الركينة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (١).
وبذلك تتحقق للمسلمين فوائده الكثيرة ومنافعه الجمة، ويشعرون أنهم يقصدون أول بيت وضع للناس بمكة مباركًا، ويستعيدون ما ارتبط به من ذكريات خالدة.
ولما كان لهذه العبادة قيمتُها السامية، ولهذا البيت مكانته الرفيعة في نفوس المؤمنين، فقد اتجه العلماء منهم - منذ صدر الإِسلام - إِلى التأليف في أحكام هذه العبادة وفي تاريخ هذا البيت وأعلام بلده الأمين، وتعددت مؤلفاتهم وتنوعت، وما زال الكثير منها في عداد المخطوطات البعيدة عن متناول عامة القراء.
وقد أتيحت لي فرصة ممارسة جانب من هذا التراث النفيس، عندما عهد إِليَّ مركز أبحاث الحج التابع لجامعة أم القرى بالتنقيب عن الوثائق المتعلقة بالحج وبالحرمين الشريفين، في تونس، والتعريف بها تمهيدًا لتصويرها للمركز المذكور. وشدتني هذه الوثائق إِليها، وعرفتني بما كان لأسلافنا من عناية بالغة بالوقف على الحرمين، ونظم الشعر فيهما، والتأريخ لهما، والترجمة لرجالهما، والعناية بالحديث عما فيهما من المعالم وما في الطريق إِليهما من المنازل، وبما كان لبعضهم من ولوع بتدوين رحلاتهم إِليهما، وبما بذل الفقهاء منهم من جهود في تصنيف مناسك الحج والعمرة، وآداب الزيارة.
ثم شدَّني أحد مصنفات المناسك وملك إِعجابي، عندما كنت في غمرة
_________
(١) آل عمران: ٩٧.
1 / 8