ولما كانت عظمته لا يشاركه فيها مشارك ؛ كانت أياديه ونعمه مما لا يملكها عليه مالك، ولا يشاركه في الاقتدار عليها مشارك ؛ ليختص في النعمة بمثل ما اختص به في العظمة ؛ فلهذا اختص الإله عز وجل بخلق أصول النعم، وأساس جميع المنح والقسم، وهي خلق الحي، وخلق حياته، وخلق شهوته، وتمكينه من المشتهيات، وإكمال العقل الذي يميز به بين الحسن والقبيح، ويجتلب به المتجر الربيح ؛ فلولا هذه الابتدآت الحسنة لما كانت في الدنيا حسنة، قضية قضاها العقل الرصين، وحكم حكم به رب العالمين، فله الحمد على ما امتن، والشكر كثيرا على ما أنعم وأحسن، فقد اقتضت عليك هذه النعم التي هي أنهى النهآيات أن يبلغ شكرك عليها أقصى الغآيات ؛ فإن الشكر يتزايد بتزايد النعم، ويتنوع بحسب تنوع المنح والقسم، فليس إعطاء الفلس كالتفضل بالفرس، ولا الدينار كالقيراط(1)، ولا الشكر على التفضل بالتاج كالشكر على الامتنان بالجاج(2)، هذا وأنت لا تبلغ إلى شئ من شكره إلا بمنه وفضله، فإنه لولا تعريفه لك بكيفية الشكر واقتداره لك على الاعتراف له، والذكر ما أحسنت شكره، ولا دريت ذكره ؛ ولهذا قال بعض الصالحين شعرا:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة .... [على له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله .... وإن طالت الأيام واتصل العمر
وقال آخر:
إن لله علينا أنعما يعجز الحمد عن الحمد لها
Страница 10