه مسيحي، ووفقا لشريعتنا لا يجوز لنا التعامل مع غريب من غير اليهود إلا لو كان لصالح تجارتنا.»
أجابت ريبيكا: «لا تقل هذا يا أبي العزيز؛ ففي الجراح والمآسي يصبح غير اليهودي أخا لليهودي. دعهم يضعوه في محفتي، وسأمتطي أنا أحد الخيول.»
قال إيزاك هامسا: «إن ذلك يعرضك لنظرات كلاب بني إسماعيل وإدوم. بحق لحية هارون! ماذا لو هلك الشاب؟! إن مات وهو في عهدتنا أفلن يحملنا الناس مسئولية دمه، ويقطعوننا إربا؟»
قالت ريبيكا: «لن يموت يا أبي. لن يموت إلا إذا تخلينا عنه، وإن حدث ذلك فسنكون بالفعل مسئولين عن دمه أمام الرب وأمام الناس.»
قال إيزاك: «كلا، إنه ليحزنني كثيرا أن أرى قطرات دمه، كما لو كانت قطعا بيزنطية ذهبية كثيرة تتساقط من كيس نقودي، وأعلم تمام العلم أن دروس ميريام جعلتك ماهرة في فن المداواة؛ لذلك فلتفعلي ما يمليه عليك عقلك.»
لم تضع ريبيكا الوقت، وعلى الفور نقلت المريض إلى مسكنهم المؤقت، وباشرت بيديها فحصه وتضميد جراحه. كان اليهود، رجالا ونساء، يعرفون العلوم الطبية بفروعها كافة ويمارسونها، وكانت قد نشئت بعناية على تعلم جميع المعارف التي تميز بها قومها، والتي تلقتها على يد يهودية عجوز تدعى ميريام. كان إيفانهو لا يزال فاقدا للوعي، وبعد أن وضعت ريبيكا على جرحه العلاجات الشافية وفق ما ينص عليه ما تعلمته من أصول الطب، أخبرت والدها أنه إذا كان الدهان المعالج لميريام لا يزال يحتفظ بخواصه فلا خوف على حياة ضيفه، وأن بإمكانه السفر آمنا معهما إلى يورك في اليوم التالي.
Неизвестная страница