Исмаил Касим в процессии жизни и литературы
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
Жанры
وحول هذا المعنى من فقدان الخطابة في مصر، وعدم وجود خطباء غير مصطفى كامل، استرسل الكاتب بإسهاب كبير. كما تطرق إلى معنى الخطابة وفائدتها، وضرب أمثلة من خطباء التاريخ الروماني واليوناني، وأيضا من التاريخ العربي مثل هانئ بن مسعود ... إلخ، ويتخذ من هذه الأمثلة نبراسا لخطباء مصر قائلا في ختام المقال: «فهكذا ينبغي أن يفعل المصري الذي يرى نفسه كفؤا لأن يؤدي خدمة جليلة لوطنه ويجد أن مقاله أهون شيء ينفع به وطنه. فإذا اجتمع لدينا عدد عديد من الخطباء المسمعين الذين يمكنهم أن يخطبوا في البلاد الأوروبية مبينين حالة مصر وفعال المحتلين بها، ويتهيأ لهم أن يسوقوا هذا الشعب الجامد بعصا التأثير البالغ إلى مواقف النشاط والإقدام والعمل، انتظرنا أن يكون لنا مستقبل سعيد.»
وطالما الموضوع تطرق إلى الخطابة والخطباء، واتهام صاحب الجريدة خطباء مصر بالتقاعس، بل وبالانقراض، حتى لم يبق منهم غير واحد فقط هو مصطفى كامل، فكان من الضروري الرد عليه من قبل أحد الخطباء، واستطاع إسماعيل عاصم أن يرسل الرد على ما سبق كخطيب له باع طويل في مجال الخطابة، سواء عن طريق مقدرته الفنية في هذا المجال - التي رأيناها سابقا - أو عن طريق عمله في المحاماة، التي تعتمد أولا وأخيرا على الأسلوب الخطابي، وعاصم يمتلك الميزتين، وتم نشر الرد بالجريدة - وفي نفس المكان وبنفس العنوان - في 22 / 6 / 1904.
وبعد أن عرض عاصم ملخصا لفحوى المقال السابق، أبدى عدة ملاحظات عليه، من أهمها قوله: «إنه عند دخول المحتلين مصر لم يكن فيها شيء اسمه النهضة الوطنية، ولم تر فيها غير شرذمة من قواد العساكر ثاروا ضد أمير البلاد والهيئة الحاكمة ينادون بالجنسية المصرية ويمقتون من لم يكن على شاكلتهم، وأخذوا يجبرون الأهالي على مقاومة السلطة الخديوية ومناوأة الحكومة فتارة ينادون بعزل الخديوي، وطورا يرمونه بالمروق من الدين مع ما كان عليه - رحمه الله - من الصلاح والتقوى وحب الخير لبلاده، ولم يكن فيه عيب غير عدم الاستبداد والطمع اللذين كانا في عهد غيره، حتى تجرأت الأسافل والأوغاد على تلك الأفعال المشئومة التي كانت السبب الوحيد في احتلال البلاد بطلب أميرها وأعاظم رجاله. فأين كانت النهضة الوطنية وقتها ... أم حسبنا أن ما قام به أولئك العصاة يعد في عرف الشرع والقانون نهضة وطنية ... حاشا لله.»
3
ثم تطرق عاصم إلى تفنيد بعض أقوال أبي شادي، عندما تحسر على ماضي الجمعيات الأدبية والعلمية والأحزاب السياسية، قائلا: «إن الجمعيات العلمية التي ذكرتم عنها أنها كانت تنعقد منذ عشرة أعوام، فإنها كانت مركبة من بعض تلامذة المدارس وبعض الأساتذة، ولم يكن فيها غير إلقاء خطب أدبية ومحاورات علمية، وكانت قوانينها تحرم عليهم الخوض في الديانة والسياسة ... وأما الأحزاب السياسية والكتاب والخطباء السياسيين الذين قلتم بوجودهم فإنهم لم يكن لهم حقيقة في مصر لا منذ عشرة سنين ولا أكثر من ذلك؛ لأننا ما سمعنا أبدا لغاية الآن بوجود أحزاب سياسية أو خطباء سياسيين في ديارنا، حتى ولا وجود كتاب سياسيين اللهم إلا في هذه السنين الأخيرة، وهم أصحاب الجرائد.» وأخيرا تحدث عن الخطيب الأوحد - ويقصد به الزعيم مصطفى كامل
4 - وتعجب من حماس أبي شادي له، فأبان أن الخطيب لم يهاجم الاحتلال في مصر، بل هاجمهم في فرنسا، التي قامت بالاتفاق مع الإنجليز، وأصبحت خطب الخطيب لا تتعدى الكلمات الجوفاء المتناثرة في الهواء.
وبعد نهاية رد إسماعيل عاصم، كتب أبو شادي تعقيبا عليه - في نفس الصفحة والعدد - بدأه بالهجوم الشرس على اعتبار أن عاصم لم يمعن النظر فيما كتب، كما اتسم رده بالاندفاع والتسرع وعدم الفهم. ثم استفاض في توضيح هذه الأمور والإتيان بالأدلة - البعيدة والغير مقنعة - مثل الحديث عن الجمعيات السياسية الموجودة في الماضي - وهي في الأصل جمعيات علمية أدبية - أمثال الجمعية الخيرية الإسلامية، والقبطية، ومصر الفتاة، والمقاصد الخيرية. ثم شحذ قلمه للدفاع عن مصطفى كامل بصورة مسهبة للغاية.
وأخيرا وجه إلى إسماعيل عاصم كلمات قاسية، متهما إياه بالانحياز إلى الإنجليز قائلا: «لمن العار على مثل حضرته - وقد كان يملأ شدقيه باسم الوطنية فيما سلف - أن يدعونا ويدعو أبناء وطنه كلهم إلى الخضوع لسلطة المحتلين، والرضوخ لأحكامهم والاستظلال بظلالهم. فإن مثل هذه الأقوال لا يصح أن تبدر إلا من شاب لم يعرك الحوادث ويصابر الأيام، ويبل الدهر حلوه ومره، ولكن ما عسانا نقول لمن سعى من مصر إلى لندرة [لندن]؛ ليرى الإنكليز مقدار محبته لهم فعاد محشوا بالميل والإخلاص إليهم
5 ... وليكن هذا الذي كتبناه كافيا للتعقيب على رسالة الزميل الفاضل ونعود إليها فنوفيها قسطها بما هو أوضح وأشرح، سواء وفى بوعده من البيان أو لم يوف والسلام.»
ولعل أبا شادي شعر بأنه لم يستطع الرد بصورة مقنعة في تعقيبه السابق، فأفرد مقالا آخر للرد على عاصم نشره في 25 / 6 / 1904 تحت عنوان: رد على انتقاد. وبدأه بالهجوم على عاصم أيضا، ناعتا إياه بالسد والصخرة التي تعترض الفلاح عند حرث أرضه؛ لذلك لزم اقتلاعها من مكانها. ثم أسهب كعادته في الحديث عن مصطفى كامل بصورة متكررة، ومعادة لما قاله سابقا. ثم تطرق مرة أخرى إلى مقال عاصم، وقام بتفنيده بصورة جاءت أقل بكثير من تعقيبه السابق؛ حيث خرج عن موضوع المناظرة في أكثر الأحيان، وأخيرا يختتم رده بالحديث عن مصطفى كامل قائلا: «يجب علينا وعلى أمثالنا أن نكون في مقدمة الذين يخدمون مصر بخطبهم، ولسنا فيما كتبنا عن مصطفى كامل باشا إلا مؤيدين إنسانا قام بأمر خطير، وكذلك نفعل مع كل مصري يخدم وطنه بنصح وإخلاص، والله يهدينا جميعا إلى سواء السبيل.»
Неизвестная страница