واختار أُمَّته ﷺ على سائر الأمم، ووهبها من العلم والحلم ما لم يَهِبْهُ لأُمَّة سواها ... والمقصود أنَّ الله ﷾ اختار من كلِّ جنس من أجناس المخلوقات أطيَبَه، واختصَّه لنفسه وارتضاه دون غيره، فإنَّ الله تعالى طيِّبٌ لا يحبّ إلَّا الطَّيِّب، ولا يقل من العمل والكلام والصَّدقة إلَّا الطَّيِّب، فالطَّيِّب من كلِّ شيء هو مُختاره تعالى" (^١).
إذا عُلِمَ هذا؛ فإنَّ بني هاشم ممن اختار الله ليكونوا رهط نبيّه ﷺ وقرابته الأدنون، خصوصًا المؤمنين منهم، العاملين بشرعه، المتَّبعين لسنَّة نبيِّه، كالعبَّاس وبنيه، وعليٍّ وبنيه.
وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل قريش، ثم في فضل بني هاشم -سيأتي أكثرها في ثنايا الكتاب-.
والذي ينبغي أن يُعلم: أنه ليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النَّبيِّ ﷺ منهم، كما يتوهمه البعض، وإنْ كان ﵊ قد زادهم فضلًا وشرفًا بلا ريب؛ بل هم في أنفسهم أفضل وأشرف وأكمل (^٢).
وبالجملة؛ فالذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة اعتقاد أنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم. وأنَّ قريشًا أفضل العرب، وأنَّ بني هاشم أفضل قريش، وأنَّ رسول الله ﷺ أفضل بني هاشم. فهو ﷺ أفضل، الخلق أجمعين، وأشرفهم نسبًا وحسبًا، وإلَّا لزم الدَّور (^٣)، وعلى ذلك درج السَّلف والخلف (^٤).
_________
(^١) ما بين الأقواس مقتبس من مقدِّمة ابن القيم في "زاد المعاد" (١/ ٣٩ - ٤٤)، بتصرُّف.
كذلك مما ذكر ابن القيم: اختياره سبحانه من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها. وهو البلد الحرام.
ومه أيضًا تفضيله بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وقيل: يوم عرفة، وقيل: أفضل الأيام يوم الجمعة.
كذلك تفضيله سبحانه عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام، وتفضيل شهر رمضان على سائر شهور السنة، وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي، وتفضيل ليلة القدر على ألف شهر.
(^٢) "مسبوك الذهب في فضل العرب" للعلَّامة مرعي الكرمي (ص ٤١ - ٤٢).
(^٣) الدَّوْر: هو توقُّف الشيء على ما يتوقَّف عليه. ومنه ما يُسمَّى: (الدَّور المصرح)، ومنه: (الدَّور المضمر). انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص ١٠٥).
(^٤) هذه المسألة (تفضيل جنس العرب على ما سواه من الأجناس) مما قد يُشكل على البعض، =
1 / 11