صلى الله عليه وسلم
وتوقف الوحي، والحركة الثانية منذ توقف الوحي، وحتى الآن. (5-1) وقائع الحركة الأولى
وعلى محور الحركة الأولى نطالع الدعوة الناشئة في مكة وهي في بدئها تبحث عن ملاذ وحلفاء وأتباع، وتمثل هذا البحث في سعي صاحب الدعوة إلى كسب الولاء لدعوته، بعرض نفسه على شتى القبائل وعلى المستوى الاستراتيجي كان أهم نقطتين يجب التركيز على حلف أحدهما يتمثل في مدينتين تقع كلتاهما على الخط التجاري الدولي الذي يمسك بعنان تجارة عالم ذلك الزمان. المدينة الأولى هي الطائف التي تقع على عصب طريق الشتاء التجاري إلى اليمن، والثانية هي يثرب الواقع عند عنق طريق الإيلاف الصيفي إلى الشام.
وبحكم المصالح التجارية المشتركة التي تربط أهل الطائف بالأرستقراطية التجارية المكية رفضت الطائف عرض التحالف مع الدعوة الجديدة، وبالمنطق نفسه - منطق المصالح - قبلت يثرب حلف صاحب الدعوة. بعد أن دفعها إلى ذلك أمران:
الأول:
أن قريشا قد أسقطت يثرب من حسابات مكاسبها التجارية نتيجة لضعف يثرب الشديد بعد مجموعة الحروب الأهلية التي دارت بين بطونها وأحلافها، حتى لم يعد بإمكانها القيام بفعل مناسب على طريق الإيلاف الشامي للضغط على قريش، حتى تنال نصيبها من تلك المكاسب التجارية الهائلة. وقد رأت يثرب أن التحالف مع صاحب الدعوة هو الفرصة المثالية للوقوف ندا لمكة التجارية. بل وتشكيل تهديد حقيقي تمثل في قمته في قطع الطريق التجاري تحت قيادة زعيم قرشي من قريش ذاتها، قريش مكة التي سبق وأهملت يثرب من معادلتها الاقتصادية.
أما الأمر الثاني:
الذي دفع يثرب إلى هذا التحالف أو ساعد عليه بالأحرى، هو خئولة النبي وآل هاشم في بني النجار من الخزرج اليثاربة، تلك الرابطة القرابية التي دعت الأخوال في يثرب إلى استقبال ابن رحمهم الهاشمي، وفتح مدينتهم له لتكون نواة الدولة وعاصمتها المقبلة. ولا يغيب علينا دور الإيمان العظيم لأهل يثرب بالدعوة الجديدة، وهو الإيمان الذي هيأهم له معاشرتهم لفكرة التوحيد الإلهي عبر أهلها من يهود يثرب، لكن ذلك تحديدا كان سببا في جعل يثرب مدينة إشكالية لوجود العنصر اليهودي بها، مما استدعى - في التعامل معها - تكتيكا من نوع خاص، أراد الله به إعطاء الدرس الموضوعي للمؤمنين.
من نافلة القول التأكيد أن يهود يثرب إنما كانوا عربا بكل معنى الكلمة، فقط كانوا يدينون باليهودية. ومثلهم مثل بقية يهود الشتات كانوا ينتظرون نبيا من بني إسرائيل، يعيد لإسرائيل مجدها ويقيم لها دولتها الغابرة التى أنشأها داود وولده سليمان، وعلى أن يكون هذا الآتي من نسل تلك الشجرة وحين ظهوره سيتم مسحه بالزيت المقدس «مسيحا» ليقيم عمد دولته ويعيد بناء الهيكل الذي دمره طيطس الروماني عام 70 ميلادية.
وقبل ذلك بزمان عانت الدولة السليمانية من قوة جيرانها؛ فقد وجه الفرعون شيشنق لها أولى الضربات زمن رحبعام بن سليمان، ثم تبعه الآشوريون الذين قضوا على النصف الشمالي من دولة إسرائيل، لينهي الأمر نبوخذ نصر البابلي باحتلاله نصفها الجنوبي وسبي أهلها. وهنا لم يبق أمام أنبياء شعب الرب سوى استمطار اللعنات على أعداء إسرائيل المتمثلين في حضارات المنطقة القديمة، والتنبؤ بانتقام سيقوم به المسيح الممسوح الآتي بعد أن يقيم دولة إسرائيل على أنقاض دول المحيط المعادي لها. ومن هنا كثرت نبوءات الكتاب المقدس بنبي آخر الزمان الآتي من سجف الغيب.
Неизвестная страница