Ислам и арабская цивилизация

Мухаммад Курд Али d. 1372 AH
152

Ислам и арабская цивилизация

الإسلام والحضارة العربية

Жанры

ضعف السياسة العربية

وأصاب الأندلس إدبار بعد ذلك الإقبال، كان من نتيجة اختلاف أمرائها، فسقطت سياستهم وإن لم تسقط مدنيتهم، تفرقت كلمتهم حتى أمسى بعض عمال الولايات وقضاتها يحاولون أن ينعتوا بالملك أو الأمير لاستبدادهم بالأمر دون من ولاهم، بل كثر في بعض أدوارهم الطامعون من أدعياء الخلافة، والراغبون في التلقب بأمير المؤمنين ومن أمرائهم من كان «منكمشة ولايته، قليلة جبايته، فإن نظره لم يزد على امتداد ناظر.» وجاء زمن كما قال ابن حزم وطرطوشة وسرقسطة وأفراغة ولاردة وقلعة أيوب في يد بني هود، وبلنسية في يد عبد الملك بن عبد العزيز، والثغر أي ما فوق طليطلة من جهة الشمال في يد بني رزين وطليطلة في يد بني ذي النون، وقرطبة في أيدي أبناء جهور، وإشبيلية في يد بني العباد، ومالقة والجزيرة الخضراء في يد بني برزال من البربر، والمرية في يد زهير العامري ثم ابن صمادح، ودانية وأعمالها والجزائر الشرقية «الباليار» في يد مجاهد العامري، وبطليوس ويابرة وشنترين ولشبونة في يد بني الأفطس، وقسمت الأندلس بعد سقوط الأمويين إلى تسع عشرة مملكة، منها قرطبة وإشبيلية وجيان وقرمونة والغرب والجزيرة الخضراء ومرسية وبلنسية ودانية وطرطوشة ولاردة وسرقسطة وطليطلة ولشبونة وغيرها، وكان ذلك بعد ذهاب الحكم من بني أمية سنة 407 ولو لم يتداركها ملك الغرب الأقصى ابن تاشفين أواخر المائة الخامسة لما بقيت في أيدي المسلمين إلى سنة 897ه، ولو لم يقم في سنة 635 رأس ملوك بني الأحمر ويستولي على غرناطة، ويضم إليها بلدانا أخرى مهمة من أمهات مدن الأندلس فيجمع الشمل، لكان المتحتم انحلالها قبل الأوان.

وكان من اختلاف كلمة المتغلبين ووجودهم وسط أعداء أشداء يسعون كل يوم إلى تأييد سلطانهم، والأخذ بالقديم من ثاراتهم، ما قبح أثره، وساء خبره ومخبره، كل هذا وأمراء الطوائف ساهون لاهون «همة أحدهم كأس يشربها، وقينة تسمعه، ولهو يقطع به أيامه.» وبلغ من تخاذلهم أن كان ملوك النصارى يأخذون الإتاوة من ملوكها قاطبة مدة سنين طويلة، وأن يلتجئ أحدهم إلى عدوه الإفرنجي ليعينه على أبيه وأخيه؛ ولذلك رأينا عرب الأندلس يهلكون لانقسامهم على أنفسهم، أكثر من هجمات الأجانب عليهم، والمرض الداخلي أشق من المرض الخارجي.

هذا ما كان من فساد سياسة الأندلس وهناك عوامل اجتماعية كان منها ضعف الأندلسيين، وقد أشار إلى بعضها ابن خلدون في المائة الثامنة، فقال: إنه ذهب من أهل الأندلس رسم التعليم وقلت عنايتهم بالعلوم لتناقص عمرانهم بها منذ مئين من السنين، ولم يبق من رسم العلم فيهم إلا فن العربية والأدب، وأصبح الفقه رسما خلوا وأثرا بعد عين، والعقليات لا أثر لها ولا عين، فانقطع سند التعليم بتغلب العدو على عامتها، وشغل الناس بمعايشهم أكثر من شغلهم بما بعدها، وأخذ القوم يتشبهون بالجلالقة في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، قال حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء.

الانحطاط وتعصب الإسبان

أظننا الآن رسمنا صورة صغيرة من الأندلس في حكم العرب، وما أنتجته من خير للمدنية في تلك البلاد وما وراءها، بقي أن نصف ما آلت إليه حالة تلك الأمة مع خصيمتها لما ضعف أمرها، عمل العرب منذ فتحوا أرض الأندلس ما ينفع سكان البلاد الأصليين، وكانوا في أيامهم الطويلة التي دامت ما يقرب من عمر مملكة الرومان مثال المسامحة واللطف والحرية، ولما عاد النصارى فافتتحوا غرناطة آخر معقل للإسلام في أوروبا

17

لم يروا الاقتداء بالتسامح الذي أظهره العرب نحوهم خلال عدة قرون، بل كان منهم على الرغم من المعاهدات المعقودة مع المسلمين، أن اضطهدوا هؤلاء اضطهادا قاسيا، ولم تصح عزيمتهم على طرد العرب طردا نهائيا إلا بعد قرن، فكان التفوق الفكري في العرب من موجبات بقائهم على رأس جميع الصنائع، رغم ما نالهم من الاضطهاد، والحق مع الإسبان في اتهامهم العرب بالاستيلاء على الأعمال جميعها؛ ولذلك طالب الشعب الإسباني بطرد العرب فقط، وأفرط رجال الدين فكانوا يقضون بتقتيلهم على بكرة أبيهم، يحاولون أن لا يبقوا منهم ديارا، وأن لا يعفى من هذا البلاء النساء والشيوخ والأطفال، واتخذ فيليب الثاني طريقا بين بين، مقتصرا في سنة 1610 على إعلان طرد العرب، ومصدرا أمره سرا، بأن يذبح معظمهم قبل أن يتمكنوا من مغادرة أرض إسبانيا، فأهلك نحو ثلاثة أرباعهم.

ولما انتهى الطرد والمذابح عمت الأفراح البلاد، وظهر أن إسبانيا ستدخل في طور جديد، وكان هذا التطور الجديد، فنشأت نتائج عظيمة من هذه الإبادة العامة التي لم يقع لها مثيل في التاريخ، ترك فرديناند للعرب حريتهم الدينية وحرية لغتهم في المعاهدة التي عقدها معهم، ومنذ سنة 1499 بدأ عهد الاضطهادات، فأخذوا يعمدون أبناء العرب بالقوة، مدعين أن العرب كانوا نصارى، وسيقوا إلى ديوان التحقيق الديني فأحرق منهم من استطاع أن يحرقه، وسار هذا العمل ببطء للصعوبة في إحراق عدة ملايين من الأنفس، فاقترح الكردينال رئيس الأساقفة لتطهير أرض إسبانيا من العنصر العربي - وكان هذا الكردينال الحاكم المتحكم في ديوان التحقيق في المملكة ومن كبار أهل الصلاح والتقوى - أن يقتل بالسيف جميع العرب الذين لم يدينوا بالنصرانية وفي جملتهم النساء والأطفال، وكان الدومنيكي «بليدا» أشد قسوة، فقضى أن يقتل العرب بدون استثناء؛ لأنه رأى أنه لا يتأتى أن يعلم إذا كان جميع المهتدين هم نصارى في قلوبهم، ولاحظ، وهو على حق فيما لاحظ ، أنه من السهل على المولى أن يميز في الدار الآخرة بين من يستحقون عذابه ومن لا يستحقونه. يقول فولتير: لما فتحت العرب إسبانيا لم يرغموا قط النصارى الوطنيين على انتحال الإسلام، ولما استولى الإسبان على غرناطة أراد الكردينال كسيمنس أن ينصر كل العرب، دفعته إلى ذلك غيرة دينية، أو طموح إلى إنشاء شعب جديد يخضع لصولته، وأرغم خمسين ألف عربي على أن يحملوا رمز دين لا يؤمنون به.

يقول بليدا الدومنيكي: إنه قتل ثلاثة أرباع من جلوا من العرب في طريقهم إلى دار هجرتهم، قتل مائة ألف من حملة واحدة كانت مؤلفة من 140 ألفا وذلك في الطريق إلى إفريقية، وفقدت إسبانيا في بضعة أشهر مليونا من رعاياها. ويقول سيديليو ومعظم المؤرخين: إن عدد من فقدتهم إسبانيا بلغ ثلاثة ملايين، وذلك من فتوح فرديناند إلى طرد العرب الطرد الأخير، وذكر فاريتي

Неизвестная страница