(والدليل على ذلك) المذهب الصحيح، وهو مذهب أهل العدل ومن وافقهم: العلم بأنا محدثون لأفعالنا ضروري؛ لأنه لا مجال للشك فيه؛ لأن العقلاء يعلمون بعقولهم (أنه يحسن أمرهم ببعضها ونهيهم عن بعض وثوابهم ومدحهم على الحسن) الذي يستحق عليه الثواب، (وعقابهم على القبيح منها)، ويعللون ذلك بكونه فعله، وكل ذلك فرع على أنهم المحدثون لها، وإنما قلنا على الحسن الذي يستحق عليه الثواب؛ لأن بعض الحسن لا يستحق عليه ثواب، كالمكروه والمباح فإنهما حسنان عند المحققين ولا ثواب فيهما، (فلو كانت من الله لما حسن شيء من ذلك كما لم يحسن شيء من ذلك على صورهم وألوانهم، فإذا حسن ثوابهم وعقابهم، ومدحهم وذمهم، على أفعالهم، ولم يحسن شيء من ذلك على صورهم وألوانهم علمنا) الفرق بين أفعال العباد وبين الصور والألوان ودل ذلك على (أن أفعالهم منهم لا من الله تعالى، وذلك مقرر في عقل كل عاقل).
فإن قالوا: ألستم تحمدون الله تعالى على الإيمان وهو من فعلكم؟
والجواب: أنا نحمده على مقدمات الإيمان من الإقدار والتمكين والتوفيق، وهو يحمدنا تعالى على فعله كما صرح به في قوله تعالى: {فأولئك كان سعيهم مشكورا}[الإسراء:19] وقوله تعالى: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه}[آل عمران:115] وصار الحال في حمدنا له تعالى على الإيمان كالحال في الوالد إذا اجتهد في تخريج ولده وحسن تأديبه حتى يبدو صلاحه، فإنه يقال: هذا من أبيه، والمراد أنه تقدم من أبيه من العناية والرعاية ما كان سببا في ذلك.
Страница 59