ضرب على يَده الْبَراء بن معْرور ثمَّ تتَابع الْقَوْم ثمَّ قَالَ رَسُول الله ﷺ (انْفَضُّوا إِلَى رحالكُمْ) فَقَالَ الْعَبَّاس بن عبَادَة بن نَضْلَة وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَئِن شِئْت لنميلن غَدا على أهل منى بأسيافنا فَقَالَ رَسُول الله ﷺ (إِنِّي لم أومر بذلك وَلَكِن ارْجعُوا إِلَى رحالكُمْ) ثمَّ انْصَرف الْقَوْم رَاجِعين إِلَى الْمَدِينَة وَأمر النَّبِي ﷺ أَصْحَابه بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة فَخَرجُوا أَرْسَالًا وَأقَام رَسُول الله ﷺ بِمَكَّة ينْتَظر الْإِذْن من ربه فِي الْهِجْرَة وَبَقِي مَعَه أَبُو بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب إِلَى أَن أذن الله لنَبيه فِي الْهِجْرَة فَهَاجَرَ كَمَا هُوَ مَعْلُوم فِي كتب الحَدِيث وَالسير وَلما اسْتَقر رَسُول الله ﷺ بِالْمَدِينَةِ أظهر الْإِسْلَام وَشرع الْأَحْكَام وَبَين الْحَلَال وَالْحرَام وَنزل عَلَيْهِ من الْقُرْآن السَّبع الطول سوى سُورَة الْأَنْعَام فَإِنَّهَا نزلت بِمَكَّة وَنزل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى (أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبنَا الله) فَكَانَت هَذِه أول آيَة نزلت بِالْإِذْنِ فِي الْقِتَال فَجَاهد رَسُول الله ﷺ فِي الله حق جهاده ونال من نصْرَة الدّين وإعلاء كلمة الله غَايَة مُرَاده وانثالت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب من كل نَاحيَة ولبت دَعوته من أماكنها الدانية والقاصية وَضرب الْإِسْلَام بجرانه فِي جَزِيرَة الْعَرَب كلهَا وَأجْمع على التَّمَسُّك بِدِينِهِ أهل عقدهَا وحلها قَالَ القَاضِي عِيَاض ﵀ فِي كتاب الشفا فتح على رَسُول الله ﷺ فِي حَيَاته بِلَاد الْحجاز واليمن وَجَمِيع جَزِيرَة الْعَرَب وَمَا دانى ذَلِك من الشَّام وَالْعراق وجبى إِلَيْهِ من أخماسها وجزيتها وصدقاتها مَا لَا يجبى للملوك إِلَّا بعضه وهادته جمَاعَة من مُلُوك الأقاليم فَمَا اسْتَأْثر بِشَيْء مِنْهُ وَلَا أمسك مِنْهُ درهما بل صرفه مصارفه وأغنى بِهِ غَيره وقوى بِهِ الْمُسلمين ﷺ وَلما حصل الْمَقْصُود من بعثته ﷺ وَأظْهر دينه على الدّين كُله أنزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ نزلت هَذِه الْآيَة يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر يَوْم عَرَفَة وَالنَّبِيّ ﷺ وَاقِف بِعَرَفَات على
1 / 71