Европейский союз: очень короткое введение
الاتحاد الأوروبي: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
من أفضل ما قيل عن الكتاب
تصدير
1 - الغرض من الاتحاد الأوروبي
2 - كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
3 - كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
4 - السوق الموحدة والعملة الموحدة
5 - الزراعة والأقاليم والميزانية: صراعات حول ما سيحصل عليه كل طرف
6 - السياسة الاجتماعية والسياسة البيئية
7 - منطقة حرية وأمن وعدالة
8 - قوة مدنية عظيمة ... وأكثر أم أقل؟
Неизвестная страница
9 - الاتحاد الأوروبي وسائر أوروبا
10 - دور الاتحاد الأوروبي في العالم
11 - الكثير من الإنجازات ... لكن ماذا بعد؟
تأريخ للأحداث في الفترة 1946-2013
مسرد المصطلحات
المراجع
قراءات إضافية
مصادر الصور
من أفضل ما قيل عن الكتاب
تصدير
Неизвестная страница
1 - الغرض من الاتحاد الأوروبي
2 - كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
3 - كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
4 - السوق الموحدة والعملة الموحدة
5 - الزراعة والأقاليم والميزانية: صراعات حول ما سيحصل عليه كل طرف
6 - السياسة الاجتماعية والسياسة البيئية
7 - منطقة حرية وأمن وعدالة
8 - قوة مدنية عظيمة ... وأكثر أم أقل؟
9 - الاتحاد الأوروبي وسائر أوروبا
10 - دور الاتحاد الأوروبي في العالم
Неизвестная страница
11 - الكثير من الإنجازات ... لكن ماذا بعد؟
تأريخ للأحداث في الفترة 1946-2013
مسرد المصطلحات
المراجع
قراءات إضافية
مصادر الصور
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
Неизвестная страница
جون بيندر وسايمون أشروود
ترجمة
خالد غريب علي
مراجعة
ضياء وراد
من أفضل ما قيل عن الكتاب
هذا الدليل الحديث اليسير إلى فهم منظومة الاتحاد الأوروبي، الذي أخرجه فريق من الخبراء الأكاديميين والمهنيين، ذو فائدة عظيمة لكل من يرغب في فهم آليات عمل الاتحاد الأوروبي اليوم، والسبب وراء المشكلات التي تضاهي إنجازاته عددا. إنه كتاب يستحق الاحتفاء به.
أليكس وورلي-لاك
يكتب جون بيندر بأسلوب واضح مباشر وجميل ... وقد لخص التاريخ بصورة استثنائية، كما أخرج الكتاب في صورة حديثة تماما.
هيلين والاس
Неизвестная страница
يحتل جون بيندر مكانة لا ينازعه فيها أحد من الباحثين؛ فهو يضفي رؤية وتوضيحا لكل ما يبدو معقدا ومبهما في أغلب الأحوال. أسلوبه يجعل المؤيدين للاتحاد الأوروبي ومعارضيه يتساءلون عما يمكن أن يحقق الاتحاد الأوروبي بعد إصلاحه وتقوية شوكته لأوروبا كلها والعالم.
أندرو داف، عضو بالبرلمان الأوروبي، المتحدث في الشئون الدستورية
كتاب لا غنى عنه، ليس للمبتدئين فحسب، بل لجميع المهتمين بالقضايا الأوروبية. موجز ، وفصيح، ولا يشق على أحد فهمه. يتناول التاريخ الحديث والمؤسسات والسياسات، ولا يغفل التطورات المستقبلية.
صاحب السعادة جايلز راديس، عضو بالبرلمان الإنجليزي
لا يلم الكتاب بموضوعه فحسب، بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك. إنه دليل موجز ومفيد ومباشر للاتحاد الأوروبي.
مجلة «إندبندنت أون صنداي»
كتاب لا يقدر بثمن!
ويليام كيجان، صحيفة «ذي أوبزرفر»
تصدير
ما زال تناول كيان كالاتحاد الأوروبي في هذا الكتاب المختصر يشكل لنا تحديا حقيقيا ونحن مقبلان على طبعتنا المزيدة والمنقحة الثالثة. ويعكس هذا في جانب منه رغبتنا ليس في استعراض أسس عملية التكامل الأوروبي فحسب، بل أيضا عرض أسباب ضرورة ذلك التكامل، وفي جانب آخر، ذلك نتاج طبيعة الاتحاد ذاته، الذي صار يلعب دورا حيويا في الحوكمة الأوروبية المعاصرة.
Неизвестная страница
أيا كان السبب، فإننا سعينا إلى الاستزادة على خبراتنا وأفهامنا (المختلفة بشدة)؛ فقد ظل جون - الذي وضع بمفرده الطبعة الأولى من هذا الكتاب - متابعا للتطورات على مدى أكثر من نصف قرن، وكون في وقت مبكر جدا رأيا يقول بأفضلية التحرك على خطوات ومراحل نحو الفيدرالية، ولم ير ما يدعوه إلى تغيير هذا الرأي. هذا لا يعني اقتلاع أمم أوروبا القديمة من جذورها ومحاولة غرسها في تربة بكر، بل يعني وضع إطار يمكنها فيه التعامل مع مشكلاتها المشتركة بطريقة فعالة وديمقراطية. ويصطبغ اختياره الأفكار بهذا الرأي. وأما خبرة سايمون فمستقاة من حقبة ما بعد ماستريخت، بكل ما انطوت عليه من صعوبات في بناء أطر دستورية، وإشراك المواطنين. وهو أيضا يدرك قيمة الفيدرالية باعتبارها مبدأ هاديا إلى التكامل، وإن كان ذلك في إطار نظام تظل فيه الدول - على الأرجح - أطرافا فاعلة محورية على مدى المستقبل المنظور.
ظل شغلنا الشاغل عرض الأفكار على نحو يساعد على إتاحة سياق للعقلاء - من يميلون منهم إلى نهج فيدرالي، ومن يميلون إلى نهج حكومي دولي - لتقييم أداء الاتحاد، واتخاذ القرار بشأن الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه، متوخيين الدقة فيما يتعلق بالحقائق.
من قبيل التهوين أن نقول إن الاتحاد شهد أحداثا كثيرة في السنوات الخمس المنقضية منذ الطبعة الثانية، وقد سعينا إلى أن تعكس صفحات الكتاب هذه التغيرات والتحديات. وكحالنا دائما، ندين بالشكر لكثيرين؛ منهم: إيان بيج، ولورا تشابل، وبرندن كونيلي، وأندرو دف، وروبرتا جيرينا، ونايجل هيج، وكريستوفر جونسون، ويورج مونر، وسايمون نتل، كما نشكر المسئولين بمطبعة جامعة أكسفورد الذين جمعوا بين الكفاءة وتفهم حاجات المؤلفين. فإذا لم يلق ما بين دفتي هذا الكتاب إعجاب القارئ، فما الذنب ذنب هؤلاء.
جون بيندر
سايمون أشروود
يناير 2013
الفصل الأول
الغرض من الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي الذي نراه اليوم ثمرة عملية انطلقت منذ أكثر من نصف قرن من الزمان بإنشاء «الجماعة الأوروبية للفحم والصلب». وكانت هاتان الصناعتان آنذاك تمثلان شريان الحياة الصناعي للقوة العسكرية؛ إذ أكد وزير الخارجية الفرنسي، روبرت شومان، في 9 مايو 1950، في إعلانه الذي دشن المشروع، أن «أي حرب بين فرنسا وألمانيا» أصبحت «غير واردة، بل ومستحيلة واقعيا.» ويجسد فوز الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام لسنة 2012 أهمية تلك العملية ذاتها. (1) السلام الدائم
ربما لا يسهل في يومنا هذا، وبعد هذه الفترة الزمنية كلها، أن نقدر ما كان يعنيه ذلك في حين لم يمض إلا خمس سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي جلبت معاناة رهيبة على كل البلدان الأوروبية تقريبا. وبالنسبة لفرنسا وألمانيا - اللتين خاضتا ثلاث حروب كل منها ضد الأخرى خلال العقود الثمانية السابقة على ذلك التاريخ - كان إيجاد سبيل للتعايش في ظل سلام دائم أولوية سياسية أولى أنشئت الجماعة الجديدة لتحقيقها.
Неизвестная страница
كانت فرنسا ترى في قيام دولة ألمانية مستقلة تماما، بما لها من إمكانيات صناعية هائلة، أمرا ينذر بالخطر. وكانت محاولة إخضاع ألمانيا - على النحو الذي سعى إليه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) - قد فشلت فشلا كارثيا، فبدت فكرة دمج ألمانيا داخل إطار مؤسسات قوية تضم بالمثل فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى - ومن ثم تكون مقبولة للألمان على الأمد الأبعد - فكرة واعدة بدرجة أكبر. وقد تحقق هذا الموعود كما كان مأمولا. كان الفرنسيون ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه الثمرة التي أثمرتها مبادرتهم غير المسبوقة، وقد سعوا - بنجاح كبير - إلى لعب دور الزعيم بين الأمم الأوروبية، على الرغم من تراجع ثقتهم بدورهم القيادي منذ انضمام 12 دولة لعضوية الاتحاد عامي 2005 و2007.
لكن المشاركة في هذه المؤسسات الأوروبية على قدم المساواة أعطت أيضا الألمان إطارا يقيمون فيه علاقات سليمة وبناءة مع العدد المتزايد من الدول الأعضاء الأخرى، ويتمون فيه أيضا اتحادهم عام 1990 بسلاسة. ففي أعقاب سنوات الحكم النازي الاثنتي عشرة التي انتهت بالدمار سنة 1945، أتاحت الجماعة للألمان سبيلا كي يستعيدوا احترامهم كشعب من جديد. كانت فكرة قيام جماعة مؤلفة من أنداد تضم مؤسسات قوية لها جاذبيتها. وكان شومان قد أعلن أيضا أن الجماعة الجديدة ستكون «أول أساس صلب لاتحاد فيدرالي أوروبي لا بد منه للحفاظ على السلام.» لكن في حين ظل الالتزام الفرنسي بتطوير الجماعة في اتجاه فيدرالي يشهد مدا وجزرا، ساندت الطبقة السياسية الألمانية - وقد استوعبت مفهوم الديمقراطية الفيدرالية تماما - مثل هذا التطور بإيمان لم يتزعزع. والحقيقة أن تعديلا أدخل سنة 1992 على القانون الأساسي لألمانيا الموحدة، ونص على مشاركتها في الاتحاد الأوروبي، التزم بالمبادئ الفيدرالية.
رأت الدول المؤسسة الأربعة الأخرى (بلجيكا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا) أيضا الجماعة الجديدة كوسيلة لضمان السلام عن طريق دمج ألمانيا داخل مؤسسات أوروبية قوية، كما رأت هذه الدول بوجه عام - مثلها في ذلك مثل الألمان - الجماعة كمرحلة من مراحل إنشاء كيان فيدرالي، وظلت تراه هكذا عموما.
وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الثانية بدأت تتوارى في طيات الماضي البعيد، يظل دافع تحقيق السلام والأمن داخل كيان ديمقراطي - وهو الدافع الذي كان محوريا في تأسيس الجماعة - مؤثرا قويا على الحكومات والساسة في كثير من الدول الأعضاء. وينظر إلى النظام الذي ظل يوفر إطارا للسلام على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان كضمان للاستقرار المستقبلي. وكان أحد الأمثلة على ذلك قرار تعزيزه بطرح العملة الموحدة، التي ترى كوسيلة لتعزيز الارتباط بألمانيا، التي كان من المنتظر أن تصير أقوى بعد توحيدها. وكان انضمام عشر دول من أوروبا الوسطى والشرقية بحثا عن ملاذ آمن بعد الحرب العالمية الثانية ومرور نصف قرن من الهيمنة السوفييتية، مثالا آخر. وقد شهدنا ضغطا متواصلا لتوطيد دعائم مؤسسات الاتحاد بغية الحفاظ على الاستقرار في ظل ازدياد عدد الدول الأعضاء، بفضل التوسع شرقا، إلى ثلاثين دولة أو أكثر، من ضمنها العديد من الديمقراطيات الجديدة.
لم يكن لدى البريطانيين، الذين لم يمروا بتجربة الهزيمة والاحتلال، ذلك الدافع الأساسي نحو تقاسم السيادة مع الشعوب الأوروبية الأخرى، وكانوا يرون أن الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كاف. ومن هنا جاء التركيز على الجوانب الاقتصادية للتكامل الذي شاع بين الساسة البريطانيين وقيد قدرتهم على لعب دور مؤثر وبناء في بعض من أهم التطورات، غير أن قدرة الاتحاد الأوروبي على المساهمة في تحويل العالم إلى مكان أكثر أمانا في ميادين كتغير المناخ وحفظ السلام، وكذلك بسياساته الاقتصادية الخارجية وسياساته في مجال المعونات بوجه أعم، يمكنها - كما سنبين لاحقا في هذا الكتاب - إعطاء مبرر لتغيير هذا الموقف البريطاني الأساسي. (2) القوة والازدهار الاقتصاديان
على الرغم من أن السلام الدائم كان دافعا سياسيا أصيلا وراء تأسيس الجماعة الجديدة، فإنها ما كانت لتنجح دون أداء معتبر في الميدان الاقتصادي الذي استقت صلاحياتها منه، وقد وفت الجماعة - بحق - بالغرضين الاقتصادي والسياسي. كانت الحدود بين فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورج، التي تقوم بين مصانع الصلب، والمناجم التي تمدها بالفحم، تعوق الإنتاج الرشيد. وقد حققت إزالة هذه الحواجز وما صاحبها من حوكمة مشتركة للسوق المشتركة الناتجة عن ذلك؛ نجاحا من المنظور الاقتصادي. شجع ذلك، إضافة إلى الشواهد على وجود مصالحة سلمية جار تحقيقها بين الدول الأعضاء، هذه الدول على رؤية الجماعة الأوروبية للفحم والصلب خطوة أولى - كما أشار شومان - في عملية توحيد سياسي واقتصادي. وبعد محاولة فاشلة لخطو خطوة ثانية (عندما لم تصدق الجمعية الوطنية الفرنسية على معاهدة لإقامة جماعة دفاع أوروبية عام 1954)، استأنفت الدول المؤسسة الست مسار التكامل الاقتصادي من جديد، ثم امتد مفهوم السوق المشتركة ليشمل كل تجارتها المتبادلة في السلع بتأسيس «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» عام 1958؛ مما فتح الطريق أمام اقتصاد متكامل استجاب لمنطق الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول الأعضاء.
كما تمكنت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، بفضل الإصرار الفرنسي على إحاطة السوق المشتركة بتعريفة خارجية موحدة، من الدخول في مفاوضات تجارية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة؛ مما أثبت قدرة الجماعة على أن تصبح طرفا فاعلا رئيسا في النظام الدولي عندما تكون لديها أداة مشتركة تنفذ بها سياسة خارجية. كانت تلك خطوة أولى نحو تلبية دافع آخر لإنشاء الجماعة؛ ألا وهو استعادة النفوذ الأوروبي في العالم ككل. وهو النفوذ الذي كان قد تلاشى نتيجة الحربين العالميتين اللتين شهدتا تناحر دول أوروبية، والذي أصبح يمكن تعزيزه بفضل قدرة الاتحاد على المساهمة في الأمان والازدهار العالميين اللذين نحن في أمس الحاجة إليهما.
شكل : تشرشل في لاهاي يؤسس «الحركة الأوروبية» في أعقاب دعوته إلى «كيان أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية».
بالنظر إلى إخفاق بريطانيا في فهم قوة مسوغات مثل هذا الإصلاح الجذري، كان ونستون تشرشل حالة استثنائية؛ إذ قال في كلمة له في زيورخ بعد نهاية الحرب بأقل من عام ونصف: «علينا الآن أن نبني كيانا أشبه بالولايات المتحدة الأوروبية ... يجب أن تكون الخطوة الأولى شراكة بين فرنسا وألمانيا ... يجب أن تأخذ فرنسا وألمانيا معا بزمام المبادرة.» لكن لم يكن إلا قليل من البريطانيين يفهمون تمام الفهم مسوغات إقامة جماعة جديدة، وتشرشل نفسه لم يكن يرى ضرورة أن تكون بريطانيا - التي كانت آنذاك على رأس إمبراطوريتها، وتجمعها علاقة خاصة أقيمت حديثا مع الولايات المتحدة - عضوا في هذه الجماعة. غير أن كثيرين لم يشاءوا انتقاص مزاياهم في أسواق أوروبا القارية وحرمانهم من المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالسياسات؛ لذا فبعد الإخفاق في إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم الجماعة الاقتصادية الأوروبية إضافة إلى بلدان أوروبية غربية أخرى، سعت الحكومات البريطانية المتتالية إلى الانضمام إلى الجماعة، ونجحت أخيرا عام 1973. لكن فيما لعب البريطانيون دورا قياديا في تطوير السوق المشتركة إلى سوق موحدة أتم، ظلوا يفتقرون إلى الدوافع السياسية التي دفعت الدول المؤسسة وبعض الدول الأخرى إلى المضي قدما نحو صور أخرى من التكامل الأعمق.
من المهم أن نفهم دوافع الدول المؤسسة والبريطانيين التي ما زالت - فيما تواصل تطورها - تؤثر على المواقف تجاه الاتحاد الأوروبي. هذه الدوافع تشترك فيها، بنسب متفاوتة، الدول الأخرى التي انضمت على مر السنين، وهي تشكل أساس معظم الدراما التي تكشفت فصولها منذ خمسينيات القرن المنصرم لخلق الاتحاد الذي هو موضوع هذا الكتاب. (3) نظريات وتفسيرات
Неизвестная страница
هناك طريقتان رئيستان لتفسير ظاهرة الجماعة والاتحاد، يؤكد أنصار الطريقة الأولى على دور الدول الأعضاء وتعاملاتها الحكومية الدولية، أما أنصار الأخرى فيعطون ثقلا أكبر للمؤسسات الأوروبية.
يرى معظم الفريق الأول - الذي ينتمي إلى المدارس الفكرية «الواقعية» أو «الواقعية الجديدة» - أن الجماعة والاتحاد لم يحدثا أي تغيير جذري في العلاقات بين الدول الأعضاء التي تواصل حكوماتها البحث عن مصالحها الوطنية، والسعي إلى تعظيم قوتها داخل الاتحاد الأوروبي وغيره على حد سواء. وثمة صورة أحدث من هذا، وتسمى الحكومية الدولية الليبرالية، تعتمد على تفاعل القوى في سياستها المحلية لتفسير سلوك الحكومات في الاتحاد. وسنستخدم التعبير «حكومي دولي» - نظرا لعدم وجود كلمة أدق - فيما يلي للإشارة إلى هذا الضرب من تفسيرات كيفية عمل الجماعة والاتحاد.
ينبغي ألا يبخس المرء قدر الدور الذي تحتفظ به الحكومات في شئون الاتحاد، باعتبار وضعها كموقعة على معاهدات الاتحاد، وما تملكه من صلاحية اتخاذ القرارات في المجلس الذي يمثل الدول الأعضاء، واحتكارها القوة المسلحة «كملاذ أخير»، لكن هناك نهجا أخرى - من ضمنها النهجان المعروفان بالوظيفية الجديدة والفيدرالية - تمنح المؤسسات الأوروبية ثقلا أكبر مما يمنحها إياها النهج الحكومي الدولي.
رأى أنصار الوظيفية الجديدة الجماعة وهي تتطور، بفضل عملية «انتشار» من الجماعة الأوروبية للفحم والصلب الأصلية التي كان نطاقها مقتصرا على قطاعين صناعيين فقط. وسوف تشعر جماعات أصحاب المصالح والأحزاب السياسية التي اجتذبها نجاح الجماعة في التعامل مع مشكلات هذين القطاعين بالإحباط؛ لعجزها عن التعامل مع المشكلات ذات الصلة في ميادين أخرى، وسوف تضغط بنجاح، بقيادة المفوضية الأوروبية، من أجل توسيع اختصاص الجماعة حتى توفر في نهاية المطاف صورة من الحوكمة الأوروبية لنطاق واسع من شئون الدول الأعضاء. ويعطينا هذا تفسيرا جزئيا - على الأقل - لبعض الخطوات التي خطتها الجماعة في تطورها، بما في ذلك الانتقال من السوق الموحدة إلى العملة الموحدة.
هناك منظور فيدرالي يمضي - مع تأكيده في الوقت نفسه على أهمية المؤسسات المشتركة - إلى ما هو أبعد من الوظيفية الجديدة في اتجاهين رئيسين؛ أولا: يعزو هذا المنظور نقل الصلاحيات إلى الاتحاد الأوروبي إلى عجز الحكومات المتنامي عن التعامل بفاعلية مع مشكلات صارت عبر وطنية؛ ومن ثم تتجاوز نطاق الدول القائمة، أكثر مما يعزوه إلى نقل صلاحيات سلطة قائمة إلى سلطة جديدة. يتعلق معظم هذه المشكلات بالاقتصاد والبيئة والأمن، وينبغي أن تحتفظ الدول بالسيطرة على الأمور التي لا يزال بإمكانها التعامل معها بشكل مناسب. ثانيا: على الرغم من أن أنصار الوظيفية الجديدة لم يكونوا واضحين بشأن المبادئ التي ستشكل المؤسسات الأوروبية؛ فإن هناك منظورا فيدراليا يستند إلى مبادئ الديمقراطية الليبرالية، وبالتحديد سيادة القانون استنادا إلى الحقوق الأساسية والحكم النيابي، بحيث يتولى سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية نواب المواطنين المنتخبون. ووفقا لهذا الرأي، ينبغي أن تتولى مؤسسات الحكومة الصلاحيات التي تمارس بالاجتماع؛ لأن الطريقة الحكومية الدولية لا هي ذات فاعلية، ولا هي ديمقراطية بما يكفي لتلبية حاجات مواطني الدول الديمقراطية. إذن فإما أن يجري تعزيز العناصر الفيدرالية في المؤسسات حتى يصبح الاتحاد كيانا ديمقراطيا ذا فاعلية، استنادا إلى مبدأي سيادة القانون والحكم النيابي، وإلا لن ينجح الاتحاد في استقطاب دعم كاف من المواطنين لتمكينه من الازدهار، وربما مجرد البقاء. لم ينشأ الاتحاد للحلول محل الدول الأعضاء، بل لتحويلها إلى أجزاء متتامة من مشروع تعاوني؛ حيث تكتسب هويات المواطنين مستوى جديدا يتفاعل مع مستويات هوياتهم القائمة.
وسنحاول في الفصول اللاحقة بيان إلى أي مدى عكس تطور الجماعة والاتحاد هاتين الرؤيتين المختلفتين. وينبغي أن ينتبه القارئ في هذه الأثناء إلى أن المؤلفين يريان أن ضرورة وجود حكومة ذات فاعلية وديمقراطية دفعت الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي، على خطوات ومراحل، إلى قطع شوط بعيد في اتجاه الفيدرالية، وينبغي أن تستمر في ذلك، وإن كان هذا ليس مؤكدا على الإطلاق.
الفصل الثاني
كيف صنع الاتحاد الأوروبي؟
«لن تصنع أوروبا دفعة واحدة، ولا وفقا لخطة عامة واحدة، بل ستبنى من خلال إنجازات ملموسة تخلق أولا تضامنا واقعيا.» بهذه الكلمات تنبأ إعلان شومان - بدقة - بالطريقة التي تحولت بها الجماعة إلى الاتحاد الذي نراه اليوم؛ إذ تطورت المؤسسات والصلاحيات خطوة بخطوة، بناء على الثقة المكتسبة من نجاح الخطوات السابقة للتعامل مع المسائل التي بدا أن السبيل الأفضل هو التعامل معها بالعمل المشترك.
تتناول الفصول التالية مؤسسات معينة ومجالات اختصاص محددة بمزيد من التفصيل؛ إذ نرى كيف اقترنت المصالح والأحداث لإحداث التطور ككل. لقد نظرنا في الفصل السابق إلى بعض المصالح والدوافع الأولية؛ وهي: الأمن؛ ليس بالوسائل العسكرية وحسب، بل بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية، والازدهار؛ في ظل وجود مؤسسات الأعمال والنقابات العمالية ذات المصالح الخاصة، وحماية البيئة؛ في ظل الضغط الذي تمارسه أحزاب الخضر والمنظمات التطوعية، وصيرورة تغير المناخ إلى مسألة محل اهتمام عام متزايد، والتأثير في العلاقات الخارجية؛ وذلك بهدف تعزيز المصالح المشتركة في العالم ككل.
Неизвестная страница
بتأسيس الجماعة لتحقيق هذه الأغراض، دخلت مصالح أخرى على الخط؛ فمن كانوا يخشون وقوع ضرر من نواح معينة سعوا إلى التعويض من خلال تدابير إعادة التوزيع؛ فكانت السياسة الزراعية المشتركة من نصيب فرنسا لمعادلة التفوق الصناعي الألماني، والصناديق البنيوية من نصيب البلدان ذات الاقتصادات الأضعف التي تخشى الخسارة نتيجة قيام سوق موحدة، وتسويات الميزانية من نصيب البريطانيين وغيرهم من أصحاب المساهمات الصافية المرتفعة. وضغطت بعض الحكومات والبرلمانات والأحزاب والمنظمات التطوعية من أجل إصلاحات تهدف إلى زيادة فاعلية المؤسسات وديمقراطيتها. واصطدم هؤلاء بمن يعارضون أي تحركات تتجاوز اتخاذ القرارات على المستوى الحكومي الدولي، انطلاقا من عدة دوافع؛ منها: الالتزام الأيديولوجي بالدولة الأمة، والإيمان بأن الديمقراطية لا تتسنى إلا داخل هذه الدولة الأمة، وليس أبعد من ذلك، وعدم الثقة في الأجانب، والتعلق المحض بالوضع الراهن. وكان من بين هؤلاء شخصيات تاريخية: كالرئيس شارل ديجول ، ورئيسة الوزراء تاتشر، فضلا عن تشكيلة واسعة من المؤسسات والأفراد الذين يتركز أغلبهم بين البريطانيين والدنماركيين والتشيكيين والبولنديين. أما من بين المؤسسات الأوروبية فكان مجلس الوزراء هو الأقرب إلى هذا الرأي.
كان جان مونيه وجاك ديلور اثنين من أعظم أنصار الفيدرالية تأثيرا، وكانا ملتزمين بإقامة كيان أوروبي يتعامل بفاعلية مع المصالح المشتركة للدول الأعضاء ومواطنيها، وخطا كلاهما خطوات كبيرة في سبيل الهدف الفيدرالي. أما ألتيرو سبينيللي فكان يمثل نوعا مختلفا من الفيدرالية؛ إذ كان يفكر في إمكانية القيام بتحركات أكثر راديكالية نحو وضع دستور أوروبي. وكانت البرلمانات والحكومات الألمانية والإيطالية والبلجيكية والهولندية من بين أنصار الفيدرالية المؤسسية، لكن بدرجات متفاوتة، ومثلها كانت المفوضية والبرلمان الأوروبيان، وكذلك محكمة العدل بقدر إمكانية تفسير المعاهدات على ذلك النحو. كانت هذه المؤسسات - بوجه عام - تفضل نهج مونيه المتدرج، على الرغم من تبني البلجيكيين والإيطاليين والبرلمان الأوروبي الفيدرالية الدستورية. (1) الخمسينيات: المعاهدات التأسيسية
كان مونيه مسئولا عن صياغة إعلان شومان، وترأس مفاوضات إبرام معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، وكان أول رئيس لسلطتها العليا. وقد جسدت هاتان الكلمتان إصراره على وجود سلطة تنفيذية قوية في قلب الجماعة. وهو إصرار نابع أصلا من تجربته باعتباره نائب أمين عام عصبة الأمم بين الحربين العالميتين التي أقنعته بضعف أي نظام حكومي دولي. لكنه كان مقتنعا - فيما يخص الدول الديمقراطية الأعضاء - بضرورة تزويد هذه الجماعة بمجلس برلماني ومحكمة (وهما بذرتا سلطة تشريعية فيدرالية وسلطة قضائية) ووجود مجلس لوزراء الدول الأعضاء.
شكل : شومان (يمينا) ومونيه (يسارا).
شكل : الصفحة الأولى من النص الذي أرسله مونيه إلى شومان من أجل «إعلان شومان» الصادر في 9 مايو 1950.
ظل هذا الهيكل مستقرا، بشكل لافت للنظر، إلى يومنا هذا، وإن كانت العلاقة بين المؤسسات تغيرت؛ إذ صار المجلس - وبالأخص المجلس الأوروبي لقادة الحكومات منذ 1974 - هو الأقوى، وفقدت المفوضية الأوروبية - على الرغم من أنها ما زالت شديدة الأهمية - جزءا من سلطاتها لصالحه، وازداد البرلمان الأوروبي قوة، ووطدت محكمة العدل دعائمها بصفتها السلطة القضائية العليا في شئون اختصاص الجماعة . أما الحكومات البريطانية التي جاءت في الخمسينيات فقد رأت أن هذه المؤسسات على درجة كبيرة من الفيدرالية تجعل المشاركة البريطانية غير ممكنة، على الرغم من أنها ستقبلها فيما بعد.
لكن الدول الأعضاء الست كانت تميل إلى المضي في ذلك الاتجاه إلى ما هو أبعد، فردت الحكومة الفرنسية على الإصرار الأمريكي على إعادة تسليح ألمانيا عقب آثار السياسة التوسعية الشيوعية في كل من أوروبا وكوريا باقتراح تأسيس «جماعة دفاع أوروبية» بجيش أوروبي، فوقعت الحكومات الست على معاهدة لتأسيس جماعة دفاع أوروبية صدقت عليها أربع منها، لكن المعارضة تنامت في فرنسا فصوتت الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1954 برفضها، فكانت النتيجة أن ظلت فكرة إنشاء اختصاص في حقل الدفاع منطقة محظورة حتى التسعينيات.
على الرغم من أن انهيار جماعة الدفاع الأوروبية كان انتكاسة شديدة؛ فإن الثقة في الجماعة الأوروبية ذاتها كإطار للعلاقات السلمية بين الدول الأعضاء كانت قد نمت، وكان هناك حافز سياسي قوي إلى «إعادة تدشين» عملية تطويرها. كان الهولنديون جاهزين بمقترح لإقامة سوق مشتركة عامة سرعان ما بانت مساندة بلجيكا وألمانيا إياها. كان الشك ينتاب الفرنسيين، الذين كانوا ما زالوا على تأييدهم الواضح لسياسة الحمائية، لكنهم تمسكوا بمشروع الوحدة الأوروبية المتمحورة حول شراكة فرنسية ألمانية؛ ومن ثم قبلوا السوق المشتركة التي أرادها الألمان شريطة تلبية المصالح الفرنسية الأخرى؛ وهي تأسيس جماعة للطاقة الذرية كانت فرنسا مهيأة للعب الدور القيادي فيها، والسياسة الزراعية المشتركة، وارتباط الأقاليم المستعمرة بشروط مواتية، ومساواة النساء في الأجور في عموم الجماعة؛ والتي من دونها كانت الصناعة الفرنسية - الملزمة من قبل بهذه المساواة بموجب القانون الفرنسي - ستشهد تراجعا تنافسيا في بعض القطاعات. أما الإيطاليون، الذين كانوا أصحاب أضعف اقتصاد بين الدول الست، فضمنوا من جانبهم إنشاء البنك الأوروبي للاستثمار، والصندوق الاجتماعي، وحرية حركة وتنقل الأيدي العاملة. وهكذا اشتملت هذه العناصر كلها في معاهدتي روما اللتين تأسست بموجبهما «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية»، فيما يعد نموذجا مبكرا لصفقة شاملة تتضمن مزايا لكل دولة عضو، وهو ما كان سمة لكثير من الخطوات التي اتخذت منذ ذلك الحين.
دخلت المعاهدتان الجديدتان حيز التنفيذ في الأول من يناير 1958، وبينما همشت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، صارت الجماعة الاقتصادية الأوروبية الأساس لتطور الجماعة المستقبلي. كانت مؤسساتها مماثلة لمؤسسات الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، لكن بسلطة تنفيذية أقل قوة نوعا ما، تسمى المفوضية لا السلطة العليا، وأعطيت الجماعة الاقتصادية الأوروبية مجموعة واسعة من الاختصاصات الاقتصادية؛ منها: صلاحية إقامة اتحاد جمركي مع العمل بنظام التجارة الداخلية الحرة، وتطبيق تعريفة خارجية موحدة، ووضع سياسات لقطاعات بعينها أبرزها الزراعة والتعاون بمعناه الأعم.
إطار 1: المعاهدات
Неизвестная страница
لم يتحقق كل ما تحقق بين عشية وضحاها، وكانت معاهدتا روما (اللتان دخلتا حيز التنفيذ عام 1958) لبنة كبرى في عملية طويلة ومعقدة أفضت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي الحالي. ومن المعاهدات الأخرى المهمة معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (دخلت حيز التنفيذ عام 1952)، والقانون الأوروبي الموحد (1987)، ومعاهدة ماستريخت (1993)، ومعاهدة أمستردام (1999)، ومعاهدة نيس (2002)، ومعاهدة لشبونة (2009).
ثمة التباس بسيط؛ ذلك أنه كانت هناك معاهدتان باسم معاهدة روما (انظر أدناه)، لكن معاهدة «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» كانت أهم كثيرا جدا من معاهدة «الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية» المعروفة عموما باسم «معاهدة روما».
وثمة التباس كبير؛ هو أن الاتحاد الأوروبي أنشئ بموجب معاهدة ماستريخت، مع «ركيزتين» جديدتين: إحداهما للسياسة الخارجية، والأخرى للأمن الداخلي، إلى جانب الجماعة الأوروبية التي كانت لديها بالفعل معاهداتها الخاصة بها. وقد نظمتا إلى جانب «معاهدة الجماعة الأوروبية»، وفي إطار «معاهدة الاتحاد الأوروبي». تمخضت معاهدة لشبونة في النهاية عن شيء من التبسيط لهذا الأمر، وذلك بدمج الركائز كلها في ركيزة واحدة؛ إذ يعمل الاتحاد الأوروبي الآن على أساس «معاهدة الاتحاد الأوروبي» و«المعاهدة المنظمة لعمل الاتحاد الأوروبي».
ملحوظة:
لتفادي تعقيد لا داعي له، يلتزم هذا الكتاب بمبدأين في الإشارة إلى الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي؛ وهما:
تستخدم الجماعة الأوروبية أو الجماعة فيما يتصل بالأمور التي تتعلق كلية بالوقت السابق على تأسيس الاتحاد الأوروبي، أو في الفترة بين معاهدتي ماستريخت ولشبونة، عندما تكون الخصائص المنفردة للجماعة الأوروبية وثيقة الصلة بالموضوع .
الاتحاد الأوروبي، أو الاتحاد، في الحالات الأخرى كافة.
كان فالتر هالشتاين أول رئيس للمفوضية، فقادها منطلقا بها انطلاقة قوية، مع تسريع الجدول الزمني لإقامة الاتحاد الجمركي. وتمتعت الجماعة في هذا الإطار بنجاح اقتصادي ملحوظ في الستينيات؛ حيث بلغ متوسط النمو نحو 5 في المائة سنويا، وهو معدل أسرع مرتين منه في بريطانيا والولايات المتحدة، لكن الصراع بين الجماعة الفيدرالية الناشئة - على النحو الذي تصوره مونيه أو هالشتاين - والتزام ديجول المتعصب تجاه الدولة الأمة؛ جعل ذلك العقد بالنسبة للجماعة محفوفا بالمخاطر السياسية. (2) الستينيات: ديجول ضد أنصار الفيدرالية
في يونيو 1958، وبعد أقل من 6 أشهر على دخول معاهدتي روما حيز التنفيذ، تولى ديجول سدة الحكم في فرنسا، ولم يكن تعجبه عناصر الجماعة وطموحاتها الفيدرالية، لكنه لم يكن أيضا مستعدا لتحدي معاهدات وافقت عليها فرنسا حديثا تحديا مباشرا، فسعى بدلا من ذلك إلى استخدام الجماعة كوسيلة للارتقاء بقوة فرنسا وقيادتها. ومن أمثلة ذلك: تهميش الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية لأجل الإبقاء على القطاع الذري الفرنسي قطاعا وطنيا. وثمة مثال آخر: وهو ممارسته حق النقض (الفيتو) الذي أنهى في 1963 المفاوضات الأولى لتوسيع الجماعة لتشمل بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج. وعلى الرغم من أن تصور الحكومة البريطانية للجماعة كان أقرب إلى تصور ديجول منه إلى تصور حكومات الدول الأعضاء الأخرى الأكثر ميلا إلى الفيدرالية، وأن دفاع بريطانيا عن مصالحها الزراعية ومصالح الكومنولث أزعج هذه الدول بتصعيب المفاوضات وتطويلها؛ فإن هذه الدول استاءت من أسلوب الفيتو أحادي الجانب والقومي المتعصب استياء شديدا على نحو أثار أول أزمة سياسية داخل الجماعة، ثم تلت هذه الأزمة أزمة أكبر عام 1965 على خلفية الترتيبات للسياسة الزراعية المشتركة.
كانت السياسة الزراعية المشتركة منذ البداية مصلحة فرنسية أساسية، وكان ديجول عاقدا العزم على العمل على إرسائها دون تأخير لا مبرر له. كان مقررا أن تستند هذه السياسة إلى سياسات لدعم الأسعار تتطلب إنفاقا عاما كبيرا، وقد اتفقت كل من فرنسا والمفوضية على ضرورة أن يكون مصدر هذا الإنفاق ميزانية الجماعة لا الدول الأعضاء، لكن المفوضية، بتوجهها الفيدرالي ، والبرلمان الهولندي، بالتزامه العميق بالمبادئ الديمقراطية، أصرا على ضرورة خضوع إنفاق الميزانية للرقابة البرلمانية، وبما أنه لا يمكن مراقبة ميزانية أوروبية من جانب ستة برلمانات منفصلة، فسيكون لزاما أن يتولى البرلمان الأوروبي هذه المهمة. كان هذا مناسبا تماما للحكومات الأخرى، لكنه كان شيئا بغيضا بالنسبة لديجول، الذي فجر أزمة «الكرسي الشاغر» بمنعه وزراءه من حضور اجتماعات المجلس طوال النصف الثاني من عام 1965 على نحو أثار مخاوف بين الدول الأخرى من احتمال كونه يعد لهدم الجماعة.
Неизвестная страница
لم يكن أي من الجانبين مستعدا للاستسلام، فانتهى هذا الفصل في يناير 1966 بما يسمى «تسوية لوكسمبورج». شددت الحكومة الفرنسية على حق الفيتو خاصتها عندما تكون المصالح «بالغة الأهمية لواحدة أو أكثر من الدول الأعضاء» على المحك، وأكدت الخمس الأخريات التزامها بما نصت عليه المعاهدة من تصويت بأغلبية مشروطة على مسائل معينة، والذي كان مقررا دخوله حيز التنفيذ في ذلك الشهر ذاته فيما يتعلق بالتصويت على مجموعة واسعة من الموضوعات. وفي واقع الأمر تغلبت وجهة نظر ديجول على مدى العقدين التاليين؛ ومن ثم يبدو «فيتو» لوكسمبورج وصفا أدق من «تسوية» لوكسمبورج، لكن في منتصف الثمانينيات بدأ التصويت بالأغلبية يمارس في سياق برنامج السوق الموحدة، وصار الآن الإجراء الموحد الساري على معظم القرارات التشريعية.
على الرغم من هذه الصراعات بين التصورين الحكومي الدولي والفيدرالي، أنجز الاتحاد الجمركي بحلول يونيو 1968؛ أي قبل الموعد الذي حددته المعاهدة، وكان أثره قد أصبح ملموسا بالفعل، ليس داخليا فحسب، بل أيضا في علاقات الجماعة الخارجية. فباستخدام أداة التعريفة الخارجية الموحدة، بدأت الجماعة تتحول إلى قوة تضارع الولايات المتحدة في مجال التجارة، فرد الرئيس كينيدي على ذلك باقتراح مفاوضات متعددة الأطراف لإجراء تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية، فاستجابت الجماعة إيجابيا بقيادة بارعة من المفوضية، فكانت المحصلة تخفيضات بمقدار الثلث في المتوسط، مما استهل عهدا ستكون فيه المفوضية القوة الرئيسة المؤيدة لتحرير التجارة الدولية.
إلى جانب التقلبات التي شهدتها شئون الجماعة السياسية، أحرزت محكمة العدل تقدما مطردا في ترسيخ سيادة القانون؛ فاستنادا إلى التزامها التعاهدي بضمان «مراعاة القانون»، أرست المحكمة في أحكامها التي أصدرتها في 1963 و1964 مبدأي أسبقية قانون الجماعة ونفاذه المباشر؛ بحيث يطبق بصورة متسقة في الدول الأعضاء كافة. وعلى الرغم من افتقار الجماعة إلى وسائل الإنفاذ التي تملكها الدول؛ فإن احترام القانون، استنادا إلى المعاهدات والتشريعات التي سنتها مؤسسات الجماعة، كان هو العروة الوثقى التي أبقت على تلاحمها. (3) توسع وشيء من التعمق: انضمام بريطانيا والدنمارك وأيرلندا
باستقالة ديجول عام 1969، صارت السياسة الفرنسية أكثر براجماتية. كانت بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج ما زالت تسعى إلى الانضمام، وقد وافق الرئيس الفرنسي الجديد جورج بومبيدو على ذلك شريطة الموافقة على تمويل السياسة الزراعية المشتركة، إضافة إلى عناصر «التعمق» كالاتحاد النقدي وتنسيق السياسة الخارجية. كانت هذه العناصر، إضافة إلى خدمة مصالح فرنسا الزراعية، تهدف إلى المزيد من توثيق عرى ارتباط ألمانيا بالجماعة، إلى جانب اتقاء خطر أن يؤدي توسيع الجماعة إلى إضعافها. تلاءم هذا تماما مع الاستشراف الاستراتيجي للمستشار الألماني فيلي برانت، الذي كان آخذا في الانفتاح على الكتلة السوفييتية من خلال «سياسة الانفتاح على الشرق» وفي الوقت نفسه توثيق عرى ارتباط ألمانيا بالغرب، من خلال خططه للتوسع وإقامة اتحاد نقدي.
لكن سيكون على الاتحاد الاقتصادي والنقدي الانتظار؛ إذ كان الفرنسيون يرون الرغبة الألمانية في تنسيق قوي للسياسة الاقتصادية أبعد مما ينبغي بخطوة، فكانت النتيجة وضع نظام للتعاون في مجال أسعار الصرف لم يقو على تجاوز الاضطراب الدولي في العملات الذي شهدته تلك الفترة. وبالمثل، كان النظام الذي استحدث للتعاون في السياسة الخارجية ذا طابع حكومي دولي بالكامل؛ مما حد من أثره. وعلى الرغم من أن فرنسا تمكنت من تحقيق تنظيم مالي مؤات جدا للسياسة الزراعية المشتركة، جاء هذا في مقابل إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية تقاسم المراقبة على الميزانية مع المجلس، وهو القرار الذي تعزز في معاهدتين عامي 1970 و1975. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لم تكن إلا خطوة أولية نحو منح البرلمان صلاحيات مختصة بالميزانية، فقد قدر لها أن تنمو وتتحول إلى عنصر أساسي في هيكل الاتحاد المؤسسي .
انضمت بريطانيا هي والدنمارك وأيرلندا إلى الجماعة في يناير 1973، لكن النرويجيين رفضوا الانضمام في استفتاء شعبي، وكان مقررا أن يصوت البريطانيون أيضا في استفتاء سيجرى عام 1975. كان هارولد ويلسون قد خلف إدوارد هيث على رئاسة الوزراء عام 1974، في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، وكان الحزب يزداد معارضة للجماعة يوما بعد يوم (وهو الموقف الذي استمر في الثمانينيات). وبعد «إعادة تفاوض» سطحية، أوصت حكومة ويلسون باستمرار العضوية، وفي 1975 وافق عليها الناخبون بأغلبية اثنين إلى واحد. ومع وصول المحافظين بزعامة مارجريت تاتشر إلى السلطة عام 1979، انفتحت جبهة توتر جديدة، حيث حاربت تاتشر من أجل «استرداد أموالنا» - كما جاء على لسانها - بعرقلة الكثير من أعمال الجماعة حتى ضمنت التوصل إلى اتفاق عام 1984 لتخفيض صافي مساهمة بريطانيا الكبيرة في ميزانية الجماعة.
وعلى نحو تكرر كثيرا في تاريخ الاتحاد الأوروبي، شهدت السبعينيات تطورا متزامنا لأنشطة حكومية دولية، وأنشطة تتجاوز حدود الولاية الوطنية؛ إذ دشن الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، الذي لم يكن من أنصار المذهب الديجولي، الاجتماعات الدورية للمجلس الأوروبي بين الزعماء الوطنيين، إضافة إلى الانتخابات المباشرة للبرلمان الأوروبي. وسرعان ما سيلعب المجلس الأوروبي دورا محوريا في اتخاذ قرارات الجماعة، ويحل الخلافات التي تعذر على الوزراء في المجلس حلها، ويتفق على الصفقات الشاملة الكبرى. كانت المعاهدات التي أبرمت في الخمسينيات قد نصت بالفعل على الانتخابات المباشرة، لكن الحكومات لم توافق إلا آنئذ، فأجريت الانتخابات الأولى في يونيو 1979، وقدر أن يكون لهذه الخطوة نحو الديمقراطية النيابية أثر كبير على تطور الجماعة المستقبلي. الأمر الذي يتساوى مع هذا في أهميته أن عام 1979 شهد استحداث نظام لتحقيق استقرار أسعار الصرف (النظام النقدي الأوروبي) الذي كتب له أن يصبغ المناقشات اللاحقة بشأن الاتحاد النقدي.
شكل : انضمام بريطانيا: هيث يوقع معاهدة الانضمام. (4) السوق الموحدة ومشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي والتوسع جنوبا
تولى جاك ديلور رئاسة المفوضية في يناير 1985، وكان قد زار كل دولة من الدول الأعضاء للتعرف على ماهية المشروع الكبير الأقرب إلى القبول من الجميع. وبوصفه واحدا من أنصار الفيدرالية على طريقة مونيه، اشتملت قائمته القصيرة على مشروعات - سوق موحدة، عملة موحدة، سياسة دفاعية مشتركة، إصلاح مؤسسي - يمكن اعتبارها بمثابة خطوات في اتجاه الفيدرالية، لكن تاتشر - التي كانت رؤيتها للفيدرالية تشبه رؤية ديجول؛ ومن ثم كانت معارضة لمشروعات العملة الموحدة، والدفاع والإصلاح المؤسسي - كانت في الوقت نفسه ليبرالية اقتصادية شرسة ترى السوق الموحدة تدبيرا مهما من تدابير تحرير التجارة. كانت الاقتصادات الأوروبية قد فقدت الزخم خلال الأوقات العصيبة التي شهدها عقد السبعينيات، فقبلت الحكومات كافة مشروع السوق الموحدة كسبيل للفكاك مما سمي آنذاك «التصلب الأوروبي». كان المشروع مدعوما بقوة من قبل الشركات الأكثر ديناميكية ومؤسسات الأعمال الكبرى، وبالأخص لأن «تسوية» لوكسمبورج كانت قد سمحت بتراكم الحواجز غير الجمركية أمام التجارة خلال تلك الفترة.
شكل : ديلور: سياسي أوروبي موطد العزم مؤمن بالسوق الموحدة والعملة الموحدة.
Неизвестная страница
كان النجاح في إلغاء التعريفات الجمركية على التجارة الداخلية قد برهن على قيمة وضع برنامج بجدول زمني؛ لذا أصدرت المفوضية قائمة تضم نحو 300 تدبير ليجري تطبيقها بنهاية 1992 من أجل إتمام السوق الموحدة بإزالة الحواجز غير الجمركية. أوكل المشروع إلى المفوض اللورد كوكفيلد - وزير سابق في حكومة تاتشر - وصيغ البرنامج سريعا في الوقت المناسب لعرضه على المجلس الأوروبي في ميلانو في يونيو 1985.
في هذه الأثناء، كان البرلمان الأوروبي قد أعد مشروعا سياسيا هو مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي، الذي أوعز به ألتيرو سبينيللي، تلك الشخصية القيادية، منذ الخمسينيات بين أنصار الفيدرالية الذين كانوا يرون أن صياغة دستور هي السبيل المباشر إلى اتحاد فيدرالي. صيغ مشروع المعاهدة لإصلاح مؤسسات الجماعة بغرض إضفاء صبغة فيدرالية عليها، وتوسيع صلاحياتها لاشتمال معظم الصلاحيات التي هي من سمة أي اتحاد فيدرالي باستثناء رئيس هو الدفاع، ودخولها حيز التنفيذ عند التصديق عليها من قبل أغلبية من الدول الأعضاء مع ترتيبات مناسبة يتم التفاوض بشأنها مع أي دول لم تصدق عليها. وعلى الرغم مما حظي به المشروع من مساندة واسعة في معظم الدول المؤسسة، كانت الحكومة الألمانية من بين الحكومات غير المستعدة للموافقة على احتمال استبعاد بريطانيا، غير أن الرئيس ميتران أعرب عن مساندته المشروع، وإن كان بعبارات ملتبسة. وقدمت مقترحات المشروع الرئيسة إلى المجلس الأوروبي في ميلانو، إضافة إلى مشروع السوق الموحدة المقدم من المفوضية.
قرر البرلمان الأوروبي عقد «مؤتمر حكومي دولي» لتعديل المعاهدة، متجاهلا بذلك المعارضة البريطانية والدنماركية واليونانية باستخدامه التصويت بالأغلبية لأول مرة على الإطلاق. نظر «المؤتمر الحكومي الدولي» التعديلات ذات الصلة ليس ببرنامج السوق الموحدة فحسب، بل أيضا بعدد من المقترحات الواردة في مشروع المعاهدة الذي أعده البرلمان، فكانت المحصلة هي «القانون الأوروبي الموحد» الذي نص على إنجاز السوق الموحدة بحلول 1992، وأعطى الجماعة صلاحيات في مجالات البيئة، والبحث التكنولوجي والتطوير، والسياسات الاجتماعية ذات الصلة بالتوظيف و«التماسك»، وضم التعاون في ميدان السياسة الخارجية إلى بنيان المعاهدة (وإن كان ذلك مع الاحتفاظ بإجراءات حكومية دولية واضحة). ومن هنا جاءت تسميته بالقانون الأوروبي الموحد تمييزا له عن مقترح للإبقاء على السياسة الخارجية منفصلة. نص القانون الموحد أيضا على التصويت بالأغلبية المشروطة في عدد من مجالات تشريعات السوق الموحدة، وعزز البرلمان الأوروبي من خلال «إجراء تعاوني» أعطاه نفوذا على مثل هذه التشريعات، إضافة إلى إجراء يشترط موافقته على معاهدات الانتساب والانضمام.
شكل : سبينيللي يصوت لصالح مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي الذي اقترحه.
توسعت رقعة الجماعة عام 1981 لتشمل اليونان، وعام 1986 لتشمل البرتغال وإسبانيا، وثلاثتها كانت من قبل تحت نظم سلطوية، ورأت في الجماعة سندا لديمقراطياتها ولتحديثها اقتصاديا على السواء. أما الجماعة فقد أرادت من جانبها أن تكون هذه الدول دولا أعضاء قابلة للبقاء، وأن تكون داعمة لمشروعاتها كالسوق الموحدة. وتحقيقا لهذه الغاية، تحديدا، اشتمل القانون الموحد على سياسة التماسك استنادا إلى مضاعفة الصناديق البنيوية للمساعدة على تطوير المناطق الضعيفة اقتصاديا.
هكذا عزز القانون الموحد صلاحيات الجماعة ومؤسساتها على حد سواء، في ظل تأثير مصدره توليفة من الحكومات والمصالح الاقتصادية، والشواغل الاجتماعية، والمفوضية، والبرلمان، ومجموعة متنوعة من القوى الفيدرالية. وتلت هذا معاهدات ماستريخت وأمستردام ونيس ولشبونة؛ مما أسفر بالمثل عن المزيد من تعزيز الصلاحيات والمؤسسات، والاستجابة لتوليفات مماثلة من الضغوط. وما كان هذا ليحدث لو لم ينجح القانون الموحد، لكن التوقعات بقيام السوق الموحدة ساعدت على إنعاش الاقتصاد، وازدادت مؤسسات الجماعة قوة وهي تتعامل مع برنامج التشريعات الهائل.
مات سبينيللي بعد التوقيع على القانون الموحد ببضعة أسابيع، وكان لديه انطباع بأنه فاشل، أو كما قال: «فأر ميت.» والحقيقة أن القانون بشر بعملية إعادة تدشين للجماعة ربما كانت بعيدة المدى في آثارها كالعملية التي أدت إلى معاهدتي روما. (5) معاهدتا ماستريخت وأمستردام والتوسع من 12 إلى 15 عضوا
عقد ديلور، عقب نجاحه في السوق الموحدة، عزمه على متابعة مشروع العملة الموحدة. لم تكن تاتشر هي الوحيدة التي عارضتها؛ إذ إن معظم الألمان، الذين كانوا يفخرون بالمارك الألماني بوصفه أقوى عملات الجماعة، كانوا قطعا غير متحمسين لها، لكن العملة ظلت هدفا فرنسيا رئيسا لأسباب اقتصادية وسياسية على السواء، وكان هلموت كول - وهو فيدرالي عتيد - مؤمنا بأنها ستكون خطوة بالغة الأهمية على الطريق إلى إقامة أوروبا فيدرالية. وعلى الرغم من تيسيره إعداد الخطط للعملة الموحدة؛ فإنه واجه صعوبة في الحصول على المساندة اللازمة في ألمانيا.
خريطة (1): نمو الاتحاد الأوروبي، 1957-2013.
كانت الأحداث التي شهدتها سنة 1989 انقلابا مزلزلا؛ فمع تفكك الكتلة السوفييتية - الذي فتح آفاق توسيع الجماعة شرقا - بات أيضا توحيد ألمانيا ممكنا، لكن كول كان بحاجة إلى مساندة ميتران - وذلك لأسباب رسمية - إذ إن فرنسا - باعتبارها قوة احتلال - كان يحق لها استخدام حق الفيتو ضد توحيد ألمانيا، وأيضا لضمان ألا تقوض العلاقات الشرقية الجديدة الجماعة الأوروبية والشراكة الفرنسية الألمانية، وذلك سيرا على خطى السياسة التي أرساها برانت. رأى ميتران أن العملة الموحدة هي السبيل إلى ربط ألمانيا بنظام الجماعة رباطا لا ينفصم؛ ومن ثم اعتبرها شرطا لتوحيد ألمانيا. وقد ضمن هذا لكول ما يلزمه من مساندة في ألمانيا للمضي قدما في المشروع.
Неизвестная страница
كانت النتيجة معاهدة ماستريخت التي لم تنص على اليورو والبنك المركزي الأوروبي فحسب، بل نصت أيضا على إصلاحات مؤسسية واختصاصات أخرى. فأعطيت الجماعة بعض الصلاحيات في مجالات التعليم والشباب والثقافة والصحة العامة، وتعززت مؤسساتها من نواح عدة، بما فيها اتساع مجال التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس. وتعزز دور البرلمان الأوروبي من خلال إجراء «القرار المشترك» الذي اقتضى موافقته - إلى جانب موافقة المجلس - على القوانين في عدد من المجالات؛ وكفل له حق الموافقة أو عدم الموافقة على تعيين كل مفوضية جديدة. وأقيمت «ركيزتان» جديدتان بجانب الجماعة؛ إحداهما: «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة»، والأخرى - التي تتعلق بحرية الحركة والتنقل والأمن الداخلي - سميت «التعاون في العدالة والشئون الداخلية»، ثم أعيدت تسميتها في معاهدة أمستردام «التعاون الشرطي والقضائي في المسائل الجنائية». كان أساس الاثنتين حكوميا دوليا، وإن كانتا متعلقتين بمؤسسات الجماعة. وقد سمي هذا الهيكل الثقيل بأكمله «الاتحاد الأوروبي» متضمنا ركيزة الجماعة الأولى المحورية بجانب الركيزتين الأخريين.
على الرغم من أن جون ميجور كان قد خلف السيدة تاتشر في رئاسة الوزراء، معلنا نيته الانتقال إلى «قلب أوروبا»؛ فإنه أصر على عدم مشاركة بريطانيا في العملة الموحدة، ولا في «فصل اجتماعي» بشأن المسائل التي تتعلق بالتوظيف. ولضمان الموافقة على المعاهدة ككل، قبل منح بريطانيا حق الانسحاب في كليهما، وكذلك الدنمارك طالما كانت المسألة معنية بالعملة الموحدة.
وقعت معاهدة ماستريخت في فبراير 1992، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1993 بعد عدد من التقلبات؛ ففي الدنمارك أجري استفتاءان شعبيان رفضت المعاهدة في أولهما، وووفق عليها في الثاني بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، وفي فرنسا أجري استفتاء شعبي وافق خلاله الناخبون عليها بأغلبية ضئيلة، وفي لندن شهد مجلس العموم عملية تصديق مشحونة، وفي ألمانيا أجرت المحكمة الدستورية مداولات مطولة قبل أن تصدر حكمها برفض دعوى بعدم دستورية المعاهدة. بدت هذه الأحداث، بجانب الشواهد على تراجع قبول الاتحاد بين المواطنين في الدول الأعضاء، مثار قلق، وبالأخص بالنسبة لأصحاب التوجه الفيدرالي.
لكن الشخصيات الأكثر فيدرالية في الحكومات رأت أن معاهدة ماستريخت لم تقطع شوطا كافيا؛ إذ كانوا يريدون إضفاء مزيد من الفاعلية والديمقراطية على الاتحاد في ظل الصلاحيات النقدية الجديدة الحاسمة، والتوقعات بمزيد من التوسع. وبحلول الوقت الذي دخلت فيه المعاهدة حيز التنفيذ ، كانت مفاوضات الانضمام مع النمسا وفنلندا والسويد قد بدأت بالفعل، وتقدمت قبرص ومالطة والنرويج وسويسرا بطلباتها للانضمام، وتفاوضت النرويج بشأن معاهدة انضمام، لكنها رفضت من جديد في استفتاء شعبي، وسحبت الحكومة السويسرية طلبها بعد هزيمتها في استفتاء شعبي على المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تمثل صورة أقل إلزاما بكثير. كان مقررا للمفاوضات مع قبرص ومالطة أن تبدأ في 1998 و2001 بالتزامن مع بدء المفاوضات مع عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، وذلك في أعقاب قرار المجلس الأوروبي بإمكانية انضمام الأخيرة عند استيفائها الشروط الاقتصادية والسياسية، لكن النمسا وفنلندا والسويد انضمت في يناير 1995؛ لذا تلا معاهدة ماستريخت عام 1996 مؤتمر حكومي دولي آخر تمخض عن معاهدة أمستردام التي وقعت عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ عام 1999.
أعادت معاهدة أمستردام النظر في عدد من اختصاصات الاتحاد؛ من بينها الاختصاصات المتعلقة بالركيزتين الحكوميتين الدوليتين، وأضيف فصل جديد حول التوظيف إلى معاهدة الجماعة على نحو يعكس الشاغل بشأن البطالة التي استمرت خلال التسعينيات عند مستوى حوالي 10 في المائة، بجانب المخاوف من احتمال تفاقمها إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيتبع سياسة تضييق نقدي.
من بين المؤسسات كلها، حقق البرلمان الأوروبي أكبر مكسب من خلال بسط نطاق إجراء القرار المشترك ليشمل أغلبية القرارات التشريعية، وحق الموافقة على تعيين المفوضية ككل، بل وقبل ذلك الموافقة على تعيين رئيسها. وبما أن الرئيس كان يعطى - ما إن يعين - الحق في قبول المرشحين لعضوية المفوضية الآخرين أو رفضهم، تعززت بذلك سلطة البرلمان على المفوضية كثيرا. وقد أثبت دور البرلمان في العملية التي أفضت إلى استقالة المفوضية في مارس 1999 وتعيين مفوضية جديدة؛ أهمية الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية. كما أعطت المعاهدة رئيس المفوضية سلطة أكبر على المفوضين الآخرين.
في الوقت نفسه الذي أضيفت فيه هذه العناصر الفيدرالية إلى المؤسسات، عكست معاهدة أمستردام المخاوف من عدم تمكن الاتحاد من التصدي للتحديات التي يواجهها إذا كان إجراء الموافقة بإجماع الآراء سيحول دون التطورات الجديدة؛ مما أفضى إلى إجراء «التعاون المعزز» الذي يسمح لمجموعة من الدول الأعضاء بالمضي قدما في أي مشروع لا ترغب أقلية في المشاركة فيه، وإن كان هذا الإجراء لم يستخدم بعد حتى كتابة هذه السطور. قبل انعقاد اجتماع المجلس الأوروبي الذي توصل إلى اتفاق على المعاهدة في أمستردام بستة أسابيع، تولى توني بلير رئاسة الوزراء في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، فوافقت الحكومة البريطانية الجديدة على الفصل الاجتماعي، وفي تحرك يعرب عن موقف أكثر إيجابية تجاه الاتحاد، قبلت - بلا تردد - الإصلاحات التي تضمنت زيادة صلاحيات البرلمان. غير أن بريطانيا - بجانب الدنمارك وأيرلندا - اختارت عدم المشاركة في النص على إلغاء إجراءات مراقبة الحدود، بجانب تحويل التعاون ذي الصلة في مجالي العدل والشئون الداخلية تحويلا جزئيا إلى ركيزة الجماعة، على الرغم من أنه سيأتي وقت فيما بعد تتعاون فيه الحكومة البريطانية تعاونا فاعلا في هذا المجال. وفيما يتعلق بالأمن الخارجي، استحث الأداء الأوروبي الضعيف في يوغوسلافيا السابقة مطالبات بإنشاء قدرة دفاعية أقوى، وقبلت بريطانيا نصا لهذا الغرض في معاهدة أمستردام، ثم انضمت إلى فرنسا في استهلال إجراءات في هذا الشأن. (6) التوسع إلى 28 عضوا، والدسترة، ولشبونة
حصلت عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، عقب تحررها من الهيمنة السوفييتية، على الانتساب إلى الاتحاد، ثم سعت إلى الانضمام إليه، فواجهت مهمة جسيمة تتمثل في تحويل اقتصاداتها وأنظمتها السياسية من السيطرة الشيوعية المركزية إلى اقتصادات السوق والديمقراطيات التعددية التي تقتضيها العضوية. لكن بحلول عام 1997 ارتأى الاتحاد أن خمسا منها أحرزت تقدما كافيا لتسويغ الشروع معها في مفاوضات الانضمام في العام المقبل، واستهلت المفاوضات مع خمس أخرى في يناير 2000. وبحلول عام 2004، انضمت الجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، إضافة إلى قبرص ومالطة؛ ثم انضمت بلغاريا ورومانيا عام 2007؛ كما اعترف أيضا بترشح تركيا، لكن المشكلات الاقتصادية والسياسية حالت دون الشروع في المفاوضات حتى 2005، ويبدو أنه مقدر لها أن تظل هكذا لسنوات عديدة، ولا سيما في ضوء معارضة العديد من الدول الأعضاء.
مع وجود مثل هذا التوسع الهائل في الأفق، أثيرت مجددا مسألة التعمق. كان من الضروري إصلاح بعض السياسات، وبالأخص السياسات المعنية بالزراعة والصناديق البنيوية، فجرت الموافقة على مقترحات المفوضية في هذا الشأن، والتي عنونت ب «جدول أعمال عام 2000»، موافقة جزئية، على الرغم من أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من التدابير. وفيما يتعلق بإصلاح المؤسسات، عقد مؤتمر حكومي دولي آخر عام 2000 أفضى إلى معاهدة نيس، التي وقعت عام 2001، ودخلت حيز التنفيذ عام 2002.
كانت النتيجة استجابة غير كافية لاحتمال تضاعف عدد الدول الأعضاء تقريبا، حيث أدخل المؤتمر زيادات متواضعة على نطاق التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس، ونطاق القرار التشريعي المشترك مع البرلمان، وبعض التحسينات الإجرائية بالنسبة لمحكمة العدل. وقد واجه المجلس النمو في عدد المفوضين الذي رافق التوسع بمزيد من تعزيز سلطة الرئيس على المفوضين الآخرين، واتخاذ بعض الخطوات للحد من عددهم. كما شهد الإعلان الرسمي عن «ميثاق الحقوق الأساسية»؛ وذلك كوسيلة لتقوية أحكام الاتحاد المقررة في هذا المضمار، لكن ترجيح الأصوات في المجلس وعدد أعضاء البرلمان الأوروبي لكل دولة صارا موضوعا لمساومات تجردت من المبادئ وتمخضت عن محصلة لا تفهمها الأغلبية العظمى من المواطنين. وجدت الحكومتان الألمانية والإيطالية المعاهدة غير مرضية إلى درجة أنهما اقترحتا «نقاشا أعمق وأوسع حول مستقبل الاتحاد»، فقرر المجلس الأوروبي في ديسمبر 2001، تحت الرئاسة البلجيكية، عقد اجتماع اتفاقية لتقديم المزيد من المقترحات إلى مؤتمر حكومي دولي عام 2004.
Неизвестная страница
صيغ «إعلان لايكن» - الذي سمي تيمنا بالضاحية التي اجتمع فيها المجلس الأوروبي في بروكسل - بمهارة لضمان الموافقة بالإجماع باشتماله - فيما كان أشبه بمرجعيات لاجتماع الاتفاقية - بنودا استهدفت الأعضاء الأكثر ميلا إلى الحكومية الدولية، والأعضاء الأكثر ميلا إلى الفيدرالية؛ وبذا انعقد اجتماع الاتفاقية في فبراير 2002 ومنح اختصاصا واسعا جدا، وغطى أعضاؤه المائة والخمسة طيفا واسعا من التوجهات السياسية؛ حيث ضم عضوي برلمان من كل دولة من الدول الأعضاء والدول المرشحة البالغ عددها آنذاك 27 دولة، إضافة إلى تركيا كدولة مرشحة قريبا، و16 عضوا بالبرلمان الأوروبي، وممثلا عن كل حكومة، وعضوين من المفوضية الأوروبية، ورئيسا، ونائبي رئيس.
اختط رئيس اجتماع الاتفاقية، وهو الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، مسارا حاذقا بين الفيدرالية والحكومية الدولية. كان أغلبية أعضاء الاجتماع، ومن ضمنهم برلمانيون من الدول الأعضاء، يفضلون توجها ذا طابع فيدرالي أكثر منه ذا طابع حكومي دولي، وقد أرضاهم جيسكار بمحاباة عناصر الإصلاح الفيدرالي داخل ركيزة الجماعة.
لكن معاهدة الاتحاد الأوروبي المعدلة التي صاغها اجتماع الاتفاقية ما كانت لتلقى قبولا بالإجماع من قبل المؤتمر الحكومي الدولي التالي لو أقحمت العناصر الفيدرالية نفسها أكثر مما ينبغي في مجالي السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وسياسة الاقتصاد الكلي، ولا كان بعض ممثلي رؤساء الحكومات في اجتماع الاتفاقية سيقبلون توافق الآراء الذي سعى إليه جيسكار كمحصلة لعمل الاجتماع. ومن الجائز تماما أن جيسكار نفسه أيد هذه الرؤية؛ لذا وجه دفة اجتماع الاتفاقية نحو المقترحات التي يطغى عليها الطابع الحكومي الدولي في ذلكما الميدانين. وفي يوليو 2003، أعلن عن توافق في الآراء على مشروع دستور. كان الضغط الرئيس لهذا المشروع يصب في اتجاه خلق مؤسسات أكثر فاعلية وديمقراطية، مع ترتيبه في الوقت نفسه كثيرا من بنود المعاهدات القائمة بشأن السياسات المشتركة، وقد وفر أساسا للمزيد من التطوير لدفاع مشترك. عقد المؤتمر الحكومي الدولي في أكتوبر 2003، فوافق على بعض التعديلات في اتجاه حكومي دولي، واختتم بعد ذلك بعام عندما وقعت كل الدول الأعضاء والمنضمة المعاهدة المؤسسة لدستور لأوروبا، التي صدقت عليها ثماني عشرة منها، لكنها رفضت بأغلبيات كبيرة في استفتاءين شعبيين في فرنسا وهولندا عام 2005.
يمكن أن نعد من أمارات مرونة عملية التكامل أنه على الرغم من عدم رغبة جمهوري عضوين مؤسسين في الموافقة على أساس دستوري أكثر صراحة للاتحاد، كانت لا تزال هناك رغبة في المثابرة من جانب الحكومات الوطنية، وإن كان ذلك بعد «فترة من التفكر». ولا شك أن استمرار عدم التكافؤ بين الانخراط النخبوي والشعبي مع الاتحاد الأوروبي منذ ماستريخت تفاقم نتيجة عدم استعداد النخب لإثارة نقاش حول ما يرفض غالبا باعتباره أمرا مستبعدا أو معقدا. ولا ريب أن إحياء الأغلبية الكبيرة من محتويات المعاهدة الدستورية بمؤتمر حكومي دولي مقتضب عام 2007، وتصديق كاد يتفادى تماما استفتاءات التصديق الشعبية لم يفعل إلا قليلا لتحبيب الاتحاد إلى الجمهور. وهو ما أكده «تصويت بالرفض» في أيرلندا (البلد الوحيد الذي أجرى مثل هذا الاستفتاء) والتحديات القانونية في ألمانيا والجمهورية التشيكية. وكلها كان معناها أن الوثيقة النهائية - معاهدة لشبونة - لم تدخل حيز التنفيذ إلا في ديسمبر 2009.
على الرغم من كون معاهدة لشبونة النتيجة النهائية لهذا الاستعراض الجوهري للأساس القانوني للاتحاد، ولنقاش دام نحو عقد من الزمان، فإنها تبدو أشبه كثيرا بسابقاتها؛ إذ تحتفظ بالمزيج الأساسي من العناصر الحكومية الدولية والعناصر الفيدرالية، وتبقي على الدول الأعضاء في وضع مميز من حيث اتخاذ القرارات، وتبقي كثيرا من الاختصاصات حيثما كانت من قبل، غير أنها تؤذن بمرحلة جديدة في تطور الاتحاد.
الأهم من ذلك أن لشبونة أنهت نظام الركائز، حيث ضمت كل ما تبقى من الركيزتين الثانية والثالثة إلى الأولى، التي كانت تحكمها المعاهدة التي أعيدت تسميتها «المعاهدة المنظمة لعمل الاتحاد الأوروبي». ظلت معاهدة الاتحاد الأوروبي توفر إطارا أوسع، وشخصية قانونية للاتحاد، فضلا عن توفيرها مجالا كي يكتسب «ميثاق الحقوق الأساسية» مكانة قانونية بأن يشكل أساسا لأنشطة الاتحاد. جرى تبسيط التصويت في المجلس، في حين وسع البرلمان صلاحياته التشريعية بدرجة أكبر؛ إذ صار «الإجراء التشريعي العادي» ينطبق على معظم الأنشطة، وصار له القول الفصل في مجالات الإنفاق كافة. وصار للمجلس الأوروبي رئيس دائم يترأسه ويمثله، ليحل بذلك محل الرئاسة الدورية، التي صارت آنذاك مقتصرة على المجلس. وعززت المعاهدة التمثيل الخارجي باستحداث منصب ممثل سام للشئون الخارجية، يتولى في الوقت نفسه منصب نائب رئيس المفوضية ورئيس مجلس الشئون الخارجية. والمهم أن أدوارا رسمية أسندت إلى البرلمانات الوطنية للاعتراض على المقترحات التشريعية، وإلى المواطنين الأوروبيين لتقديم التماسات عمل إلى المفوضية.
مثلت معاهدة لشبونة لكثيرين نهاية لعهد الدسترة في شئون الاتحاد، لكن التدهور السريع الذي شهده الاقتصاد العالمي بداية من 2007، والذي أخذ يستحوذ على كثير من اهتمام الساسة في أوروبا في السنوات اللاحقة، سلط الضوء على الحاجة إلى نقاش متواصل؛ فقد أثرت الأزمة المالية الأولية التي فجرها الانهيار في قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية على الاقتصادات الأوروبية بشدة، لتوقف بذلك فترة نمو طويلة، أضف إلى ذلك أزمة الديون السيادية سنة 2009 التي كانت خاصة بمنطقة اليورو.
سنناقش هذا بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع، لكننا سننوه هنا إلى أن أزمة الديون السيادية - على الرغم من تنوع أسبابها - تفاقمت بفعل الطبيعة المنقوصة لتكامل منطقة اليورو؛ ففي ظل افتقار الاتحاد إلى القدرة على توليد تحويلات مالية في عموم منطقة اليورو، أو إصدار سندات دين، تمكنت الأسواق المالية العالمية من إجبار الحكومات على الدخول في جولات متكررة من إدارة الأزمة والتدخل، وأوضح مثال على ذلك حالة اليونان. تدهورت الأزمة على نحو جعلها تتطلب تدريجيا المزيد من التدخلات الكبرى، حتى برزت على الساحة بحلول 2010-2011 مجموعة كبيرة من المقترحات كان بعضها تشريعيا، لكن بعضها كان يتطلب تعديل المعاهدات. حدت شواغل الحكومة البريطانية بشأن الأثر المترتب على مدينة لندن بها إلى عرقلة محاولة لفعل هذا في ديسمبر 2011، فكانت النتيجة أن توصلت الدول الأعضاء الأخرى ببساطة إلى توافق في أوائل 2012، بشأن «اتفاق مالي» يقع خارج إطار الاتحاد، لكنه يستخدم مؤسساته.
في ظل مستقبل اقتصادي محفوف بالشكوك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي تجاوز الأزمة، مع انحسار خطر تخلي دول أعضاء منفردة عن اليورو، وأظهر انضمام كرواتيا إلى الاتحاد في منتصف 2013 أهميته المستمرة في ضمان السلام والاستقرار، لكن الأمر الذي يظل غير واضح هو أثر ذلك على حوكمة الاتحاد، وعلى المواقف الشعبية من التكامل. وهي مسائل سنعود إليها لاحقا.
الفصل الثالث
Неизвестная страница
كيف يحكم الاتحاد الأوروبي؟
يملك الاتحاد الأوروبي صلاحيات اقتصادية وبيئية كبيرة، ويبدي نشاطا متزايدا في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الداخلي، فكيف تستخدم هذه السلطة وتراقب؟ وكيف يحكم الاتحاد؟
الإجابة - وفقا لكثيرين من أنصار الحكومية الدولية - أن ذلك يتم من خلال التعاون بين حكومات الدول الأعضاء؛ فالمؤسسات الأخرى ثانوية بالنسبة للمجلس الذي يضم ممثلي الحكومات، وهذا الواقع سيستمر. لكن في حين لا يزال المجلس هو المؤسسة الأقوى نفوذا، ينظر أنصار الفيدرالية إلى البرلمان والمفوضية ومحكمة العدل ليس كمحض هيئات مستقلة استقلالا كافيا عن الدول على نحو جعلها تغير طبيعة العلاقات بينها، بل أيضا كأطراف فاعلة رئيسة في عملية يمكنها - بل وينبغي لها - أن تسفر عن تحول الاتحاد إلى كيان سياسي فيدرالي. (1) المجلس الأوروبي والمجلس
رسم بياني (1): مؤسسات الاتحاد.
يتألف المجلس من وزراء يمثلون الدول الأعضاء، وعلى أرفع مستوى يوجد «المجلس الأوروبي لرؤساء الدول أو الحكومات»، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي ورئيس المفوضية الأوروبية. وقد اشتمل رؤساء الدول في اسم المجلس؛ لأن العديد من رؤساء الدول يشاركون بجانب رؤساء وزراء بلادهم؛ لأنهم منوطة بهم بعض الصلاحيات المنوطة برؤساء الحكومات في بلدان أخرى.
يجتمع المجلس الأوروبي ثلاث أو أربع مرات كل عام، ويتخذ القرارات التي تتطلب حسما أو زخما على هذا المستوى السياسي: إما لعدم قدرة الوزراء على حل قضية ما في المجلس، وإما في بعض الأحيان لضرورة التحضير لصفقة شاملة تضم موضوعات كثيرة؛ كمعاهدة تعديل مهمة، أو منظور مالي سبعي. كما يتعين على المجلس الأوروبي «تحديد مبادئ توجيهية سياسية عامة». وتعد رئاسة المجلس الدورية وظيفة مهمة لإدارة الأعمال الحالية، ولإطلاق مشروعات جديدة.
ومنصب رئيس المجلس الأوروبي هو أقرب ما وصل إليه الاتحاد شبها بنظير قومي؛ حيث يمثل هذا الرئيس الاتحاد الأوروبي خارجيا، ويقرر محور تركيز عمل المجلس الأوروبي. وقد ركز أول شاغل لهذا المنصب، وهو رئيس الوزراء البلجيكي السابق هيرمان فان رومبوي، بالدرجة الأولى على الجانب الإداري للمنصب؛ حيث ساعد على تنسيق الاستجابة لأزمة منطقة اليورو، وأسس «أسلوب عمل» مع المؤسسات الأخرى وأبرزها المفوضية.
تقتصر الاجتماعات ذاتها على رئيسين (رئيسي المجلس الأوروبي والمفوضية) ورؤساء الدول والحكومات الثمانية والعشرين، وعادة الممثل السامي للاتحاد للشئون الخارجية. ويحيط بهؤلاء، خارج قاعة الاجتماعات، جيش من الإعلاميين الذين يقدمون نتائج الاجتماعات إلى مواطني مختلف البلدان بطرق متباينة تباينا جذريا، في ظل سعي كل زعيم إلى إحداث أفضل انطباع ممكن لدى جمهوره.
تصدر «القرارات الرئاسية» عقب كل اجتماع، وتكون عادة على هيئة وثيقة مطولة ترفق بها أحيانا ملاحق ضخمة.
شكل : المجلس الأوروبي (1979): وجوه تنظر في اتجاهات مختلفة.
Неизвестная страница
لا يباشر المجلس الأوروبي ذاته إلا قلة من هذه القرارات، ولا يملك وقتا لإجراء مناقشة شاملة لكل ما يطرح عليه، ولا سيما عند التعامل مع الإحاطات الفنية، كما في أزمة منطقة اليورو. والمعتاد بدرجة أكبر أن تنبثق معظم التفاصيل ومعظم «المبادئ التوجيهية السياسية» عن مؤسسات الاتحاد من خلال عملها مع رئيس المجلس الأوروبي.
مجلس الاتحاد الأوروبي (أو «مجلس الوزراء» كما يعرف عادة) هيئة أكثر تعقيدا، وتتوقف مسألة من من الوزراء يحضر اجتماعا معينا على الموضوع المطروح. ويجتمع هذا المجلس على نحو عشر هيئات، من ضمنها «المجلس الاقتصادي والمالي» «إيكوفين»، والمجلس الزراعي، ومجلس الشئون الخارجية (برئاسة الممثل السامي)، ومجلس الشئون العامة، الذي يتألف من وزراء الخارجية، ويفترض أن يتولى تنسيق عمل المجالس الأخرى، لكنه - على أرض الواقع - يواجه صعوبة في السيطرة على مجالس الوزراء من وزارات الخارجية النافذة. ويترأس كل مجلس ممثل دولة من الدول التي تتناوب على منصب الرئيس الدوري كل ستة أشهر.
تحضر اجتماعات المجلس - خلافا للمجلس الأوروبي - أعداد كبيرة تضم مسئولين كثرا، وكذلك وزراء أو ممثلين عنهم من كل دولة عضو، ويرافقهم المفوضون ذوو الصلة، إضافة إلى مسئولين من المفوضية ومسئولين من أمانة المجلس. وهذه الأمانة هي التي تكفل الاستمرارية من رئاسة إلى التي تليها، وقد صارت مؤسسة قوية نوعا ما. وخلافا للمجلس الأوروبي أيضا، يتسم قدر كبير من عمل المجلس بالطابع التشريعي، وبعضه بالطابع التنفيذي.
بعد ضغط مطول، يعقد المجلس الآن جلساته التشريعية علانية، لكن أعماله ما زالت أشبه بمفاوضات في مؤتمر دبلوماسي منها بنقاش في هيئة تشريعية ديمقراطية عادية.
كان وجه الشبه بين أعمال المجلس والتفاوض الدولي أوضح ما يكون قبل منتصف الثمانينيات - مع تدشين برنامج السوق الموحدة - وهو الوقت الذي بدأ يحل فيه «التصويت بالأغلبية المشروطة» محل التصويت بالإجماع كإجراء متبع في القرارات التشريعية. وعلى الرغم من نص المعاهدة على أن المشروعات التي تقترحها المفوضية هي وحدها التي تسن بوصفها قوانين، كان إجراء التصويت بالإجماع قد أعطى كل وزير حقا في النقض يضغط به على المفوضية كي تعدل مقترحها على النحو الذي يطلبه. وعلى الرغم من نص المعاهدة على التصويت بالأغلبية المشروطة بشأن مجموعة متنوعة من الموضوعات؛ فإن حق النقض المشمول ضمنا في «تسوية» لوكسمبورج وسع من نطاقه عمليا حتى كاد يشمل عملية التشريع بأكملها. كما تسعى «لجنة الممثلين الدائمين» للدول الأعضاء مقدما إلى إيجاد أرضية مشتركة في ردود أفعال الحكومات تجاه مقترحات المفوضية. ونظرا لصعوبة التوصل إلى إجماع آراء؛ فإنه لولا تفاني كثير من هؤلاء المسئولين لما تمكن الاتحاد من أداء وظائفه إطلاقا، لكن التدابير التي تحددها المفوضية بوصفها في الصالح العام، وتتمتع بمساندة أغلبية كبيرة، اختزلت في أغلب الأحوال إلى «قاسم مشترك أدنى» يتوصل إليه بعد طول تأخير.
شكل : مجلس الوزراء: ليس بتجمع محدود.
ساهم هذا في عدم إحراز تقدم صوب السوق الموحدة حتى تغيرت إجراءات التصويت في أعقاب إقرار القانون الأوروبي الموحد؛ فحتى ذلك الحين كانت تدابير السوق الموحدة تمرر بوتيرة تصل إلى نحو شهر. وهذا يكفي بالكاد لمواكبة التطورات في الاقتصاد، ناهيك عن إتمام البرنامج ككل في غضون ربع قرن من الزمان، لكن القانون الموحد وما نص عليه من تصويت بالأغلبية المشروطة على معظم تشريعات السوق الموحدة ساعد على تسريع الوتيرة لتصل إلى نحو أسبوع؛ بحيث انتهى سن القسم الأكبر من هذه القوانين بحلول 1992.
شهد نظام التصويت بالأغلبية المشروطة العديد من الدورات. وتوجد في الوقت الحالي عقبة ثلاثية تتمثل في الحصول على أغلبية بنسبة 67 في المائة من الدول، وأغلبية بنسبة 62 في المائة من السكان، وأغلبية بنسبة 74 في المائة من الأوزان التصويتية (أي 260 صوتا من أصل 352 صوتا، وذلك بالترجيح تقريبيا حسب الحجم). ولد هذا النظام الصعب من رحم مساومات مطولة في مؤتمر نيس الحكومي الدولي، ودفعت تعقيداته اجتماع الاتفاقية ثم معاهدة لشبونة إلى التوصل إلى نموذج أبسط. وسيطبق هذا النموذج اعتبارا من 2014، ويتطلب 55 في المائة من الدول، و65 في المائة من السكان للوصول إلى العتبة. وهو يقي النظام المنازعات التي كانت تحدث من قبل على الأوزان التصويتية، مع حمايته كلا من الدول الكبيرة والصغيرة من التعرض للتهميش الهيكلي.
على الرغم من أن التصويت بالأغلبية المشروطة صمم لضمان إمكانية تمرير القوانين التي تريدها أغلبية كبيرة، لا يزال المجلس يحاول أن يتجنب تجاهل أي أقلية، ولو كانت حكومة واحدة، في شيء تراه شديد الأهمية. ويعود هذا بدرجة ما إلى ضرورة معاملة الأقليات باعتناء في كيان سياسي متنوع. ولهذا القصد ميزته في الاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن لأي حكومة مستاءة أن تثأر لنفسها بعرقلة السير في مسائل أخرى مرهونة بالموافقة بالإجماع، كما أنه يجسد بدرجة ما الثقافة الدبلوماسية التي تسود في المجلس، لكن على النقيض من «تسوية» لوكسمبورج، كثيرا ما تجرى تصويتات وتسير أعمال الاجتماعات في «ظل التصويت»، والنتيجة هي أن الوزراء يفضلون التوصل إلى حلول وسط بدلا من المخاطرة بأن يسفر التصويت عن محصلة أسوأ بالنسبة لهم من هذه الحلول الوسط. وغالبا ما يقترح الرئيس - مرتئيا أن مشكلة ما قد حلت - أنه تم التوصل إلى توافق الآراء، وإذا لم تكن هناك ممانعة، يقبل المجلس النص دون تصويت رسمي.
باستخدام التصويت بالأغلبية المشروطة في تشريعات السوق الموحدة، بدأ فيتو لوكسمبورج يتلاشى إلى حد أن صار التصويت بالأغلبية المشروطة هو السياق لنطاق أوسع من القرارات، وقد امتد نطاقه بموجب المعاهدات المتتالية ليشمل جل مجالات التشريع. أما القلة الباقية التي يسري عليها التصويت بالإجماع، فتندرج تحت تشكيلة من العناوين التي ترتبط نمطيا بقضايا بنيوية؛ كعضوية الاتحاد، والتعاون المعزز، والمواطنة، أو بمجالات السياسات ذات الحساسية الخاصة. والأهم فيما يخص العمل اليومي للاتحاد هو الاحتفاظ بالتصويت بالإجماع في معظم شئون السياسة الخارجية، على نحو ما نناقش في الفصل الثامن. والبديهي أنه كلما ازداد عدد الدول ازدادت صعوبة التوصل إلى موافقة بالإجماع، وهكذا دائما ما كان هناك ضغط من أجل تضييق نطاق استخدام إجراء الموافقة بالإجماع، وهذا مصدر خلاف بين من هم أكثر توجها نحو الفيدرالية ومن هم أقل توجها نحوها. كما يبرز جدال مماثل حول الدور التنفيذي للمجلس.
Неизвестная страница
فخلافا للهيئات التشريعية في معظم الديمقراطيات، يمارس المجلس صلاحيات تنفيذية كبيرة . وعلى الرغم من أن المفوضية - كما تصور مونيه - هي الهيئة التنفيذية الرئيسة للاتحاد، تسمح المعاهدة للمجلس بأن «يفرض اشتراطات» بشأن الطريقة التي تنفذ بها المفوضية القوانين، أو حتى أن يضمن تنفيذ هذه القوانين بنفسه. كان هذا يحدث في ظل نظام معقد اسمه «منظومة اللجان»؛ حيث كانت هناك لجان فردية تضم مسئولي الدول الأعضاء تشرف على تنفيذ أقسام معينة من التشريعات. وفي حين أن شيئا من الرقابة كان ممكنا من قبل المفوضية والبرلمان، فإن مدى العرقلة والتأخير أفضى إلى إحلال عملية جديدة هي «القوانين المفوضة»، التي تلغي هذه اللجان فيما يخص تشريعا معينا، محل هذا النظام جزئيا في معاهدة لشبونة، وإعادة تسمية بقية منظومة اللجان «القوانين التنفيذية». غير أن النظام الجديد يظل عديم الشفافية وبشدة؛ لا سيما لأن الأمر متروك لتقدير المشرعين كي يقرروا أي نظام يستخدمون. ويقينا ستظل الشواغل القديمة بشأن شفافية هذا الجزء من العملية التشريعية قائمة لسنوات عديدة. (2) البرلمان الأوروبي
ينتخب أعضاء البرلمان الأوروبي انتخابا مباشرا من قبل المواطنين في عموم الاتحاد في يونيو كل خمس سنوات. ويتألف البرلمان من 751 عضوا موزعين على الدول الأعضاء بنسب تحابي الدول الأصغر حجما، وإن كان بدرجة أقل مقارنة بترجيح الأصوات في المجلس؛ حيث تتراوح بين تسعة وتسعين عضوا من ألمانيا، واثنين وسبعين عضوا من كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وخمسين من كل من بولندا وإسبانيا، ونزولا حتى ستة أعضاء من كل من قبرص وإستونيا ولوكسمبورج ومالطة.
تختلف ثقافة البرلمان الأوروبي السياسية اختلافا جذريا عن ثقافة المجلس؛ فاجتماعاته علنية، والتصويت بالأغلبية البسيطة هو النظام المتبع فيه، وعادة ما يصوت أعضاؤه حسب المجموعة الحزبية التي ينتمون إليها لا حسب الدولة. كان ثلاثة أرباع الأعضاء المنتخبين في يونيو 2009 ينتمون إلى المجموعات الحزبية السائدة، حيث كان ينتمي 271 عضوا إلى مجموعة حزب الديمقراطيين المسيحيين وحزب الشعب الأوروبي المحافظ (يمين الوسط)، و189 عضوا إلى مجموعة حزب الاشتراكيين الأوروبيين (يسار الوسط)، و85 عضوا إلى مجموعة الليبراليين والديمقراطيين والإصلاحيين الأوروبيين. أما البقية فكانوا موزعين بالتساوي على مجموعات أصغر حجما جهة اليسار - أهمها الخضر - وجهة اليمين، مع مجموعة من المتشككين بجدوى الاتحاد الأوروبي من ذوي التوجهات الأيديولوجية المتنوعة.
رسم بياني (2): عدد أعضاء البرلمان الأوروبي من كل دولة، عام 2014.
على الرغم من عدم التوافق بعد على إجراء انتخابي موحد، أو «مبادئ مشتركة بين الدول الأعضاء كافة»، كما تقول معاهدة أمستردام، بشكل أكثر تلطفا، تطبق الدول كافة أنظمة التمثيل النسبي الآن، وقد ظل التوازن بين أحزاب الاتجاه السائد فيما عدا ذلك مستقرا بعض الشيء، دون أن يتمكن يمين الوسط ولا يسار الوسط من الحصول على أغلبية بمفرده. ومن ثم هناك حاجة إلى ائتلافات واسعة عبر الوسط لضمان الحصول على أغلبية عند التصويت على تشريع ما، أو على الميزانية، بل ويكون هذا ضروريا بشكل أشد عند تعديل تدابير أو رفضها في ظل إجراء القرار المشترك - وهو إجراء متزايد الأهمية - إذ يتطلب الأمر أغلبية مطلقة قوامها 376 صوتا. كما تميل منظومة اللجان المحكمة، التي تحضر كل منها مواقف البرلمان، وتستجوب المفوضين بقسوة في أحد مجالات أنشطة الاتحاد، إلى تشجيع السلوك التوافقي، لكن مع ذلك حدث انقسام أشد حدة بين اليسار واليمين منذ انتخابات 1999، عندما صار يمين الوسط أكبر هيكليا من يسار الوسط. وهو النمط الذي عززه التوسع.
رسم بياني (3): المجموعات الحزبية في البرلمان، عام 2012.
على الرغم من أن البرلمان حقق أداء جيدا بدرجة كافية في ممارسته صلاحياته - الكبيرة حاليا - على التشريع والميزانية، تراجعت معدلات إقبال الناخبين مع كل عملية انتخابية من 63 في المائة عام 1979 إلى 43 في المائة عام 2009 لأسباب؛ منها: شيوع اتجاه عام في الدول الأعضاء من إقبال متدن على الانتخابات، ومنها التراجع واسع النطاق في تأييد الاتحاد، لكن ثمة سببا آخر ربما يكمن في تعرض البرلمان على وجه التحديد لتعليقات إعلامية ناقدة، بل ولتعليقات عدائية صريحة، بالأخص في بريطانيا، ركزت على أمور من قبيل الإخفاق المطول في إرساء نظام واف للسيطرة على نفقات أعضائه (وهو إلى حد كبير خطأ أعضاء البرلمان أنفسهم، وإن كان الآن طور التصويب )، والبنايتين باهظتي التكلفة الكائنتين في بروكسل وستراسبورج اللتين يتنقل بينهما (وهذا بالكلية خطأ الحكومات). زد على ذلك أن المواطنين ربما لم يدركوا بعد إلى أي مدى ازدادت صلاحيات البرلمان على مر الزمن.
شكل : النواب المنتخبون يعملون: البرلمان الأوروبي في حالة انعقاد.
لقد تطور الدور التشريعي من محض التشاور في البداية، مرورا بإجراء التعاون الذي أنشأه القانون الموحد، وانتهاء بالقرار المشترك الذي استحدثته معاهدة ماستريخت، ووسعت معاهدة أمستردام من نطاقه حتى صار الآن يسري على الأغلبية العظمى من التشريعات، باسمه الجديد «الإجراء التشريعي العادي». علاوة على ذلك، تعطي معاهدة لشبونة البرلمان حقوقا متساوية مع المجلس في الموافقة على الميزانية بأكملها، مما يسمح له بالرقابة على مجالات كالزراعة، التي كانت بمنأى عنها قبل ذلك.
على الرغم من أن نصيب البرلمان من سلطة تقرير الميزانية عنصر جوهري من عناصر الرقابة الديمقراطية، كان لدوره في الإشراف على كيفية إنفاق الأموال أعظم الأثر؛ فإضافة إلى صلاحية البرلمان لتدقيق أنشطة المفوضية الإدارية والمالية، فإن له الحق في منح «إجازة»: أي إقرار تنفيذ المفوضية ميزانية العام السابق أو رفضها؛ وذلك بناء على تقرير من ديوان المحاسبة الأوروبي. وإذا لم يكن البرلمان مقتنعا، فإنه يحبس هذه الإجازة حتى تتعهد المفوضية بفعل ما هو مطلوب. وهكذا؛ ففي 1998، وبعد أن حبس البرلمان إجازته حسابات عام 1996 ولم يقتنع برد المفوضية، عين لجنة خبيرة رفيعة المستوى للتحري بمزيد من التفصيل. وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرا مدمرا حول سوء الإدارة وبعض حالات الفساد، فاستقالت المفوضية في مارس 1999 استباقا لاستعمال البرلمان صلاحية إقالتها.
Неизвестная страница
بعد أن برهن البرلمان على صلاحياته لتعيين المفوضية وإقالتها، فإنه في وضع جيد يؤهله لأن يوضح للناخبين قدرته على استخدام نفوذه مستقبلا لضمان تعيين مرشح لرئاسة المفوضية يعكس نتائج الانتخابات الأوروبية. وهناك من قال إن البرلمان لو التزم بفعل ذلك؛ فمن شأنه زيادة اهتمام الناخبين بالانتخابات، ومن ثم تعزيز الديمقراطية النيابية في الاتحاد.
يتقاسم البرلمان السلطة بالتساوي مع المجلس فيما يخص غالبية التشريعات وكامل الميزانية، وقد أثبت أنه أقدر من المجلس على الرقابة على المفوضية؛ لذا يمكننا قول إن البرلمان قطع أكثر من نصف الشوط نحو ممارسة وظائف سن التشريعات، والرقابة على السلطة التنفيذية التي يؤديها مجلس المواطنين في أي هيئة تشريعية فيدرالية. أما المجلس فهو أشبه بمجلس ولايات فيما عدا أن إجراء الموافقة بالإجماع ما زال يسري على بعض التشريعات، وأن جلساته التشريعية هي فقط التي تعقد علانية، وأنه يحتفظ بصلاحيات تنفيذية لا تنسجم مع دوره التشريعي. (3) المفوضية الأوروبية
في حين أن المفوضية، بالوضع الذي هي عليه اليوم، ليست السلطة التنفيذية الفيدرالية التي تصورها مونيه، فإنها في ظل حقها في «المبادرة التشريعية» ووظائفها في تنفيذ سياسات الاتحاد، وبوصفها «رقيبا على المعاهدة»، غدت أكبر كثيرا من مجرد أمانة لمنظمة دولية.
أعطت معاهدة روما المفوضية الحق الرئيس في المبادرة التشريعية، بمعنى أن تقترح مشروعات القوانين على البرلمان والمجلس. كان الهدف من ذلك ضمان استناد القوانين بدرجة أكبر إلى رؤية للمصلحة العامة للجماعة ومواطنيها، مقارنة بما سينشأ عن أي مبادرات من حكومات الدول الأعضاء، وأن تكون هناك درجة أكبر من التماسك في البرنامج التشريعي مقارنة بما يمكن لهذه الدول أو المجالس بمختلف مسئولياتها الوظيفية توفيره. وكثيرا ما كانت المفوضية تسمى في أيامها الأولى «محرك الجماعة» بفضل تسلحها بهذه الصلاحية. وبعد أن أضعفها هجوم ديجول عليها في الستينيات، رجحت كفة ميزان القوة في مصلحة المجلس، وكذلك المجلس الأوروبي منذ تأسيسه عام 1974، لكن المفوضية ما زالت تؤدي الدور الأساسي المتمثل في اقتراح تدابير معينة كي يقررها المجلس والبرلمان، واقتراح حزم السياسات العامة في المجلس الأوروبي. ومن الأمثلة البارزة على هذا الجزء الأخير «حزمة ديلور» لإصلاح الميزانية عام 1992، وإصلاحات سياسات الجماعة في إطار «جدول أعمال 2000» استعدادا للتوسع شرقا الذي ووفق عليه عام 1999.
أطلق على المفوضية أيضا اسم «الرقيب»؛ لأنها تسهر على ضمان تطبيق معاهدة الاتحاد وقوانينه، وبالأخص من قبل الدول الأعضاء، فإذا وجدت شواهد على أي خرق، فعليها إصدار «رأي مسبب» إلى الدولة المعنية، فإذا لم تمتثل الدولة، تستطيع المفوضية مقاضاتها في محكمة العدل، وهو ما حدث عام 1999، عندما رفضت الحكومة الفرنسية قبول قرار المفوضية بأن لحم البقر البريطاني كان آنذاك آمنا لأكله، وينبغي السماح باستيراده، فحكمت المحكمة لصالح المملكة المتحدة في أواخر 2001، على الرغم من أن الدول الأعضاء الأخرى لم توافق على رفع القيود إلا في 2006، وفرضت المفوضية على فرنسا غرامات تجاوزت 10 ملايين يورو. كما تتولى المفوضية مسئولية تنفيذ قوانين الاتحاد وسياسته، وإن كان جل هذه المسئولية موكلا إلى حكومات الدول الأعضاء وأجهزة أخرى.
لضمان أن تعمل المفوضية تحقيقا للصالح العام للاتحاد، تشترط المعاهدة أن يكون استقلالها عن أي مصالح خارجية «لا يرقى إليه شك»، ويجب على المفوضين عند توليهم مناصبهم أن يقطعوا على أنفسهم «عهدا مغلظا» بهذا المعنى. وعلى الرغم من أن المعاهدة تنص على ترشيحهم «بالتوافق العام» بين الحكومات، فقد دأبت كل حكومة - فيما سبق - على ترشيح مفوضها أو مفوضيها، وقبلت الأخريات بهذا، لكن هذا لم يعد من المسلمات؛ لأنه تشترط الآن أيضا موافقة رئيس المفوضية المعين حديثا قبل إقرار البرلمان المفوضية ككل.
حتى 2005 كان هناك مفوضان من كل دولة كبيرة، ومفوض واحد من كل دولة صغيرة، لكن التوسع الوشيك أثار شاغلا بشأن تدني فاعلية المفوضية بسبب كبر حجمها؛ لذا حددت معاهدة نيس عدد المفوضين اعتبارا من 2005 بمفوض واحد من كل دولة عضو. وقوبلت مقترحات إدخال المزيد من التخفيض على العدد بمعارضة شديدة من الدول الصغيرة، وأسفر الرفض الأولي لمعاهدة لشبونة من قبل الناخبين الأيرلنديين سنة 2008 عن اتفاق على بقاء النظام الحالي.
إن تقليص عدد المفوضين إلى أقل من واحد لكل دولة ليس بأي حال السبيل الوحيد لضمان الفاعلية؛ فهناك حكومات رفيعة المستوى كالحكومة البريطانية تضم عادة أكثر من 20 عضوا، وفي بعض الأحيان أكثر من 30. وقد نجح هذا العدد لأن هناك رئيس وزراء يملك سلطة السيطرة على الأعضاء الآخرين. وقد قطعت المعاهدات منذ معاهدة أمستردام بالمفوضية شوطا ما في ذلك الاتجاه، بإعطاء الرئيس ليس صلاحية المشاركة في قرارات ترشيح المفوضين الآخرين فحسب، بل أيضا ممارسة «الإرشاد السياسي» على المفوضين، وتخصيص مسئولياتهم و«إعادة توزيعها»، وتعيين نواب الرئيس، وإقالة مفوض «بعد الحصول على موافقة المفوضية الجماعية»، كما ساعد وجود الممثل السامي للاتحاد لشئون السياسة الخارجية بوصفه نائب رئيس منذ لشبونة على توفير إدارة لتنسيق السياسات، على الصعيدين الداخلي والخارجي على السواء.
شكل : الاجتماع الأول للمفوضية برئاسة خوسيه مانويل باروسو، 2004.
بلغة المعاهدات، المقصود بالمفوضية هيئة المفوضين بأكملها. أما باللغة الدارجة، فيشير هذا القول أيضا إلى موظفي المفوضية، لكن عادة ما يكون واضحا إن كان المقصود بالإشارة هم المفوضين أم الخمسة والعشرين ألف موظف. وعلى الرغم من كثرة الحديث عن تضخم الجهاز البيروقراطي للمفوضية، فإن هذا العدد أقل من عدد موظفي سلطات محلية كثيرة.
Неизвестная страница
بما أن التصويت بالأغلبية المشروطة يسري الآن على جل التشريعات، فإن حق المفوضية دون غيرها في المبادرة أعطاها مركزا قويا في العملية التشريعية. ويستطيع المجلس - شريطة الموافقة بالإجماع - تعديل النص المقترح من المفوضية، وهو ما يصب هنا في صالح المفوضية لا ضدها؛ لأن المفوضية، على الرغم من تفضيلها عادة مواءمة رغبات الحكومات، تكون في وضع أفضل يسمح لها بمقاومة ضغط هذه الحكومات فيما يختص بالأمور التي تعدها مهمة.
شكل : سيادة القانون: محكمة العدل في حالة انعقاد.
أدت المفوضية دورها التشريعي جيدا، لكن أداءها بوصفها سلطة تنفيذية تعرض لنقد شديد معظمه غير عادل؛ إذ إن التنفيذ في الحقيقة موكل إلى الدول الأعضاء. وهذا مبدأ جيد، وهو ناجح في نظام ألمانيا الفيدرالي، حيث تدير الولايات معظم السياسات الفيدرالية، لكن للحكومة الفيدرالية في ألمانيا صلاحية أكبر لضمان كفاية أداء الولايات، فيما تميل الدول الأعضاء إلى مقاومة جهود المفوضية الرامية إلى الإشراف عليها. والحل يقينا ليس المزيد من الإدارة المباشرة من قبل بروكسل، بل توفير عدد كاف من موظفي المفوضية للاضطلاع بمهمة الإشراف، ومنح صلاحيات أقوى لضمان التنفيذ كما ينبغي من جانب الدول.
تتمتع المفوضية بسجل طيب في مجالات كإدارة سياسة المنافسة، حيث أعطيت صلاحية القيام بهذه المهمة بنفسها، فأدتها على أكمل وجه على الرغم من العجز في الموظفين، لكنها أظهرت مثالب خطيرة عندما تولت إدارة برامج الإنفاق دون وجود الموظفين الذين يمكنهم أداء هذه المهمة كما ينبغي؛ مما أسفر عن خلل إما في عملها هي ذاتها، أو في عمل الاستشاريين الذين استعانت بهم لأدائها، وكانت النتائج سيئة أحيانا، وانطوت على قضايا احتيال في قليل منها. ولم يؤد هذا إلى استقالة المفوضية سنة 1999 فحسب، بل إلى الإصلاحات الإدارية الجارية التي استهلها نيل كينوك في أوائل العقد الأول من هذا القرن، وتهدف إلى تحسين عملية استقدام الموظفين وتدريبهم وترقيتهم، وتحسين ممارسات التدقيق.
ذهب البعض إلى أن المفوضية حكومة أوروبية. فإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا وصفا دقيقا؟ في المجالات الواقعة ضمن اختصاص الاتحاد، يشبه حق المفوضية في المبادرة التشريعية حق الحكومة، بل ويتجاوزه من حيث كونه يكاد يكون حقا مقصورا عليها، لكن استعمالها هذا الحق مقيد بالمجلس، وبالأخص حيث يسري إجراء الموافقة بالإجماع، لكنه مقيد أيضا باستعمال التصويت بالأغلبية المشروطة وليس بأغلبية بسيطة. غير أن الاختلاف أكبر مقارنة ببريطانيا منه بالدول التي تمارس نمط الحكومات الائتلافية التوافقي. أما دور المفوضية التنفيذي فهو مقيد بالمجلس وصعوبات التنفيذ، لكنه فيما عدا ذلك لا يختلف كثيرا، من حيث المبدأ، عن الدور التنفيذي للحكومة الفيدرالية الألمانية، فيما عدا أن الحكومة الألمانية تملك وسائل أكثر فاعلية لفرض التنفيذ اللائق من قبل الولايات. وثمة فارق حاسم الأهمية بين المفوضية والحكومة هو حقيقة أن الأولى لا تسيطر على أي وسائل إنفاذ مادية، بل والأكثر من هذا أنها لا تؤدي إلا دورا ثانويا في السياسة الخارجية العامة، ودورا ضئيلا جدا في مجال الدفاع، لكن إلى جانب هذه الاختلافات توجد تشابهات كبيرة. (4) محكمة العدل
كانت سيادة القانون ولا تزال محورية في نجاح الاتحاد الأوروبي؛ ففي مجالات اختصاص الاتحاد، نجد على نحو متزايد أن إطارا قوامه القانون لا القوة النسبية هو الذي يحكم العلاقات بين الدول الأعضاء، ويسري على مواطنيها، وهو ما يرسخ «اليقين القانوني» الذي يثمنه أصحاب الأعمال؛ لأنه يقلص عنصر مخاطرة كبير في معاملاتهم. وعلى الصعيد السياسي، ساعد هذا على إيجاد المناخ الجديد تماما الذي صارت فيه الحرب بين الدول تعتبر أمرا غير وارد.
توجد على قمة نظام الاتحاد القانوني محكمة العدل، التي تقضي المعاهدات بأن تضمن «مراعاة القانون» - بمعناه الواسع في هذا السياق - «في تفسير المعاهدات وتطبيقها».
تضم المحكمة قاضيا من كل دولة عضو، يعين لمدة ست سنوات بالتراضي العام بين الدول الأعضاء، على أن يكون استقلاله «لا يرقى إليه شك.» وتفصل المحكمة نفسها في قضايا كالتي تتعلق بقانونية قوانين الاتحاد، أو الإجراءات التي تتخذها المفوضية ضد دولة عضو، أو دولة عضو ضد دولة أخرى تدعي إخفاقها في الوفاء بالتزام تعاهدي، لكن الأغلبية العظمى من القضايا التي تستدعي فصل قانون الاتحاد فيها هي التي يرفعها أفراد أو شركات ضد أشخاص قانونيين آخرين أو حكومات، وتنظر هذه القضايا في محاكم الدول الأعضاء، ولا تحال إلى محكمة العدل إلا إذا طلبت إحدى هذه المحاكم منها تفسير إحدى النقاط القانونية.
استندت أهم أحكام المحكمة، التي أصدرتها في الستينيات، إلى تصميمها على ضمان مراعاة القانون كما اقتضت المعاهدة؛ إذ استهدف الحكم الأول، وكان بشأن أسبقية قانون الاتحاد، ضمان التطبيق المتسق لهذا القانون في الدول الأعضاء كافة؛ لأن سيادة القانون ستنهار تدريجيا إذا طغت عليها القوانين الوطنية المتشعبة. ونص الثاني - وكان معنيا بالنفاذ المباشر - على حق الأفراد في المطالبة بحقوقهم بموجب المعاهدة أمام محاكم الدول دون وسيط، ثم صدر عام 1979 حكم في قضية «كاسيس دو ديجون» وضع حجر زاوية لبرنامج السوق الموحدة، بإرساء مبدأ «الاعتراف المتبادل» بمعايير الدول الأعضاء لسلامة المنتجات، شريطة أن تكون محكوما بقبولها، مما قلل جذريا الحاجة إلى لائحة مفصلة على مستوى الاتحاد.
أصدرت المحكمة نحو 9 آلاف حكم منذ إنشائها، ولا تزال القضايا تعرض عليها بمعدل يتعذر معه الحد من التأخر في الفصل فيها لمدد تصل إلى عامين. وقد أنشئت محكمتان فرعيتان للمساعدة على التعامل مع هذه المشكلة: «محكمة عامة» (كانت تسمى فيما سبق المحكمة الابتدائية)، وتنظر معظم القضايا التي يرفعها الأفراد أو الشخصيات ذات الصفة الاعتبارية، والتي يتعلق أغلبها بحقوق الملكية الفكرية وسياسة المنافسة ، و«محكمة الخدمة المدنية»، وتتولى الفصل في النزاعات بين مؤسسات الاتحاد وموظفيها، لكن هذا لم يسفر إلا عن إبطاء طوفان القضايا التي تنتظر الفصل فيها دون تحويل اتجاهه.
Неизвестная страница