تَحْرِيم التَّقْلِيد مُطلقًا انْتهى قلت وَقَول الْحَافِظ أبي عمر وَأَنَّهُمْ المرادون فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ وَفِي دَعْوَى لإِجْمَاع على ذَلِك نظر فَإِن ابْن جرير وَالْبَغوِيّ وَأكْثر الْمُفَسّرين قَالُوا إِن الْآيَة فِي مُشْركي مَكَّة حَيْثُ أَنْكَرُوا نبوة مُحَمَّد ص وَقَالُوا الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا فَهَلا بعث إِلَيْنَا ملكا فَقَالَ الله تَعَالَى ردا عَلَيْهِم فاسئلوا أهل الذّكر يَعْنِي أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يُرِيد أهل الْكتاب فَإِنَّهُم لَا يُنكرُونَ أَن الرُّسُل كَانُوا بشرا وَإِن أَنْكَرُوا نبوة مُحَمَّد ص وَأمر الْمُشْركين بمساءلتهم لأَنهم إِلَى تَصْدِيق من لم يُؤمن بِالنَّبِيِّ ﷺ أقرب مِنْهُم إِلَى تَصْدِيق من آمن وَقَالَ ابْن زيد أَرَادَ الذّكر الْقُرْآن أَرَادَ فاسئلوا الْمُؤمنِينَ الْعَالمين من أهل الْقُرْآن إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ انْتهى
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما بعث الله تَعَالَى مُحَمَّدًا رَسُولا أنْكرت الْعَرَب ذَلِك أَو من أنكر مِنْهُم فَقَالُوا الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا مثل مُحَمَّد فَأنْزل الله تَعَالَى ﴿أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم﴾ وَقَالَ ﴿وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ يَعْنِي فاسئلوا أهل الْكتب الْمَاضِيَة أبشرا كَانَ الرُّسُل الَّتِي أتتكم أم مَلَائِكَة أتتكم وَإِن كَانُوا بشرا فَلَا تنكروا أَن يكون رَسُولا ثمَّ قَالَ ﴿وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى﴾ أَي لَيْسُوا من السَّمَاء كَمَا قُلْتُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ ﴿وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا﴾ قَالَ قَالَت الْعَرَب لَوْلَا أنزل علينا مَلَائِكَة قَالَ الله تَعَالَى وَمَا أرْسلت إِلَّا بشرا فاسئلوا يَا معشر الْعَرَب أهل الذّكر وهم أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين جَاءَتْهُم الرُّسُل قبلكُمْ إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ أَن الرُّسُل الَّذين كَانُوا قبل مُحَمَّد ص كَانُوا بشرا مثله فَإِنَّهُم سيخبرونكم أَنهم كَانُوا بشرا مثله انْتهى
قلت وَكَلَام هَؤُلَاءِ الْمُفَسّرين وَغَيرهم صَرِيح بِأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى ﴿فاسألوا أهل الذّكر﴾ مشركو الْعَرَب يسْأَلُون أهل الْكتاب من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ليخبروهم ان الرُّسُل الَّذين أرْسلُوا قبل النَّبِي ﷺ كَانُوا من الْبشر مثله وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على وجوب تَقْلِيد الْعَوام آراء الرّحال واتخاذهم الراي دينا ومذهبا ومرجعا بل فِي كَلَامهم الْإِشَارَة إِلَى مَا قَالَه الْأَصْفَهَانِي وَهُوَ أَن وَظِيفَة الْجَاهِل بمعاني الْكتاب وَالسّنة إِذا نزلت عَلَيْهِ النَّازِلَة أَن يفزع إِلَى الْعَالم بِالْكتاب وَالسّنة فيسأله عَن حكم الله تَعَالَى وَرَسُوله فِي هَذِه النَّازِلَة فَإِذا أخبرهُ عَالم بِحكم الله تَعَالَى وَرَسُوله ص فِي هَذِه النَّازِلَة يعْمل بِمَا أخبرهُ مُتبعا لكتاب الله وَسنة رَسُوله ص فِي الْجُمْلَة مُصدقا للْعَالم بهما فِي أخباره فِي الْجُمْلَة وَإِن لم يكن عَالما بِوَجْه الدّلَالَة فَلَا يصير بِهَذَا الْمِقْدَار مُقَلدًا أَلا ترى لَو ظهر لَهُ أَن مَا أخبرهُ الْعَالم غير مُوَافق لكتاب الله وَسنة رَسُوله ﷺ
1 / 40