فقال الجابي: «هل عميت عن حق الطريق؟»
ففطن التاجر إلى أنه لم يدفع للجابي بعض المال لنفسه فوق الضريبة كما هي العادة. وكان الخوف قد أنساه ذلك، فبادر بالاعتذار والاستغفار، مؤكدا أنه لا يمكن أن يغفل أداء مثل هذا الواجب المقدس، وإنما وقع ذلك سهوا منه ومن كاتبه. فقال الجابي: «حقا إنكم جهلة متأخرون، لا تحترمون موظفي حكومتكم وتتجاهلون حقوقهم. وكان يجب أن تدفع حق الطريق قبل دفع الإعانة نفسها.»
فأخذ السيد عبد الرحمن يتضرع إليهم أن يغفروا له ذلك الخطأ غير المقصود، مبديا استعداده لدفع ما يأمر به الجابي، فقال هذا: «لا تطل الكلام، ادفع مائة نصف.»
قال: «سمعا وطاعة.» ثم انطلق إلى خزانته وجاء بالمال المطلوب في إحدى يديه، وفي الأخرى مثله لكل من الكاتب والجندي حامل الدفتر، ثم سلم كلا منهم نصيبه من حق الطريق، وتنهد دلالة على الارتياح، ووقف بين أيديهم متأدبا، وفي نفسه أنه أرضاهم جميعا وتخلص من شرهم، ولا يلبثون قليلا حتى ينصرفوا فيعود إلى أداء صلاة العصر قبل أن يفوت وقتها.
وشد ما كان عجبه وجزعه حين رأى الجابي يشير إلى الكاتب الذي معه، ويأمره بمراجعة الدفتر لعل هناك ضرائب أخرى لم تسدد بعد. فنظر الكاتب في الدفتر قليلا ثم التفت إلى الجابي وقال: «إن له أرضا في الشرقية يدفع عنها كيسين كل سنة عشورا. والمطلوب أن يدفع الآن عشور ثلاث سنوات سلفا؛ لأن الديوان محتاج إلى نفقات كثيرة.»
فوجم السيد عبد الرحمن ثم تمالك نفسه وقال للجابي: «عفوا يا سيدي. إن هذه الأرض لم تعد ملكا لي؛ إذ إنني بعتها منذ سنة.»
وظن أن الجابي سيقتنع بهذه الحجة ويعفيه من العشور المطلوبة. ولكن هذا بدلا من الاقتناع وضع يده على مقبض سيفه ورد عليه بقوله: «أتريد اختلاس أموال الديوان بالكذب والبهتان؟ أم تريد أن نكذب دفتر الحكومة ونصدق دعواك ... لا بد من دفع العشور المطلوبة الآن وإلا كنت الجاني على نفسك.»
فتلعثم التاجر ولم يستطع جوابا؛ لعلمه أن ليس أسهل على الجابي من قتله ونهب كل ما في متجره. ثم نادى كاتب المتجر وسأله أمامهم: «هات ستة أكياس.» فقال الكاتب: «ليس في الخزانة الآن إلا كيسان اثنان، فهل آتي بهما؟»
وعبثا حاول السيد عبد الرحمن أن يستعطف الجابي ليمهله إلى اليوم التالي ريثما يدبر بقية المال المطلوب، فاستأذنه في الخروج لاقتراضه من أحد التجار، فلما أذن له خرج يطوف بمتاجر زملائه في الوكالة، حتى وفق إلى من أقرضه الأكياس الأربعة الباقية، فعاد بها إلى متجره يتنازعه عامل الأسف على ما تجشم من خسائر مالية فادحة، وعامل الشكر لله على أن نجاه من القتل بيد الجابي المتكبر الجبار.
وما بلغ المتجر حتى وجد كاتبه جالسا يبكي وينتحب بالباب، والدم يسيل من جرح في رأسه. فسأله: «ما هذا، وأين الجابي ومن معه؟»
Неизвестная страница