وإلى الأسرى في بابل أرسل إرميا رسالة باسم يهوه ينصحهم بالخضوع التام للملك البابلي ولا يعولوا على عودة سريعة لأورشليم لأنه «هكذا قال يهوه، إني عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع » (إرميا، 29: 10). «إذن فلا عودة من الأسر البابلي قبل سبعين عاما». هكذا كانت نبوءة إرميا.
وتتالى الأحداث وتجتمع كلمة الشعوب الواقعة تحت النير البابلي موآب وآدوم وعمون وصور وصيدا بتحريض من مصر، وأرسلوا سفراءهم إلى صدقيا ملك يهوذا لينضم للحلف. وما إن رأى إرميا السفراء حتى نادى:
هكذا قال يهوه رب الجنود إله إسرائيل ... أنا صنعت الأرض والإنسان والحيوان الذي على وجه الأرض ... وأعطيتها لمن حسن في عيني، والآن قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذ نصر ملك بابل عبدي ... ويكون أن الأمة التي لا تخدم نبوخذ نصر ملك بابل ... إني أعاقب تلك الأمة بالسيف والجوع والوباء، يقول يهوه حتى أفنيها بيده ... والأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه، أجعلها تستقر في أرضها، يقول يهوه، وتعملها وتسكن بها. (إرميا، 27: 4-11)
لكن الحزب المعادي لبابل قدم نبيه حنانيا يقول باسم يهوه:
هكذا قال يهوه. هكذا أكسر نير نبوخذ نصر ملك بابل في سنتين من الزمان. (إرميا، 28: 10-11)
وبينما تضرب جيوش بابل الحصار الثاني على أورشليم «كان حنانيا يعلم أن جيوش مصر قد خرجت لمعونة يهوذا» وحلفائها بقيادة الفرعون إبريس، ورفع نبوخذ نصر حصاره عن أورشليم محركا جيشه باتجاه مصر فانتعشت آمال يهوذا فى الخلاص، بينما تم القبض على إرميا في يهوذا بحسبانه جاسوسا لبابل وأودع السجن، لكنه كان يصر على أن يهوه قد أمر بتسليم أورشليم لبابل «هذه المدينة ستدفع دفعا ليد جيش ملك بابل فيأخذها» (إرميا، 28: 2-3). مما دفع جنود يهوذا لمطالبة الملك بقتل إرميا الذي يضعف روح المقاومة عند الناس.
ليقتل هذا الرجل ؛ لأنه بذلك يضعف أيادي رجال الحرب الباقين في هذه المدينة ... هذا الرجل لا يطلب السلام لهذا الشعب بل الشر. (إرميا، 38: 4)
وهزم البابليون جيش الفرعون إبريس الذي عاد إلى مصر، وفي عام 586ق.م اخترقت جيوش بابل أورشليم وتم تهديمها بشكل شبه كامل؛ فقد أمر نبوخذ نصر بهدم أسوارها، وحرق معبد يهوه، وقتل الملك صدقيا، وسبي الصناع والحرفيين وغيرهم إلى بابل وترك فقراء يهوذا فقط يفلحون الأرض. كما أمر «بإكرام إرميا» وتخييره بين البقاء في يهوذا أو السفر إلى بابل ففضل البقاء في يهوذا، «ومن هناك تم اختطافه إلى مصر» هو وتابعه الذي كان يلازمه باروك، ورغم أن «إرميا كان قد تنبأ بأن مصر ستلاقي مصير يهوذا على يد البابليين فإن نبوءته لم تتحقق»، وفي مصر مات واختفى ذكر إرميا من التاريخ. كذلك أخطا إرميا في تحديد مدة أسر اليهوذيين ببابل سبعين عاما؛ لأنه حتى أولئك الذين ذهبوا إلى السبي الأول «لم يلبثوا أكثر من 58 عاما»، منذ الحصار الأول 597ق.م وحتى 539ق.م على وجه التدقيق.
والنظرة الفاحصة لكتاب إرميا ستكشف أن هناك إصحاحات قد أضيفت إلى هذا الكتاب ليست لإرميا بأية حال وهما الإصحاحان 51 و52 تكرر حرفيا ذات الإضافات التي حشيت بكتاب إشعيا، وتتحدث حول هجوم الميديين على بابل (إرميا، 51: 11)، ودمار بابل التي ستتحول إلى كومة من الأنقاض، وهو ذات ما رددته إصحاحات إشعيا 13 و14، بينما نجد الإصحاح 52 في إرميا يردد ما جاء في الإصحاح 25 من كتاب ملوك ثاني، بل ويشهد على ذلك أن تلك الإصحاحات قد أضيفت بعد ما ورد من إشارة ختامية في الإصحاح 51 (إلى هنا كلام إرميا)، والمرجح «أن كاتبها كان رفيقه باروك الذي أراد إصلاح وتهذيب شأن خيانة إرميا الواضحة وعمالته لبابل». (4) حزقيال من كاهن إلى نبي
ولم تعمر المملكة البابلية الكلدانية طويلا؛ فقد ظهرت قوة جديدة في إيران هي قوة الفرس الذين أخضعوا الميديين هناك، وتمكن قورش الفارسي من توحيد إيران جميعا تحت سلطانه، وفي 539ق.م كان قد فتح بابل. لكنه «أبدا لم يحقق نبوءات إشعيا وإرميا؛ فلا هو هدم معابدها ولا دمر تماثيل آلهتها ولا تركها كومة أنقاض، بل أبدى نحوها شديد الاحترام»، وكانت حكمته دليلا لأخلافه الذين تمكنوا من إقامة إمبراطورية كبرى طوت شرقي المتوسط تحت جناحيها حتى وادي النيل، لكن إرميا رغم موته شريدا غريبا في مصر فإنه لم يعدم من يشاطره آراءه من بعد، ذلك كان «حزقيال» المنحدر من نسل الكهنة الصدوقيين المقدسين، والذي ذهب إلى بابل أسيرا في صباه عام 597ق.م، وبعد أن أمضى خمس سنوات في الأسر قرر أن يكون نبيا. أما كيف كان ذلك؟ فقد ظهر له يهوه ونشر أمامه كتاب «وهو مكتوب من داخل ومن قفاه وكتب فيه مراث ونحيب وويل». ثم أمر يهوه حزقيال أن يأكل ذلك الكتاب، وعند ذلك أصبح حزقيال نبيا (حزقيال، 3: 1-14) يتحدث بلسان يهوه عن مستقبل شعبه المختار.
Неизвестная страница