Интикасат муслимин
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Жанры
إذن فالقيم أولا هي علاقة تقوم بين الإنسان والكون من حوله علاقته بالأشياء مثلا، فهو من يستطع أن يحكم على اللوحة الفنية بالجمال من عدمه، وعلاقته أيضا بالأفعال، كالتصدق على الفقراء أو المشاركة في عمليات إنقاذ، وتعريفه لفعل الزنا وتقبيحه كقيمة مرفوضة بحسبانه فعل اعتداء، كذلك السرقة بحسبانها أفعالا مخلة بقيمة الشرف، والقيم توجد فقط داخل الإنسان فتوجهه ليختار بين السهر تهجدا في الحسين أو السهر في ملهى ليلي في حي الهرم، فتعامل الإنسان مع محيطه من أشياء وأفعال هو ما يؤدي لظهور القيم. ولو وضعنا الإنسان في مكان خال من الأشياء والتفاعل السلوكي فلن يكون بحاجة للقيم، مثلا يخترع الإنسان السيارة ثم يضع لها قيمها كإرشادات المرور وذوق القيادة، ثم يضع القوانين التي تحمي هذه القيم ما بين مسموح ومحظور ضمانا لسلامة الناس، ومع كل جديد تظهر قيم جديدة يوضع لها ما يناسبها من قوانين لتحميها.
القيم هي أهداف للإنسان ونهايات لسلوكه ومحطة وصول أمانيه ورغباته في علاقته مع بيئته ومجتمعه ليعيش آمنا سعيدا، فإن لم تظهر تلك القيم لظل الإنسان كبقية حيوانات الأرض. ومع تطور الإنسانية على الأرض تطور سلم الإنسان القيمي، وكان ظهور القيم الأولى هو بداية لمرحلة رفض التقهقر إلى الوراء؛ لأنها تفتح أمامه آمال الانتقال إلى مراحل جديدة أكثر تقدما ورقيا بقيم جديدة، قارن مثلا الإنسان بين الذي يتعامل مع الحيوانات لأن عمله الرعي، وبين الإنسان الذي يتعامل مع الأجهزة الرقمية لتلمس الفارق القيمي الهائل.
وعليه فإن القيمة هي ناتج تقييم الإنسان للتفاعل بينه وبين مشاعره وأحاسيسه وبين العالم من حوله، وما ينتج من أفعاله نتيجة هذا التفاعل، فيصدر الطرف العاقل في المعادلة حكما قيميا، ويكون الشعور أو الفعل أو الشيء خيرا أو شرا بما يترتب عليه من لذة، أو أن يكون قيمة موضوعية تتعلق بالأشياء كالقيمة الاقتصادية السعرية التي نمنحها للأشياء، وأيضا تتشكل القيمة حسب مستواه المعرفي، فلم يكن لليورانيوم من قبل قيمته اليوم، وهو كله ما يعني أن الإنسان هو مكتشف القيمة وصانع قوانينها والحاكم عليها بالخير والشر، بالنفع أو بالضرر.
وللقيم الموضوعية التي نعطيها للشيء بعد أن تنقلها الحواس من الواقع إلى العقل عدد من المدخلات والموصلات المتعددة، وهذا النقل من الواقع إلى العقل يتأثر بمجموعة حواجب وفلاتر وطرق مفتوحة وأخرى مغلقة، كالغرائز والحاجات والألم واللذة وتعليمات الدين والعادات والتقاليد.
القيمة إذن هي حكم بشري يصدره الفرد أو المجتمع كناتج لعلاقة تفاعلية بين الفرد والمجتمع، وموضوع التقييم يكون فكرة أو سلوكا أو فعلا أو شيئا، سواء أكان واقعيا أم محض خيال أسطوري، ففي الدماغ البشري مراكز تقوم بأعمال التقييم فيما يشبه لجنة محكمين، لكل محكم اختصاصاته وقناعاته، ومن هؤلاء المحكمين من يغيب أحيانا، ومنهم من يمتنع عن التصويت خوفا ورهبا، ومن هؤلاء المحكمين المحكم الديني والمحكم الاقتصادي والمحكم البيئي الغريزي والمحكم النفعي والمحكم الأسطوري والمحكم العلمي والفلسفي.
وهؤلاء المحكمون هم أصحاب الرأي في الحكم والتقدير والتقرير، لكنهم ليسوا في قوة واحدة، فهم في دماغ ديكتاتوري لن يعرفوا التصويت الديمقراطي، وفي الدماغ الديمقراطي سيقوم الحوار والتصويت واتخاذ القرار، ولكن عندما يعجز هؤلاء المحكمون عن الخروج بالقيمة، يلجأ الفرد للأحكام الجاهزة سلفا في خضوع الفاشل، سواء أكانت تلك الأحكام صادرة عن سلطة سياسية أم دينية أم قبلية أم عنصرية. فهي تتدخل مقدما لرغبات جهة الضغط. لذلك حتى يأتي حكم القيمة صوابا، يجب أن يكون غير خاضع في التحكيم لمحكم واحد، فيغيب الحوار داخل العقل نتيجة تسلط مندوب الدين فيعطينا قيما زائفة؛ لذلك فالقيمة السليمة لا وجود لها في غياب الحرية الكاملة للفكر والرأي، للاختيار والمفاضلة والمقارنة. مع غياب الحرية لا توجد سوى القيم المزورة، التي تعطل كل قيم التقدم المبنية على إعلاء العقل البشري الحر على أي مصدر معرفي سماوي أو أرضي.
والقيمة أيضا هي لازمة وضرورة حياتية حتى للحيوانات، فإن أعطيت كلبا تفاحة وعظمة سيختار العظمة؛ وهكذا يمكن أن يكون الشيء نافعا ونرفضه بتقييمه تقييما خاطئا، فقد كان الهنود الحمر يعطون ذهبهم وألماسهم مقابل مرآة، وقد يكون للشيء قيمه عالية ونرفضه، وقد يكون حقيرا ونعطيه قيمة، مثل قيمة بول الجمل، الطبيب يقول إنه مجموعة سموم، والشيخ يعطيه قيمة موجبة لكنها زائفة؛ لأنها جاءت من محكم غير متخصص لكنه مسيطر، وقل مثل ذلك في العلاج بالرقية الشرعية والتداوي بالطب النبوي والأحجبة والتلاوات، ومع هذا التزييف يتم تحول الخطأ إلى صواب؛ لأن محكما ضمن محكمي دماغي فيهم الجاهل والتاجر وعدم الضمير، ومنهم البراغماتي النفعي، ومنهم الغريزي، ولكل محكم قواعده وخياراته السابقة وثقافته وتربيته التي يركن إليها في إصداره قراره، فإذا تغلب محكم كالعنصر مثلا، أو المذهب، اتجه حكم القيمة للطاعة والخضوع لقرار رجل الدين أو رجل السياسة، فيمكنك أن ترى تمثالا فنيا ثمينا وتعطيه قيمته الجمالية بموضع يليق به في بيتك، أو تراه مجرد صنم لا يستحق سوى التكسير بالحرام والحلال، ويلقى بالقمامة، لو سألت طفلا عن لون السيارة التي يفضلها سيقول الأحمر لأن الطفولة سيكولوجيا تتأثر بالأحمر، لكنه في سن آخر سيختار لونا آخر، وسيتأثر ذلك بظرفه الاقتصادي، وهل سيختارها رياضية أم رصينة ... إلخ الشيخ يقول للشاب كي يطلب الخلود لا بد أن يقاتل ويقتل، يعني رايح يكوتن والغريزة ترفض، هنا أيهما يكون الأقوى فسيكون هو صاحب القرار.
إن الأشياء أسبق في الوجود من أسمائها، والإنسان هو من أعطاها الأسماء؛ فالميكروبات مملكة بل إمبراطورية بل إمبراطوريات حية هائلة حجما وأثرا، ومع ذلك تعذر على الإنسان معرفتها قبل اختراع الميكروسكوب، رغم أنها كانت موجودة منذ نشأة الحياة على الأرض وتمارس كل أنشطتها دون أن تحمل اسما أو لفظة تدل عليها، إلا أنها أخذت اسمها ودلالته عندما اكتشفها الإنسان.
فالأشياء موجودة قبل الأسماء، والأحاسيس موجودة قبل الألفاظ المعبرة عنها، والمفاهيم موجودة قبل فض دلالاتها في مخارج حروف، وكان الدور في التسمية والتعبير وبسط الدلالات هو دور الإنسان الفرد والإنسان الجماعة. فلفظة «خير» بدلالاتها ليست من كشف فرد واحد فهي لفظة ودلالة ذات علاقة بالمجتمع كله وتطلبها كل المجتمعات؛ فالخير هو المرغوب فيه من الفرد ومن كل مجتمع، فإذا كان مرغوبا من فئة بعينها في المجتمع أو جماعة أو طائفة أو مذهب أو عنصر، تحول عن دلالته الخيرية وأصبح مصلحة خاصة، وإذا اختلفت جماعتان مجتمعيتان مختلفتان على معنى الخير لم يعد خيرا، وإنما مصلحة لطرف وهذا معنى خيرها، وضرر لطرف آخر وهذا معنى شرها. وهكذا لا يجوز القول بأن الخير مخصوص بأمة المسلمين أو يخص مذهبا أو عنصرا بعينه؛ وهكذا نشأت القيم كأدوات قياس وكمراتب تقدير معيارية في المجتمع الإنساني منذ آلاف السنين، أخذ كل منها طابعا محليا نتيجة تباعد المسافات وصعوبة الاتصالات بين الشعوب والدول والحكومات، إضافة إلى الصراعات بين الشعوب التي أخرت الاستقرار العالمي فترة طويلة. إلى ما وصل إليه اليوم من استقرار نسبي وأمن عالمي وتواصل عظيم، فأصبح المجتمع الدولي يتدخل في أي مكان لحماية الأقليات وفرض الاستقرار وحماية مبادئ الحرية والديمقراطية، وفي ظل هذا التواصل يتم تبادل التأثير والتأثر القيمي مما يؤدي كما سبق وأدى إلى تبلور فريد من الرقي القيمي بعد أن أصبح الإنسان الحر الكريم هو الهدف.
هكذا فإن الإنسان أسبق على وجود الحضارة والقيم؛ لأنه هو من صنعها وهي بدونه لا شيء، ورغم هذه البداهة الواضحة فإن فقهاء المسلمين لا يرونها لأنهم يعتبرون الإسلام هو مصدر كل القيم؛ وهو ما يعني أن الإنسانية عاشت قبل الإسلام بلا قيم، بينما فجر الضمير كان في مصر، وفجر القانون كل في بابل، وفجر الكتابة كان في لبنان، وفجر الديمقراطية كان في أثينا، وفجر الدستور كان في روما. إنهم لا يرون أن القيم في غياب الإنسان لا قيمة لها، وأنه لا وجود للجنة أو النار في غياب الإنسان، كذلك الحضارة كلها بمنجزاتها وعلومها وكشوفها لا وجود لها في غياب الإنسان، فإن اختفى فلمن تكون القيم ساعتئذ؟ وكذلك يكون الرب ربا؟
Неизвестная страница