140

الفصل السابع والثلاثون

إن طريقة الدخول إلى البرج الكبير لقلعة كوننجزبيرج شديدة الغرابة، وتغلب عليها بساطة العصور القديمة التي أنشئت فيها. يوجد درج سحيق وضيق حتى إنه يكاد يكون شديد الانحدار، يؤدي إلى بوابة منخفضة في الجانب الجنوبي من البرج. عبر هذا المدخل، اقتيد الملك الصالح ريتشارد، يتبعه إيفانهو الوفي، إلى الغرفة المستديرة التي تشغل الطابق الثالث بأكمله. حظي ويلفريد، أثناء الصعود الشاق، بالوقت ليغطي وجهه بعباءته؛ إذ كانا قد اتفقا على ألا يظهر نفسه لأبيه حتى يعطيه الملك الإشارة.

كان مجتمعا في هذه الغرفة، حول طاولة كبيرة من خشب البلوط، نحو اثني عشر من أكثر ممثلي العائلات الساكسونية وجاهة في المقاطعات المجاورة. وكان سيدريك الجالس بين مواطنيه يبدو وكأنه يتصرف باعتباره رئيسا للجمع. عند دخول ريتشارد نهض بوقار، ورحب به بالتحية المعتادة: «في صحتك»، رافعا في الوقت نفسه قدحا إلى رأسه. ورد الملك التحية بالكلمات المناسبة: «في صحتك»، ورشف من كأس أعطاها له كبير الخدم، وأدى المجاملة نفسها مع إيفانهو، الذي شرب نخب أبيه في صمت.

وبعد أداء هذه المراسم الاستهلالية نهض سيدريك ومد يده إلى ريتشارد، وقاده إلى كنيسة صغيرة شديدة البساطة، كانت محفورة، إن جاز القول، داخل إحدى الدعامات الخارجية. وأظهر مشعلان بضوئهما الأحمر الدخاني المذبح الحجري البسيط، والصليب المصنوع من المادة نفسها. أمام هذا المذبح وضع نعش، وعلى كلا جانبي النعش ركع ثلاثة قساوسة، يحركون حبات مسابحهم ويتمتمون بصلواتهم. وكي يقوموا بهذه الخدمة دفعت والدة المتوفى رسوما جنائزية كبيرة لدير القديس إدموند. تبع ريتشارد وويلفريد سيدريك إلى داخل غرفة الموتى؛ حيث أشار مرشدهم بطريقة مهيبة نحو نعش أثيلستان الذي مات قبل أوانه، وقد احتذيا حذوه في رشم الصليب في ورع على صدريهما، وتمتما بصلاة قصيرة من أجل خلاص روح الراحل.

بعد أداء هذا العمل الورع أشار إليهما سيدريك مرة أخرى ليتبعاه، وهو يخطو على الأرضية الحجرية بخطى صامتة. وبعد صعود بضع درجات فتح بحذر شديد باب مصلى صغير كان ملاصقا للكنيسة. ظهرت، في الضوء النافذ من الكوة الضيقة، امرأة جليلة ملامح المظهر، محتفظة وكان وجهها لا يزال محتفظا ببقايا واضحة لجمال باهر. أبرزت ثياب حدادها الطويلة، وخمارها المنسدل من القماش القبرصي الأسود، بياض بشرتها. وأفصحت ملامح وجهها عن الحزن العميق المقترن بالاستسلام.

قال سيدريك بعدما وقف صامتا للحظة، كما لو كان يعطي ريتشارد وويلفريد وقتا ليلقيا نظرة على سيدة القصر: «يا إيديث النبيلة، إن هذين الغريبين الشريفين قد أتيا ليشاطراك أحزانك. وهذا، بالأخص، هو الفارس الباسل الذي قاتل بكل شجاعة لإنقاذ من نحزن عليه اليوم.»

أجابت السيدة: «أشكره على شجاعته، كما أشكره هو ورفيقه على لطفهما الذي أتى بهما إلى هنا لرؤية والدة أثيلستان في ساعة حزنها العميق. أودعهما، أيها القريب الكريم، رعايتك، وإني على ثقة من أنك ستفي بحق ضيافتهما بقدر ما تستطيع هذه الجدران الحزينة.»

انحنى الضيفان بشدة للوالدة الحزينة، وانصرفا مع مرشدهما ومضيفهما.

قادهم درج ملتف آخر إلى غرفة بالمساحة نفسها التي كانوا قد دخلوها أولا، كانت في الواقع تشغل الطابق الذي يعلوهم مباشرة. عندما دخلوا وجدوا أنفسهم في حضرة ما يقرب من عشرين سيدة وفتاة من السلالة الساسكونية الرفيعة الشأن، من بينهم السيدة روينا، وقد انشغلن في تطريز غطاء حريري كبير معد لتغطية نعش أثيلستان، وفي اختيار أكاليل الزهور، كن ينوين استخدامها للغرض الحزين نفسه، من السلال الموضوعة أمامهن.

بدا لسيدريك أن حزن التي هو الوصي عليها أعمق بكثير من حزن أي فتاة أخرى، فرأى لزاما عليه أن يهمس مفسرا الأمر: «لقد كانت العروس المخطوبة للنبيل أثيلستان.»

Неизвестная страница