قال: «في منزلي، فأذن لي في أن أسير لإحضاره وجلب بعض المواد اللازمة في هذا العمل.» فأذن له وكلف عماد الدين أن يسير برفقته لئلا يفر أو يتواطأ مع خادمه، فسار الاثنان حتى أتيا المنزل، فقال عماد الدين: «ها أن باب الفرج قد فتح لك بإذن الله.»
ثم أفهم عبد الرحمن عليا ما يفعله عند فتح المندل، وعادوا جميعا إلى قاعة الشيخ ضاهر، فجلس بجانب الكانون، وفتح كتابه وألقى في النار قطعة من البخور وأخذ في القراءة والدعاء كما يفعل المنجمون، ووقف علي بجانب وعاء الماء، والشيخ ضاهر ورجاله شاخصون بأبصارهم وكأن على رءوسهم الطير.
وبعد أن أتم القراءة قال لعلي: «ما ترى يا غلام في هذا الماء؟»
فتأمل علي في الوعاء ثم تراجع كأنه رأى شيئا مخيفا، فقال له عبد الرحمن: «لا تخف وقل ما تراه.»
قال: «أرى يا سيدي خياما عديدة منصوبة في سهل خارج المدينة عالية الأسوار، وأعلاما عديدة مختلفة الأشكال، وأرى في وسط تلك الخيام خيمة كبيرة أمامها رجلان بسلاح كامل كأنهما حاجبان.»
فقال عبد الرحمن: «أدخل الخيمة وانظر ما فيها.»
فأمعن علي نظره كأنه يدقق في البحث عن شيء وقال: «أرى بساطا كبيرا مفروشا في أرض الخيمة، وعليه رجلان: أحدهما لابس قاووقا عليه عمامة ولباسه فاخر كأنه أمير كبير، والآخر يظهر من ملابسه أنه وال كبير، وعلى رأسه عمامة وعلى كتفيه فروة سمور، وأرى بينهما سيفا وكتابا أظنه المصحف الشريف، وقد جعل الرجل الأول يده فوقهما.»
فقال عبد الرحمن: «اسمع ما يقول وأخبرنا به.»
قال: «اسمعه يقول: «أقسم بالله العظيم والنبي محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وبرأس مولانا السلطان خليفة رسول الله، أن أنبذ طاعة علي بك وأعصي أوامره، وأعود إلى طاعة مولانا أمير المؤمنين الخليفة الأعظم وأحارب بسيفه وأذب عن حقوقه، ولا أعرف سلطانا سواه، وإن حنثت في هذا اليمين، كنت مخالفا للشريعة مجردا من الذمة والشرف، وأستحق القتل بهذا السيف!» ...»
فبغت الشيخ ضاهر وارتجفت لحيته في وجهه، وكذلك كان شأن جميع رجاله، ولم يعد يستطيع صبرا فقال: «تبا له من خائن!» ثم جعل يده على حسامه وهزه كأنه يهدده.
Неизвестная страница