Интикасат муслимин
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Жанры
ولك هنا أن تعجب من بجاحة هذا المنهج العليل في التفكير وصوته العالي في الشأن القيمي والأخلاقي، بينما لديه زنا شرعي بألوان زواج لا تشكل أسرة، ولديه اغتصاب شرعي لركوب ملك اليمين والإماء والزوجة الطفلة، ولديه الجنة وإن زنى وإن سرق، وله ارتكاب كل المعاصي بشرط غسلها بالحج أو بالتوبة أو باحتمال بعض العذاب الأخروي الذي سيدخل بعده الجنة حتما، فقط لأنه شهد للإله بأنه الإله وأن محمدا نبيه ورسوله، وهو كله ما لا علاقة له بقيم، أو بأخلاق.
ومع انتشار أجهزة الإعلام الحديثة، وعدم الرغبة في تحصيل المعرفة من مصادرها السليمة لأنها لا لزوم لها، فلدينا القرآن وبعده البخاري، أصح كتابين على الأرض وكفى، تراجعت عادة القراءة في بلادنا وتقزمت، فذبل العقل وعطبت وظيفة التفكير، وهذه الأدوات الإعلامية المتقدمة التي صنعها أهلها لمزيد من التثقيف والتعليم، نستخدمها في بلادنا لتكريس منهج التلقين الجاهز للمحفوظات لوقف استخدام العقل، فكان أن تزايد عدد مثقفي التلقي والمحفوظات لتصبح طبقة الغوغاء والدهماء هي الأكثر عددا وحضورا، وهم ليسوا في حاجة إلى معرفة، ومع تخلي العقل عن وظيفته تحولوا إلى بسطاء في الطاقة العقلية والاستيعابية للمعارف، حتى إنهم ينفرون حتى من التلقي التلفازي ويعزفون عن متابعة المشاهدة إذا كان المطروح عليهم بحاجة للتركيز والفهم والمتابعة الدقيقة، ومما ساعد على تلك الكبوة النكراء لمجتمعاتنا خاصة المصري الذي أعرفه، هو الانهيار الاقتصادي الناتج بالضرورة عن سوء السياسات؛ مما أدى لانهيار مماثل في أسلوب التعليم، مع التكاثر الأرنبي الذي عمل عليه المشايخ بالقرآن والحديث ليفاخر بنا نبينا الأمم، وتقدم علوم الطب التي أدت لتراجع نسب وفيات الأطفال، فلم تعد المدرسة تتسع لهم، فكان أن تم وضع ثلاث وجبات طلابية لمدارس ثلاث على التتابع في مبنى مدرسي واحد، في عملية سلق سريع اختفى معها المختبر والتجربة والعمل الذهني، لما يضيعه من وقت غير متوافر، واختفت معه كل المنافسات الرياضية بين فرق الطلاب، وكذلك الهوايات كالمسرح المدرسي الذي نشأنا على ضرورته على الأقل للاحتفال بالتفوق في نهاية العام بحفل غنائي، وغاب الغناء المحرم وغابت معه الموسيقى وكل الفنون بأخلاقياتها وقيمها وقدرتها على تهذيب الروح والسمو بالقيم، وتحول التعليم إلى محفوظات سريعة، فلا وقت للشرح؛ مما قضى قضاء مبرما على ملكتي التفكير والابتكار، ليخرج هؤلاء من المدارس أسوأ خلقا وأقل معرفة ممن علمتهم الحياة عبر الصواب والخطأ، من الأميين الذين نجد بينهم حكماء، لا نجدهم أبدا بين خريجي مدارسنا أو أزهرنا المبارك.
وهؤلاء الغوغاء هم صفوة جمهور مشايخ الإسلام اليوم، وعندما يستثمر رجال الدين هذه الحالة لتكريسها من أجل سيادتهم على هذا الشارع الجهول والتكسب على حساب جهالته؛ فإنهم يرتكبون أسوأ ألوان الشرور طرا.
فجعلوا من الدين مصدر كل معرفة أو ثقافة، والدين طاعة لا مناقشة فيه؛ ومن ثم تم وأد ملكة النقد، وتراجع القياس والتقدير لغياب المفاضلة، حتى المشايخ أخضعوا أنفسهم لذات المنظومة والفكرة، فمع ظهور قضايا جديدة لم يعرفها الدين ولم يسبق أن وجد مثيل لها وما كانت متوقعة، يقدم رجال الدين تأويلهم للدين أو للقضية، ليعيد تشكيل المشهد الجديد ليظهر شبيها بالمحفوظات عن الأسلاف، فليس للعقل أن يبحث إلا في المدونات الإسلامية حيث كل الحلول والإجابة عن كل سؤال، وليس للعقل أن يضع من عنده شيئا؛ لأنه سيكون وضعيا، والوضعي فساد ومروق واتهام مباشر للمدونات التراثية ومحفوظاتها بالقصور وأنها لم تعد مقبولة عقلا؛ لأن التفكير والمفاضلة والنقد والتقدير والتمييز بين حلول كثيرة، سيدخل الدين تحت هذه الأدوات الثقافية مما ينزع عنه القداسة المصمتة، حيث سيتم إبداء الرأي في أحد مكوناته.
لذلك يحاربون الجديد حتى لو كان علما ضروريا لا بد من تقبله، لأننا إن قبلناه فالمعنى أن نترك التفسير الديني له ونستغني عن هذه الأواني الحافظة ومحفوظاتها.
وتكون النتيجة خروج السيادة المجتمعية والرفاه والسلطان على الناس من أيدي الشيخ إلى العقل ومنهج التفكير العلمي؛ لذلك يتم طرد داروين وتسفيه فرويد والسخرية من الحلول العلمية. ولأن المجتمع قد تم ترحيل معظمه إلى طائفة الغوغاء بمن فيهم أساتذة جامعات وإعلاميون تحولوا إلى مشايخ للغوغاء، فإن الناس لا تقرر ولا تفكر ولا تجيب ولا تقدم حلولا، ويبقى الدور كله بيد رجل الدين الذي سيختار كل الإجابات التي اجتهد عليها السلف لهم من متعدد من ذات المحفوظات، حيث كل الاجتهاد حتى إنهم لم يتركوا شيئا للسلف ليبحثوا فيه، في أساطير تسمى علوما كعلوم الفقه وكتب الفتاوي والموقعين عن رب العالمين.
إن المتابع لطبقة أدعياء المشيخة والدعاة على القنوات الأرضية والفضائية، سيلحظ بغير مشقة أن هدف هؤلاء ليس الارتقاء بمجتمعهم بل السيطرة على غوغائه، وتحويل الغوغاء إلى طاقة قوة حاضرة في المجتمع يحتسب لها حساب، فيجعلهم أصحاب يد طولى، تجد منهم صحفيين وإذاعيين وإعلاميين يتقاضون أعلى الرواتب وهم مجرد غوغاء. وذلك ليتم توظيفهم سياسيا عند الطلب، ومثل هؤلاء هم مشكلة حقيقية لأنهم لا يعلمون أنهم غوغاء.
ويميل الغوغاء إلى تقدير القوة العضلية وتوظيف قدرتهم البدنية التي تجلب لهم الفخر أكثر من أي قدرات عقلية لا يؤمنون بجدواها، ويعتمدون في حل مشاكلهم على مشايخهم وفتاواهم لاعتقادهم بأن أي معرفة قاصرة على هؤلاء؛ لذلك أطلقوا على المشايخ لقب «العلماء» لامتلاكهم أصح العلوم وهي علوم الدين الحاوية لكل المعارف، ويقنع الغوغاء بهذه المرجعية ويطلقون لأنفسهم غرائزهم بعد أن يردد أحدهم لزميله «حطها في رقبة عالم، تطلع سالم»، وبالتالي التنصل التام من المسئولية عن سلوكهم في المجتمع، فيعيشون سعداء بدون تفكير ولا مسئولية ويسعدون ويحبون الشيخ لأنه يحترم تفكيرهم البسيط ولا يعيبه عليهم ولا يكلفهم جهدا عقليا، بل هو يغذي حبهم للخرافة والأسطورة والمعجزة والبطولات، وتسمع تهليلات الحمد والتكبير عند الحديث عن شيء معجز أو بطولة عضلية إسلامية، يحبون الإبهار وتعطيهم معجزة الانتصار في القصص التاريخية على أعداء الدين إحساسا بالمتعة، وأنهم منصورون كما انتصر السلف وهم قلة أذلة بالتدخل الإعجازي، مضافا إلى هذا زخم المشهد الروحي داخل المسجد وصوت آمين الموحد والصفوف المرصوصة بعبادة طقوسية ميسرة ومفهومة؛ لذلك يتماهى الغوغائي بالمقدس والنبي وبالرب وبالقعقاع ومحمد بن القاسم، ويثور لأي حديث لا يعجبه بشأن مقدسه لأنه يشكل اعتداء شخصيا عليه، ولا يدرك أن تحركه العنيف لحماية مقدسه إنما يعني عجز هذا المقدس عن حماية نفسه.
وهكذا فإن الغوغاء قوة لا يستهان بها، فهم يتميزون بالإمكانات العضلية وضمور الإمكانات العقلية، فتقوى قدرتهم على إحداث الشغب والقلاقل المجتمعية، بأساليب تخلو من الحياء والخجل، ويميلون إلى حياة الفوضى بما يملكون من غرائز غير محكومة بقيم الضمير السليم، فينفعلون بشدة لأي فعل. ومن هنا يقدرون من يقدرهم، ويقدر ممكناتهم البدائية فيقدمونه ويرفعونه ليمهد لهم طريق الجنة، ويعوضهم عن شقاء دنياهم، فتتم للشيخ السيطرة على أفعالهم باحتلاله مكان العقل لديهم، ويدفع أكثر نحو تعجيزهم حتى يعجزوا عن اتخاذ أي قرار من تلقاء أنفسهم لأن السيئة من أنفسنا والحسنة من الله ورجاله في الأرض، فيرجعون للشيخ في كل كبيرة وصغيرة وفي كل تافه ضئيل لا يحتاج جهدا عقليا، ويطلبون النصح والإرشاد في التوافه الهينات مع ضمور ملكة التفكير وموت العقل، ذلك الموت الذي يصرخ بالجريمة الكاملة لمشايخنا من أجل حبهم للدنيا وليس للناس وليس للدين.
وعملا بمبدأ «رغبة الجمهور»، قام المشايخ يختصرون الدين في مجموعة طقوس وأدعية جاهزة، تؤدي كل المطاليب، جالبة للخير ومساندة للرب، ساعية بالبركة تسأل الله أن يتولى شئون هؤلاء التعساء بنفسه ليفعل المطلوب بدلا منهم، فيهزم لهم الأعداء ويدك لهم الحصون وينهب لهم ثرواتهم ويمكنهم من عيالهم ونسائهم ويصيبهم بالطواعين والمهلكات. مع مجموعة أدعية لا تكلف مشقة غير حفظها وترديد المناسب منها عند الحاجة، فمنها ما يبعد الشرور، ومنها ما يقي من العين الحاسدة، ومنها ما يبعد الفقر والمرض دون أي عناء أو جهد من المؤمنين للتفكير في حل مشاكلهم بأنفسهم. هذا إضافة إلى وضع القواعد التي تنشئ تواصلهم مع ربهم ليتفهمهم ويستجيب لمطالبهم، فيسير المؤمن الغوغائي وفق جدول محكوم كالروبوت الآلي، يخضع لأوامر تسيره فيما يلبس أو على أي جنب ينام وماذا يقول عندما يتثاءب أو يعطس (يسمونه تشميت العاطس)، وبماذا يرد عليه من حوله، وكيف يبول أو يشرب وماذا يقول بعد ذلك من حمد، وكيف يتغوط أو يأكل أو ينكح أو ينكح، فكلها علامات تأكيدية كلما زادت وحرص عليها المؤمن أعطى ربه الفرصة لتمييزه وفرزه عن بقية خلقه، هي علامات لتمكين الرب من تمييز عباده الصالحين عن غيرهم من غير الصالحين.
Неизвестная страница