بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
جزء من اتباع السنن واجتناب البدع
عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يخطب الناس فيحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة) .
عن العرباض بن سارية السلمي ﵁ قال: وعظنا
1 / 19
رسول الله ﷺ موعظة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) .
حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد.
عن عبد الله بن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة) .
رواه ابن ماجة.
1 / 20
عن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) .
رواه البخاري ومسلم.
وعنده: (في أمرنا ما ليس منه فهو رد) .
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله ﷺ: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، فرقة واحدة في الجنة، وسبعون فرقة في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفسي
1 / 21
بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة) .
رواه ابن ماجة.
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: (لتتبعن سنن من قبلكم، شبرًا بشبر، وذرعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم)، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) .
رواه البخاري.
عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوسًا عند رسول الله ﷺ فخط خطًا هكذا أمامه فقال: (هذا سبيل الله) وخط خطًا عن يمينه
1 / 22
وخطًا عن شماله، وقال: (هذا سبل الشيطان) ثم وضع يده على الخط الأوسط، ثم تلا هذه الآية: (وَأن هَذَا صِرَاطِي مُسَتقِيمًَا فَاتَبِعُوه وَلا تَتَبِعُوا السُبلَ فَتُفرِقُ بِكُم عَن سَبِيلِه ذَلكُم وصَاكُم بِه لعَلكُم تَتَقُون) .
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: (لكل عمل شرة ولك شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) .
1 / 23
عن ابن عباس قال: ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن.
عن أبى عبد الرحمن السلمي قال: كان عمرو بن عتبة
1 / 24
السلمي ومعضد في أناس من أصحابها اتخذوا مسجدًا يسبحون فيه بين المغرب والعشاء كذا ويحمدون كذا، فأخبر بذلك عبد الله بن مسعود فقال للذي أخبره: إذا جلسوا فأتني، فلما
1 / 25
جلسوا أتاه فجاء عبد الله عليه برنسه، حتى دخل عليهم فكشف البرنس عن رأسه ثم قال: أنا ابن أم عبدٍ، والله لقد جئتم ببدعة ظلمًا، أو قد فضلتم أصحاب محمد ﷺ علمًا، فقال معضد: - وكان رجلًا مفوهًا - والله ما جئنا ببدعةٍ ظلمًا، ولا فضلنا أصحاب محمدٍ علمًا. فقال عبد الله: لئن اتبعتم القوم لقد سبقوكم سبقًا مبينًا، ولئن جزتم يمينًا أو شمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا.
عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: جئت أبي فقال: أين كنت؟ فقلت: وجدت قومًا ما رأيت مثلهم، يذكرون الله ﷿ فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقعدت معهم. قال: لا تقعد معهم بعدها. فرآني كأنه لم يأخذ ذلك فيّ، فقال: رأيت رسول الله ﷺ يقرأ القرآن، ورأيت أبا بكر وعمر ﵄ يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا، أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر، فرأيت أن ذلك كذلك فتركتهم.
1 / 26
عن خلف بن حوشب أن جوّابًا التيمي كان يرتعد عند الذكر فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه فلا أبالي أن لا أعتد بك، وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من هو خير منك.
عن عمرو بن مالك قال: بينما نحن يومًا عند أبي الجوزاء يحدثنا إذ خر رجل فاضطرب، فوثب أبو الجوزاء فسعى قبله، فقيل له: يا أبو الجوزاء إنه رجل به الموتة، فقال: إنما
1 / 27
كنت أراه من هؤلاء القفازين ولو كان منهم لأمرت به وأخرجته من المسجد إنما ذكرهم الله تعالى فقال: تفيض أعينهم وتقشعر جلودهم.
أبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله صاحب ابن عباس.
عن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: تركت بالعراق شيئًا يسمونه: التغبير وصنعته الزنادقة يشغلون به عن القرآن.
1 / 28
قال حسن الجردي قال: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: تركت بالعراق شيئًا يقال له التغبير، أحدثته الزنادقة، يصدون الناس به عن القرآن.
عن الحارث قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل: ما ترى في التغبير إنه يرق عليه القلب؟ قال: بدعة.
عن يعقوب بن سفيان: أنه سأل أبا عبد الله عن السماع، فكرهه ونهى عن استماعه.
قال أبو القاسم: سئل أبو علي الروذباري عن من يسمع
1 / 29
الملاهي ويقول: هي لي حلال، أني قد وصلت إلى درجة لا تؤثر في اختلاف الأحوال، فقال: نعم قد وصل لعمري ولكن إلى سقر.
عن أبي الحارث الأولاسي أنه قال: رأيت إبليس في النوم بأولاس، وهو جالس وعن يمينه جماعة، عن شماله جماعة فقال إبليس لطائفة منهم: قولوا شيئًا - وكانوا على شيء من المساع - فأخذوا في القول، قال أبو الحارث: فاستغرقتني الطيبة حتى لعله كدت أطوح نفسي من السطح، ثم التفت إلى طائفة أخرى فقال لهم: ارقصوا، فرأيتهم يرقصون ويشيرون في الرقص إلى إشارات حسنة ويزعقون ويصيحون حتى تحيرت، ثم قال لي إبليس: يا أبا الحارث أليس هذا حسنًا؟ قلت: بلى. قال. ما أصبت شيئًا أدخل عليكم به ليكون لي عليكم سلطان إلا بهذا، فخرج شهوة السماع من قلبي، فما سمعت بعدها.
عن أبي سعيد الخراز أنه قال: رأيت أبا القاسم
1 / 30
الجوعي في المنام بعد وفاته فقلت له: ما فعل الله بك فقال: وبخني وأقامني ثم غفر لي، فقلت: بماذا؟ قال: تفعل وتسمع، وتتواجد، وتقيسني بليلى وسلمى.
أخبرنا العدل أبو الفضل عبد الواحد ببغداد أن الإمام العالم أبا محمد عبد الله بن عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله المقرىء النحوي، أجاز لهم وأنشد لنفسه:
تَركُ التَكلُف فِي التَصَوفِ وَاجَبُ ... ومِن المُحَالِ تَكَلُفُ الفُقَرَاءِ
قَومُ إِذا اِمتَدَ الظَلامُ رَأيتُهم ... يَتَرَكَعُون تَرَكُعُ القَرَاءِ
والوَجدُ مِنهُم فِي الوِجُوهِ مَحَله ... ثُمّ السَماعُ يَحِلُ فِي الإغضَاءِ
لا يَرفَعُون بِذاَكَ صَوتًا مُجَهَرًا ... يَتجَنَبُون مُوَاقِع الأَهوَاءِ
ويَواصِلون بِذاَك صوتًا مُجهَرًا ... فِي الَبَأسِ إن يأتِي وفِي السَراءِ
وتَراهُم بَينَ الأَنَامِ إذا أتوا ... مِثلَ النِجُومِ الغرّ فِي الظَلماءِ
صَدقت عزَائمهُم وعَزم مَرامهِم ... وعَلت منَازِلُهُم عَلى الجَوزاءِ
خَدَمُوا الإله حَقيقَة وعَزيمة ... ورَعوا حِقُوقَ الِلهِ فِي الآناءِ
وَالَرقصُ نَقصَ عِندهم فِي عِقُولِهم ... ثُمّ القَضِيب بِغيرِ ما إخفَاءِ
1 / 31
هَذا شِعارُ الصَالِحين ومن مَضَى ... مِن سَادةِ الزُهاَدِ والعُلمَاءِ
فإذَا رَأيت مُخَالفًا لِفعَالِهم ... فاحكُم عَليه بعَظمِ الإغواءِ
وأنشدنا لنفسه وأخبر به عن العدل أبو الفضل إجازة:
حُرمَةُ اَلمرءِ تَستَقيمُ إذا مَا ... كان فِي دِينِه عَلى تَحقيقِ
لا يَرَى الرَقصُ واَلقَضَيبُ ... وَلا الدَفّ طَريقًا إلِى صَوابِ الطَريقِ
وكذَا الشِيزَ والتَهافُت فِيه ... بِانكشَافِ الرؤوسِ والَتصَفيقِ
هَذه سِيرةُ الزَنوجِ ذَوي النقَ ... ص إذا مَا هَبُوا لِفعلِ الَفسُوقِ
قال ﵀: أنشدني أخي الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بن
1 / 32
عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي من لفظه قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن الجاجة - بذلك كان يعرف - وكان رجلًا صالحًا إن شاء الله لنفسه:
يَا سَائِلِي مِن طَرِيقِ الَفَضلِ واَلأَدبِ ... عَن مَعَشرِ فِعلهم أدَى إلِى العَطبِ
قَوُمُ إلى رَاحَةٍ اِستأنَسُوا وَنأوُا ... عَن الَتكَسُبِ بَينَ الَنَاسِ والتَعبِ
1 / 33
قَالُوا بَلا سَبَبِ اللهُ رَازقُنَا ... واللهُ راَزِقُنَا بِالَسعِي والسَببِ
ألَيس مَريَم رَبُ العَرشِ قَالَ لَها: ... هُزِي إلِيكِ بِجذَعِ يَانَع رَطَبِ
وَلو يَشاَء أتَاهَا رَزقَها رَغَدًا ... مِن غَيرِ مَا تَعبِ مِنها وَلا نصَبِ
وكَان رزِقُ رَسَولَ اللهِ جَاعِله ... رَبُ الَبرَيةِ تحَت القَصرِ واَلقصبِ
وباكرُوا اللهوَ واللذاتِ واتخذوا ... لهُوَ الحَدِيثِ لهُم دِينًا مع الطربِ
إذَا أتُوا مَنزَلًا قَالُوا َلِصَاحِبِه ... قَبّل يدَ الشيَخِ ذِي الإكرَام والأدَبِ
هَذا لهُ نَظَرُ هَذا لهُ هِمَمُ ... لهُ الكرامَاتُ بَين العُجم والعَرَبِ
يَمشي عَلى الماءِ يطَوي الأَرضَ قاَطبَةً ... وَفاتحُ كلّ بَابِ مُغلَقٍ أَشِبِ
اطلب رِضا الشَيخِ وانَظر أين مَذهَبه ... وَليَس مَذهبه إلا إلِى الذَهَبِ
هَذا وقد جَاءَ بِالمَعلومِ فَابتَدرُوا ... مُحسَرين عَن الأيدِي عَلى الَركبِ
كُل امرِىء مُنهم فِي الأكلِ مُعضَله ... ومُرجِف الأرَضِ يَوم الرَوع بالهَربِ
إذا تَغَنى مُغنيهُم سَمِعت لهُم ... صُراخ قُومٍ رُموا بالويلِ والحَربِ
ما زَال ليلهُم رقَصًا فإن تِعبوا ... تطَارحُوا فِي زوَايا البيتِ كالخَشَبِ
ضَربُ الَقضَيبِ مَدى الأيَامِ شُغلُهم ... والرقصُ دأبهُم والضرب فِي الضَربِ
قَالوا لنا مَذهُب وهو الحقيقةُ لا ... نَقُول بِالشَرعِ ثُم الدَرسِ فِي الكُتبِ
ولا نُريد مِن الرَحَمنِ جَنتَّهُ ... ولا نَخافُ لظى جَاءت عَلى غضبِ
وما بِهذا كِتابُ اللهِ أخبرنا ... وجَاءت الرُسلُ بِالتَرغِيبِ والرَهبِ
َزارُوا النِساءَ وآخوهُنّ هل عُصِمُوا ... مِنهن أم أمنُوا مِن طَارقِ النّوَبِ
نَسُوا قضيةَ هاروتٍ وصَاحِبه ... ماروت إذ شَرِبا كَأسًا مِن العَطبِ
وَهَمّ يوسُفَ لولا أن رأى عَجَبًَا ... بُرهَان خَالِقِه فاعجب مِن العَجبِ
1 / 34
ونَظَرةً تَركَت داودَ ذا حَرَق ... عَلى خَطيئَتِه باكٍ أخا كُرَبِ
أبرا إلى اللهِ مِن قَومِ فِعالُهم ... هذا وعَن ذَمّهم ما عشت لم أتُبِ
قال: وأخبرنا أخي ﵀ أن أحمد المذكور أنشدهم ولم يعزها، والظاهر - والله - أنها له:
يا سالِكي سُبُلَ العُدوانِ وَالتُهَمِ ... وَتابِعي نِعَمِ الرَحمَنِ بِالنِقَمِ
وَتارِكي سُبلَ الَمعرَوُفِ عَافِيةً ... وآخِذِي طُرَق الخذلانِ والندَمِ
أَلبَستُمُ الدينَ عارًا مِن فِعالِكُم ... ما ليسَ يَحسُنُ مِن عُربِ ولا عَجَمِ
سَمّيتُمُ الدِينَ مِن لهوٍ ومِن لَعبٍ ... دِينًا وقُربى إلى الرَحمَنِ ذِي الكَرمِ
يا مُشبهي حُمُرَ الصَحراءِ رامِحةً ... لمّا تَمَلّت مِن الخضراءِ والدّيمِ
هل كَان فِيما مَضَى مِن فِعلِ سيَدكُم ... ضَربُ القَضِيب ورفسُ الأرض بِالقَدمِ
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من جميع البدع ما ظهر منها وما بطون وأن يحيينا على سنة نبينا محمد ﷺ، وأن يميتنا على ملته وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والنية والعمل والهدى وأن يوزعنا شكر نعمه، ويزيدنا من عطائه وقسمه، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أما بعد: فقد ذكر النبيُ ﷺ في هذه الأحاديث ما فيه كفاية لمن أراد الله رشده وهداه لاتباع سنة نبيه محمد ﷺ، وقد أعلم النبيُ ﷺ: أن كل محدثة بدعة، وأن أمته ستفترق على ثلاثٍ من قبلها وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وإن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع. وقد كثر في زماننا هذا البدع فظهرت، وعمل بها خلق كثير من الناس، وزاولها طريقًا إلى الله تعالى، فمن ذلك: حضور الغناء والمزامير، والرقص، ومؤاخاة النسوان، والحضور مع
1 / 35
المردان، حتى إن بعضهم ليرى ذلك أفضل من الصلاة وقراءة القرآن، فنعوذ بالله من الخذلان، ونستعينه على أداء الشكر وكثرة الذكر في جميع الأحيان، ونسأله بكرمه أن لا يجعل للشيطان علينا سلطانًا، وقد قال تعالى: (فَمَن يُرِد اللهُ فِتنَتهُ فَلَن تَمِلكَ لَهُ مِن اللهِ شَيئًَا، أولئك الذينَ لَم يُرِدِ اللهُ أن يُطَهّرَ قلوبَهُم) .
1 / 36
باب ذكر فتنة النساء
عن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن النبي ﷺ قال: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) .
1 / 37
وفي رواية أبي خالد: (ما تركت على أمتي بعدي فتنةً) . هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر ما تعملون فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء،
1 / 38