Ислам Шарикан
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Жанры
7
استمرت المناقشات التي دارت حول مبدأ الإلزام بالتعليم الأولي ومدى تنفيذه وجدواه عشرات السنين، واختلفت حوله آراء المحافظين والعمليين (أو النفعيين) والتقدميين، وكان أهم الناطقين بوجهة النظر الوطنية والتقدمية وأبلغ المعبرين عنها هو طه حسين في كتابه الشهير مستقبل الثقافة في مصر (1938م) الذي قدم فيه - بجانب أفكاره عن دور مصر الثقافي وماهيته ومستقبله - برنامجا واضحا ومحددا عن إصلاح نظام التعليم في المدارس والتخلص من الازدواجية التي سبق الحديث عنها.
وقد أكد طه حسين بكل حزم في هذا الكتاب أنه يجب على النظام الديموقراطي أن يكفل الحياة والحرية والسلام لكل أبناء الشعب، وأنه لن يحقق أي هدف من هذه الأهداف إذا تقاعس عن وضع القانون الملزم بالتعليم الأولي موضع التنفيذ، وحمل الجميع على الخضوع له بالرفق واللين أو بالشدة والعنف. والهدف الأول من التعليم الأولي يكمن في أنه أبسط وسيلة يملكها الفرد في يده لتمكنه من العيش، أما الهدف الثاني فيكمن في أن هذا التعليم الأولى هو أبسط وسيلة ينبغي أن تكون في يد الدولة نفسها لتحقيق الوحدة الوطنية وإيقاظ شعور الأمة بحقها في الوجود الحر المستقل، وبواجبها في الدفاع عن هذا الوجود. وأما الهدف الثالث والأخير فيكمن في أن هذا التعليم هو الوسيلة الوحيدة في يد الدولة لتمكين الأمة من الاستمرار في الوجود؛ لأنها تضمن عن طريقه وحدة التراث الذي يتحتم أن ينتقل من جيل إلى جيل، كما يتحتم على جميع أفراد كل جيل أن يشاركوا في عملية نقله.
8
والملاحظ أن طه حسين كان في هذه المرحلة من حياته لا يزال ينظر إلى المدرسة الأولية باعتبار أنها هي المدرسة الشعبية، كما كان من رأيه أن تقسيم التعليم العام إلى مدارس أولية لأبناء الشعب ومدارس ابتدائية وثانوية لأبناء النخبة إنما يجعل تربية الشباب على الشعور بالوحدة الوطنية أمرا وهميا، وقد حبذ - في هذه المرحلة - إلغاء المدارس الأولية كشيء مرغوب فيه، ولكنه لم يصمم عليه تصميما جديا واكتفى باقتراح بعض «المهدئات» مثل إتاحة الفرص الممكنة للنقل من المدرسة الأولية إلى المدارس العامة (الابتدائية والثانوية) ...
والواقع أن المدارس الأولية بدأت تتعرض مع مرور الزمن للإهمال الشديد، بينما تزايد نمو المدارس الابتدائية والثانوية تحت ضغط الرأي العام، كما كانت تعبر عنه (مع صمت الأغلبية الصامتة!) الطبقة الوسطى الصاعدة. والظاهر أن ديموقراطية الدولة المصرية في ذلك الحين هي التي حكمت - بقصد أو بغير قصد - على المدارس الأولية أو الشعبية بنوع من «التمييز العنصري» لمصلحة المدارس الحكومية التي لم يكن يقدر على دفع مصروفاتها سوى أبناء الطبقة «البورجوازية».
9
وعلى الرغم من الاتجاه الرسمي الواضح لتمييز الطبقة الوسطى على غيرها، فلم تتوقف جهود المشرفين على التعليم عن إضفاء الطابع الديموقراطي عليه. وقد استطاع واحد من أفضل وزراء المعارف، وهو أحمد نجيب الهلالي، أن يطرح من هذا المنظور في سنة 1935م برنامجا لإصلاح التعليم بالمدارس طالب فيه بإلغاء المصروفات المفروضة على المدارس الابتدائية التي كانت أكثر عجزا من المدارس الأولية عن استيعاب جميع الأطفال، كما نص على ذلك قانون الإلزام بالتعليم. والجدير ذكره أن طه حسين كان يشغل من سنة 1942م إلى سنة 1944م منصب المستشار الفني في وزارة المعارف على عهد نجيب الهلالي، ومن ثم كان مشاركا في المسئولية عن السياسة التعليمية.
10
ولما تولى طه حسين وزارة المعارف في حكومة الوفد الأخيرة (من 12 يناير1950 إلى 27 يناير 1952م) لم يكتف بمواصلة الطريق الديموقراطي الذي بدأه الهلالي، بل خطا الخطوة الجريئة المفاجئة عندما أعلن أن التعليم المجاني من حق كل طفل مصري كحقه «في الماء والهواء»،
Неизвестная страница