terra
الأرض، التربة، التغذية، الإعاشة؛ فهي تحمل معنى وسيلة إعاشة، أو الاستقرار، أو التلاشي في اللاوضوح. ولكن شكل الكلمة، مثلما ورد في قاموس أكسفورد للإنجليزية، يشير إلى أنها مشتقة من كلمة
terrere ، بمعنى يخيف، أو يرهب. و
territorium
هي «مساحة يحذر منها الناس». ربما يكون هذان الاشتقاقان المختلفان لا يزالان يحتلان كلمة إقليم اليوم. واحتلال إقليم إنما يعني الحصول على الاستقرار وممارسة العنف؛ فالإقليم أرض احتلها العنف. (ص144)
وفي هذا إشارة إلى أن الإقليم مثير للنزاع في جذوره.
كمقاربة أولى، يعرف الإقليم - عند تأمله بمعزل، كما هي الحال في التعريفات غالبا - بأنه مساحة اجتماعية محدودة تنقش معنى من نوع معين على أجزاء محددة من العالم المادي. ومن شأن إقليم بسيط أن يميز اختلافا بين «جانب داخلي» و«جانب خارجي»؛ فتشير المعاني، في المثال الأول، إلى المدلول العملي للوجود ب «الداخل» أو ب «الخارج» أو تجاوز الحد الفاصل الذي يميز جانبا عن الآخر. ربما يميز الحد الفاصل عابر سبيل عن معتد، أو أجنبيا عن مواطن؛ إذا فأساسيات الإقليم واضحة إلى حد ما: مساحة، حد، معنى ما، وضع ما. غير أنه على الرغم من ذلك، توجد متغيرات لا حصر لها تطرح نفسها؛ فبعض الأقاليم باقية ومستقرة نوعا ما، والبعض الآخر زائل إلى حد كبير؛ البعض رسمي، بينما البعض الآخر غير رسمي. فالأقاليم مثل الدولة القومية الإقليمية تطمح للاقتراب من المرجعية الكاملة أو الارتباط بما يوجد ب «الداخل»، بينما ثمة أقاليم أخرى، مثل مناطق البيع الخاصة بشركة للسلع الرياضية، قد تكون ذات ارتباط محدود للغاية أو ذات مدلول لعدد محدود نوعا ما من الأشخاص؛ فقد يكون هيكل الكنيسة الكاثوليكية المكون من الأبرشيات والأسقفيات والمطرانيات ذا أهمية كبيرة للأساقفة والقساوسة والأبرشيين، ولكنه يحمل صلة محدودة للغاية لغير الكاثوليكيين.
قد يأتي التعبير عن حدود إقليم ما بهياكل مادية؛ مثل أسوار، أو جدران، أو بوابات، أو أبواب. أو قد يعلن عنها بلافتات لغوية من قبيل: «مرحبا بكم في كيبيك»، «للموظفين المخولين فقط»، «للرجال»، «ابتعد عن الحشائش». ولكن هذه الأشياء ليست أساسية، بل إنها قد تكون مستحيلة، أو على الأقل غير عملية بالنسبة إلى الأقاليم غير الرسمية أو الزائلة. الفكرة هنا هي أن أي إقليم وحدوده «لهما معنى»؛ فهما ذوا مدلول بقدر ما يدلان عليه. وما يعنيه إقليم بعينه - مثل المصطلحات الخاصة بالاختلاف، والحدود، وإمكانية الدخول، والمنع، والعواقب المرتبطة بتجاوز حد ما - يعتمد على نوعية العلاقات الاجتماعية المرتبطة به؛ على سبيل المثال: تحمل خطوط الحدود الدولية أنواعا مختلفة من المعاني أكثر من خطوط الملكية (حتى إن توافقت في الموقع)، أو عتبات وحدات العمل المكتبية، أو حدود منطقة مبيعات؛ فالتوغلات غير المصرح بها داخل وحدة عمل أحد الزملاء قد تكون سببا لاتخاذ إجراء تأديبي، ولكن ليست سببا لعمل انتقامي عسكري. ومن نواح مهمة، بالطبع، يحمل كل خط حدودي خاص مجموعة فريدة من المعاني؛ فالحدود السورية الإسرائيلية تعبر عن معنى لا تعبر عنه الحدود النرويجية السويدية. الفكرة هي أننا قبل أن نتمكن من مناقشة «ما» يعنيه الإقليم، أو «كيف» يصبح ذا معنى، ينبغي التركيز على وجود معنى له؛ فإذا كان الإقليم شيئا، أو أداة، فهو شيء ذو معنى، أداة معروفة بأنها «تحوي» و«تعبر عن» أنواع متعددة من المعاني؛ فالأقاليم ليست كيانات مكانية فحسب، بل أدوات تواصلية أيضا.
والإقليم مساحة محدودة ذات معنى، سواء سميت هذه المساحة الصين، أم مساحة مشتركة من عقار سكني، أم «أسقفية ألباني». وتشير «الإقليمية» أكثر إلى العلاقة بين الأقاليم و«بعض الظواهر الاجتماعية الأخرى»؛ فهي تلفت الانتباه إلى الجوانب الإقليمية، أو ظروف ما، أو تداعيات شيء آخر؛ لذا تركز إقليمية سلطة الدولة على الجانب المكاني للسلطة السياسية الرسمية. والإشارة إلى إقليمية العنصرية، مثلما تم التعبير عن هذا في عهد التمييز العنصري أو في الكثير من المواقع الحضرية المعاصرة، تتيح لنا إدراك التدخل الجوهري للهياكل الإقليمية في طبيعة العنصرية التي تعمل بها العنصرية وكيفية معايشتها؛ ففحص واستكشاف إقليمية العمالة من شأنه تسليط الضوء على عمليات تقسيم أو دمج العمالة بواسطة إعادة التكوينات الإقليمية. والإقليمية، من منظور هذا المعنى «الارتباطي»، تتعامل مع الإقليم باعتباره شيئا «ساكنا» أكثر من تعاملها معه باعتباره جانبا من جوانب الأبعاد المتعددة للحياة الاجتماعية. ومن المفيد لنا تحويل انتباهنا إلى الظواهر الاجتماعية ذات الأهمية؛ لذا يمكننا تحليل إقليمية المؤسسات (المدارس، السجون، المستشفيات)، أو المنظمات (الشركات، الجيش، الأديان)، أو الأنشطة (لهو الأطفال، غسيل الأموال، إدمان المخدرات)، أو جوانب الهوية أو الكائن الاجتماعي. علاوة على ذلك، يمكن أيضا تعديل مصطلح «الإقليمية» ليركز على علاقات أو عمليات أكثر تحديدا: إقليمية لهو الأطفال القائمة على أساس النوع الجنسي، والإقليمية العرقية للتمثيل السياسي؛ وهذا يتيح لنا استكشاف كيفية إقحام الإقليمية في التعبير الاجتماعي عن هذه الأنواع من العلاقات؛ على سبيل المثال: كيف يتوسط الإقليم في التفاعل بين النوع الجنسي والسن، أو العرق والسلطة السياسية.
ومثلما يبرز التحول من «الإقليم» إلى «الإقليمية» علاقات مختلفة على نحو أوضح، كذلك يبرز التحول ذو الصلة من الأسماء إلى أشكال الفعل المشتقة من كلمة إقليم العمليات والممارسات الاجتماعية على نحو أوضح؛ ففي السنوات الأخيرة كتب عدد من الباحثين عن «لاأقلمة»
Неизвестная страница