Ислам в двадцатом веке: его настоящее и будущее
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Жанры
قلنا في ختام كتابنا عن عقائد المفكرين: إنه «لا التباس اليوم بين وازع الأخلاق ووازع العقيدة الدينية، وليس اتفاقهما في الإباحة والتحريم أحيانا بالذي يمنع الباحث أن يعرف لها صبغتها ويميز طبيعتها، فلا يخلط بين أوامر القانون وأوامر الأخلاق وأوامر الدين.» «والغالب على الأوامر القانونية أنها إرادية تكتفي بتحقيق السلامة، ولا تذهب وراء الأسلم الألزم إلى شوط بعيد، والغالب على الأوامر الأخلاقية أنها لدنية تعمل فيها الإرادة شيئا، ولكنها لا تعمل كل شيء، بل يتولى الشعور أهم البواعث في أعمال الأخلاق، ويشاهد فيها كثيرا نزوع إلى ما وراء السلامة واللزوم، وتفضيل للأجمل الأمثل من الأمور، فصاحب الوازع الأخلاقي لا يقنع بفروض القانون، ولا يزال متطلعا إلى درجة أعلى من درجات القانعين باجتناب العقاب والتزام أدنى الحدود.» «أما الغالب على الأوامر الدينية أو آداب العقيدة فهو الشمول الذي يحيط بالإرادة والشعور والظاهر والباطن، ولا يسمح لجانب من النفس أن يخلو منه، ولا يقنع بالسلامة أو بالجمال إلا أن تكون معهما الثقة التي لا تتزعزع في صميم الحياة، بل صميم الوجود، ومن السهل أن يقال: إن حاسة القانون تتولد في الإنسان؛ لأنه عضو في مجتمع، وإن حاسة الأخلاق تتولد فيه؛ لأنه من أفراد النوع الإنساني كله، ولكن ليس من السهل أن يقال: إن الإنسان مهتم بمصيره في الكون؛ لأنه عضو في المجتمع أو فرد من أفراد النوع، وإنما يتدين الإنسان؛ لأنه يهتم بمصيره ومعنى وجوده، ويطلب له قرارا أوسع جدا من علاقاته الإنسانية أو علاقاته بالمجتمع، ويجب أن يطلب عقيدة تحتويه، ولا يكتفي بعقيدة يحتويها ويريدها كما يشاء.»
وعلى هذا الشرط - شرط الشمول في العقيدة - يكون الإسلام هو العقيدة بين العقائد، أو هو العقيدة المثلى للإنسان منفردا ومجتمعا، وعاملا لروحه أو عاملا لجسده، وناظرا إلى دنياه أو ناظرا إلى آخرته، ومسالما أو محاربا، ومعطيا حق نفسه أو معطيا حق حاكمه وحكومته، فلا يكون مسلما وهو يطلب الآخرة دون الدنيا، ولا يكون مسلما وهو يطلب الدنيا دون الآخرة، ولا يكون مسلما لأنه روح تنكر الجسد أو لأنه جسد ينكر الروح أو لأنه يصحب إسلامه في حالة ويدعه في حالة أخرى، رهينا بوساطة بينه وبين السماء يتولاها في المعابد سدنة موكلون بالوساطة بين المخلوق والخالق وبين العابد والمعبود، ولكنما هو المسلم بعقيدته كلها مجتمعة لديه في جميع حالاته وجميع حالاتها، سواء تفرد وحده أو جمعته بالناس أواصر الاجتماع.
إن شمول العقيدة في ظواهرها الفردية وظواهرها الاجتماعية هو المزية الخاصة في العقيدة الإسلامية، وهو المزية التي توحي إلى الإنسان أنه «كل» شامل فيستريح من فصام العقائد التي تشطر السريرة شطرين، ثم تعيا بالجمع بين الشطرين على وفاق.
الفصل الثالث
عقيدة شاملة
يبدر إلى الذهن أن الشمول الذي امتازت به العقيدة الإسلامية صفة خفية عميقة لا تظهر للناظر من قريب، ولا بد لإظهارها من بحث عويص في قواعد الدين وأسرار الكتاب وفرائض المعاملات، فليست هي مما يراه الناظر الوثني أو الناظر البدوي لأول وهلة قبل أن يطلع على حقائق الديانة، ويتعمق في الاطلاع.
ومن المحقق أن إدراك الشمول من الوجهة العلمية لا يتأتى بغير الدراسة الوافية والمقارنة المتغلغلة في وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بين الديانات، وبخاصة في شعائرها ومراسمها التي عليها المؤمنون في بيئاتهم الاجتماعية.
ولكن الناظر القريب قد يدرك شمول العقيدة الإسلامية من مراقبة أحوال المسلم في معيشته وعبادته، ويكفي أن يرى المسلم مستقلا بعبادته عن الهيكل والصنم والأيقونة والوثن ليعلم أنه وحدة كاملة في دينه، ويعلم من ثم كل ما يرغبه في ذلك الدين أيام أن كان الدين كله حكرا للكاهن، ووقفا على المعبد، وعالة على الشعائر والمراسم مدى الحياة.
لقد ظهر الإسلام في إبان دولة الكهانة والمراسم، وواجه أناسا من الوثنيين أو من أهل الكتاب الذين صارت بهم تقاليد الجمود إلى حالة كحالة الوثنية في تعظيم الصور والتماثيل والتعويل على المعبد والكاهن في كل كبيرة أو صغيرة من شعائر العبادة، ولاح للناس في القرن السابع للميلاد خاصة أن «المتدين» قطعة من المعبد لا تتم على انفرادها، ولا تحسب لها ديانة أو شفاعة بمعزل عنه، فالدين كله في المعبد عند الكاهن، والمتدينون جميعا قطع متفرقة لا تستقل يوما بقوام الحياة الروحية، ولا تزال معيشتها الخاصة والعامة تثوب إلى المعبد لتتزود منه شيئا تتم به عقيدتها ولا تستغني عنه مدى الحياة.
لا دين بمعزل عن المعبد والكاهن والأيقونة، سواء في العبادة الوثنية أو في عبادة أهل الكتاب إلى ما بعد القرن السابع بأجيال متطاولة.
Неизвестная страница