قلنا: هو سياسة شرعية، وأما أن مادتها تعظيم الشرع؛ فلأن من لا يعظم الشرع، لا يرتبط بأحكام الفقه عبادة ولا عادة.
وأما أن غايتها الطاعة والعدل؛ فلأن خطاب الشرع الواجب تعظيمه بامتثاله الوارد بالأحكام الفقهية يتعلق بالعبادات والعادات، فامتثاله في العبادات طاعة، وفي العادات بكف أذى الناس بعضهم عن بعض والتزام الإنصاف بينهم، وهو طاعة وعدل.
وأما أن ثمرتها السعادة يوم الفصل، فلأن الفقه شرع الله وأوامره، فمن امتثلها كان مطيعا، ومن كان مطيعا كان من أهل السعادة إن شاء الله ﷿.
إذا عرفت هذا فاعلم أن في أصول الدين قاعدة عظيمة عامة، وهي قاعدة القدر، وقد كنت أفردت فيها تأليفا.
وفي أصول الفقه قاعدة كذلك، وهي قاعدة العموم والخصوص، وقد كنت عزمت أن أفردها بتأليف، لكن رأيت إدراجها في هذا الإملاء، إذ هي من جزئياته.
وهاتان القاعدتان عامتا الوقوع في الكتاب والسّنّة، فلنقرر كلياتهما هاهنا ثم نحيل عليه، أو نكتفي به عند ذكر جزئياتهما في أثناء هذا التعليق إن شاء الله ﷿.
أما القدر فالنظر في لفظه، وحده، وحكمه، واختلاف الناس فيه، وتردد الأدلة فيه، والكشف عن سره.
أما لفظه فهو مصدر قدر يقدر، بضم الدال وكسرها، قدرا، وقدرا، بسكونها وفتحها.
وفي التنزيل: ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (١) [القدر: ١].
ثم ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ (٤٠) [طه: ٤٠].
وأما حده على رأي الجمهور: فهو خلق الأفعال بالقدرة القديمة وإجراؤها على محل القدرة الحادثة، وهي جوارح المكتسبين لها.
وعلى رأي المعتزلة (١): هو منع الألطاف عن العبد ليقع في معصية المعبود.
وإن شئت قلت: القدر هو تعلق الإرادة الجازمة بوقوع أمر ممكن، أو هو ترجيح أحد
1 / 18