Ислам и арабская цивилизация
الإسلام والحضارة العربية
Жанры
15
واستولوا على أكثر الجبال والمضايق وبنوا القلاع والأبراج وجاذبوا الحبل جميع ملوك تلك الأطراف، ولبثوا مالكين هاتيك الحصون والقلاع، ضاربين على أهالي تلك البلاد الذلة والمسكنة نحو قرن تام، ولم يكن عددهم أنمى ما نموا، وأكثر ما كثروا ليزيد على ألف رجل ... فكما أن همجية أوروبا لذلك العهد لم يكن السبب فيها الدين المسيحي، فانحطاط الإسلام اليوم ليس السبب فيه الشرع المحمدي.»
المسلمون والمدنية ورأي علماء الغرب فيهم
وليت شعري ألا تشفع تلك الحسنات التي تمت بأيدي العرب في العالم بما بدا في المسلمين والعرب اليوم من هنات وضعف، خصوصا إذا أنصف متعصبة الشعوبية وقابلوا بين حال المسلمين اليوم وحالهم منذ مائة سنة مثلا، فالشرق الإسلامي أخذ في عهده الأخير ينهض من سباته الذي دام قرونا: «وهو الآن في طريقه
16
إلى المسامحة والفهم والنور والارتقاء والإخاء، يأخذ أيضا بأساليب الإنسانية العظمى.» وأمة هذه حالتها الحاضرة ومكانتها الغابرة، تستحق أن تنتصف ويعرف لها حقها في الحياة، نعم، أصبح كثير من أهل الإسلام يتمثلون مدنية الغرب الحديثة من غير حرج ولا نكير، ويأخذون من حضارته ما طاب لهم وقضت به بيئتهم، وهل هم إلا بقايا أمة أتت بمدنية باهرة، مهما قال خصومها فيها، لا يسعهم أن ينكروا أنها كانت الصلة بين مدنية الرومان القديمة وأهل المدنية الحديثة.
وفي الشرق اليوم حركة علمية طيبة وهبة نحو العلى، ولا ينقصه إلا التنظيم والوحدة، وهذا ما ذهب إليه موريس برنو،
17
قال وقد طاف معظم أقطار الشرق الإسلامي: «ظهر لي أن معظم الضعف في الشرق منبعث عن تخلفه في مضمار تنظيم نفسه وتوحيد كلمته، فقد لقيت في كل صقع نزلته إلا قليلا إلى جانب صفات طيبة من الذكاء وحسن الخلق، نقصا في الأساليب وضعفا في التوازن يقرب من الفوضى.» وهو كلام سديد ووصف مجيد، فقد رأينا العبر أهابت بأبناء هذه المدنية الممجدة، فأدركوا نقصهم وحاولوا اللحاق بمن تقدموهم، لا جرم أن العهد لا يطول حتى يكون المسلمون كالأوروبيين، فإن خمسين سنة تكفي لأمة منحطة حتى تأخذ ما عند أمة راقية، وما تعبت به أمم كثيرة قرونا يمكن استصفاء زبدته في سنين قليلة، ونهضة اليابان شاهدة على ذلك، أما المظاهر الأخرى فتحتاج إلى زمن طويل، فقد حدث مرات أن بعض أبناء الهنود أخذوا العلم عن الغرب فثبت أن بين أفكارهم وأفكار الغربيين ومنطقهم ومنطقهم وعواطفهم وعواطفهم فروقا بعيدة المدى، وليس معنى ذلك أنه يستحيل على الشرقي أن يصبح كالأوربي حذو القذة بالقذة، كلا، بل يكون الشرقي كالغربي بعد تعاقب الدهور والعصور، كما وقع لأجداد الغربيين أن ظلوا نحو ألف سنة يتخبطون في حالة تذبذب وتوحش حتى تأصل فيهم حب المدنية القديمة والأخذ منها.
هذا رأي لبون في المسلمين، وقد وقف حياته الطويلة على درس تاريخهم ومجتمعهم، وقال في كتابه نشوء العالم الحديث:
Неизвестная страница