(واعلم أن جميع الآلام والنقائص) إذا كانت من أفعالنا، فإنها تحسن إذا كانت لجلب نفع أو دفع ضرر أعظم، أو استحقاق، أو لظن أحد الوجهين المتقدمين، وهذا لا شبهة فيه، فإن كل عاقل يعلم حسن تحمل المشاق في الأسفار ومعالي الأمور ومشاق التعليم طلبا للمنافع سواء كانت معلومة أو مظنونة، وكذلك يستحسنون الفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة ونحو ذلك طلبا لدفع مضار هي أعظم منها سواء كان اندفاعها معلوما أو مظنونا.
وأما الظن لاستحقاق الألم فقيل لا يحسن إنزاله بالظن؛ لأن المنزل له يكون مقدما على مالا يأمن من كونه ظلما، وقال أبو هاشم: يحسن واحتج بإنزال الحدود عند الشهادة التي لا تفيد إلا الظن، وأجيب بأن ذلك ورد به الشرع لمصلحة شرعية حتى لو تركنا والعقل لما استحسنه.
وأما الآلام والنقائص (النازلة بالأطفال والمجانين، وسائر الممتحنين اللاتي من الله تعالى)، وكذلك المضار اللاتي لا تتوقف على اختيارنا كفساد الثمار واجتياحها بالبرد والبرد، فالذي عليه أهل الإسلام وكثير من الخارجين عنه أن ذلك فعل الله تعالى (ولا بد فيها) من أحد وجهين: إما الاستحقاق، ولا شبهة في ذلك كعقاب أهل النار ونحوه، وإما لمجموع (العوض) للمؤلم (والاعتبار)، ولا يكفي في حسن الألم أحد الأمرين: إما العوض، أو الاعتبار.
وقد ذهب عباد إلى أن الاعتبار كاف في حسن الألم، فإن كان كلامه على عمومه بحيث أنه يقول: يحسن منه تعالى إيلام الأطفال ونحوهم؛ لمجرد أن يحصل بذلك اعتبار للمكلفين، أو بعضهم، أو إيلام مكلف لمجرد إعتبار يحصل لغيره فقد أبعد في مقالته (والدليل على) بطلان (ذلك) أنها (لو خلت عن العوض) وكانت كما قال (لكانت ظلما؛ لأنه يكون ضررا عاريا عن جلب نفع للمؤلم، أو دفع ضرر عنه أو استحقاق، وهذه هي صفة الظلم، والظلم قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح).
Страница 76