فقالت: «سينتقم الله منه ومن كل ظالم عما قريب. لكن كيف نصبر على فراق وحيدنا وفلذة كبدنا، ونتركهم يأخذونه من الدار إلى النار؟»
فتنهد السيد عبد الرحمن، وصر بأسنانه غيظا من ذلك الظلم، ثم قال لزوجته: «وماذا أصنع وأنا لا أستطيع الخروج من المنزل الآن؟»
فأبدت دهشتها وقالت: «وما الذي يمنعك من الخروج؟»
قال: «يمنعني أن على باب الحارة قتيلا مضرجا بدمائه، وقد كادوا أن يقبضوا علي ويتهموني بقتله، لولا أن كتب الله لي النجاة من أيديهم بعد أن اعتدوا علي بالضرب وسلبوني ثيابي وكل ما كان معي.»
فبغتت كما بغت جميع الحاضرين، وأدركوا سبب مجيئه إلى المنزل عاري الرأس حافيا ليس عليه إلا الملابس الداخلية. ثم سألته زوجته: «ألم تعرف من ذلك القتيل؟»
قال: «عرفته. هو بواب الحارة المسكين!»
فقالت: «تبا لهم من ظلمة أشرار! ذهب المسكين ضحية الإخلاص والوفاء والدفاع عن الحق، فقد سمعته يستمهلهم حتى تحضر، وهم يهمون بأخذ حسن.» وعادت إلى البكاء قائلة: «ترى أين أنت الآن يا ولدي؟ وهل يقدر لنا أن نراك بعد الآن؟»
فلم يتمالك السيد عبد الرحمن عن البكاء معها، وأخذ يندب حظه وولده قائلا: «آه يا حسن! كيف نتركك تذهب إلى الموت وليس لنا في الحياة سواك؟»
فقالت له زوجته: «ألا نشكو أمرنا ونتظلم عسى أن ترق لنا قلوبهم أو يطلقوا سراح ولدنا بأية وسيلة؟»
فهز رأسه أسفا وحزنا وهو يتنهد، ثم قال: «ولمن نشتكي يا سالمة؟ هل نشتكي إلى المماليك وهم أنفسهم الذين ظلمونا ... ليس أمامنا إلا الله وحده نشكو إليه بثنا وحزننا، وهو القادر على أن يكشف عنا هذا البلاء الذي غطى كل ما سبقه من ويلات ونكبات.»
Неизвестная страница