Интикасат муслимин
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Жанры
إن للأديان بمختلف ألوانها ومشاربها قدسية عظيمة لدى أتباعها. والقواعد الدينية هي فروض وأوامر ونواه، بينما القيم تقوم أصلا على المفاضلة والتمييز بين أكثر من اختيار، وتترتب على سلم قيمي يفاضل ويمايز ويفرز ويجنب بين قيمة وأخرى، أما القواعد الدينية فهي فروض مفروضة فرضا على أتباعها بحيث لا يمكن مناقشتها عقليا بعكس القيم الإنسانية القابلة للأخذ والرد والمناقشة والمفاضلة والممايزة.
وبين تلك الأديان يحرص المسلمون على التأكد من سبق الإسلام لكل علم ومعرفة حدثت أو لم تحدث بعد، وضمن ذلك ما تفعله هنا وزارة الأوقاف بكتبها عن القيم. علما أن ربط القيم الإنسانية بالقواعد الدينية، وجعل هذه القواعد قيما أو مصدرا للقيم، لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى جمود القيم جمود القواعد الدينية.
أما ما يهولك فعلا أن نكون في قعر العالم ومؤخرته وتتلبسنا قناعة بأننا الأميز والأكفأ والأقدر على إسعاد الآخرين، كما لو كانت حياتنا في بلادنا الكئيبة المتخلفة المعتوهة هي نموذج السعادة، ونرى من واجبنا فرض قيمنا الدينية على الإنسانية كي تحصل على ما حصلنا عليه من نعيم ورفاهية ورخاء وتقدم، اعتمادا على اعتقاد أن الإله الخاص بنا قد أعطانا وعدا بذلك. ودون أن يمتلك أتباع هذا الإله أي مقومات تؤهلهم لامتلاك سيادة العالمين. وواقع الأرض والأحداث بعيدا عن التوهمات المريضة ينطق بحال كالعدم، فنحن نعيش بالمنتج التكنولوجي لهذا العالم وبإعانات من هذا العالم في كل مجالات حياتنا من الألف إلى الياء، ويبذل العالم جهدا مشكورا مأجورا لإخراجنا مما نحن فيه من أسن وعفن وعطب، بينما سادتنا المشايخ يحرضون على العداء لهذا العالم العاري الماجن (لماذا لا يرون في هذا العالم سوى الأفخاذ العارية؟! هل العيب في الفخذ العاري وسط منجزات كبرى هائلة أم في العين التي لا ترى سوى الأفخاذ؟!) ويشحنون المسلمين بكراهية المتقدمين حتى نظل بجهلنا رهينة عند مشايخنا وعند السلطان.
وما زال لنا مع القيم حديث يطول، لمحاولة هدم وبناء بنقد ما نعتبره أو نظنه قيما إسلامية وهي ليست كذلك حقا، نفتح الباب نحو تأسيس ثقافة للقيم متصالحة مع زماننا ومع العالم، كتأسيس لا بد منه، تمهيدا لأي إصلاح منتظر. (7) فلسفة القيم إبداع إنساني لا إلهي
بسبيل إنكار واستنكار القيم الإنسانية (الإكسيولوجية فلسفيا وهي: الحق والخير والجمال) إزاء القيم الدينية، يقدم الدكتور الصاوي أحمد في كتابه «القيم الدينية وثقافة العولمة» فرضية يطلب أن نسلم بها لتماسكها المنطقي، وهي الفرضية التي تؤكد من البداية استحالة قيام أية قيم إنسانية سليمة تكون من وضع البشر؛ لذلك لا مفر من اللجوء إلى القيم الإلهية. وهذا إنما يعني أن البشرية قد ظلت بلا قيم حتى جاء الإسلام؛ لأن دكاترة الأوقاف عندما يحدثوننا عن القيم الدينية يقصدون تحديدا قيم الإسلام؛ لأن الدين عند الله الإسلام فقط. وهو أيضا ما يعني أن جمع الأنبياء الذين ظهروا قبل الإسلام كانوا عديمي القيم، وهو أيضا ما يعني أن شعوب العالم غير المسلم شعوب بلا قيم ولا يشرحون لنا كيف تكون متحضرا ولا تملك قيما؟! بينما من يملك تلك القيم هو الغارق حتى أذنيه وعينيه في التخلف والجهل والتاريخ الآسن، وعليه يجب أن نفهم أن هناك قيما تصون التخلف وتبقي عليه، فيكون التخلف عائدا للقيم التي ترعاه، وهي بذلك قيم سلبية تحتاج إلى إصلاح بشأنها، مع الأخذ في الاعتبار الكامل قيما تدل عليها حياة أهلها الذين يرفلون في النعيم، وهذا النوع من القيم لا يسقط على أصحابه من السماء، إنما هم من صنعوه صنعا واخترعوه اختراعا. فالقيم موجودة لدى الجميع، لكن مجتمعا يحرص على ما لديه من قيم حتى لو كانت سلبية، وهو بحاجة لإعادة كنس وغسل وتطهير وتنظيف شامل للعقل وللضمير، ومعلوم أن كل شعب يمجد قيمه ولا يرى فيها أي سلبيات، حتى الغجر والمافيا يمجدان قيمهما ويعتزان بها؛ لأنها هي التي تحافظ على وجودهما وبقائهما غجرا ومافيا. والمعنى أن القيم تكون صالحة فقط للمجتمع والزمن الذي أفرزها فإن تجاوزت ذلك قد تصبح سلبية في مجتمع آخر وزمن آخر.
لكن السيد الدكتور يقدم لنا حجة شبه منطقية للبرهان على فرضه فيقول (ص9): «الآن القيم معايير ومقاييس من شأنها ضبط العدالة والمساواة بين البشر، فلا يجب ترك أمرها للأهواء البشرية، حتى لا تكون محلا للعبث والتلاعب والانتقاص، فلا يمكن أن يكون الإنسان نفسه محل الفعل والتقييم والمعايرة، وأن يكون هو أيضا المعيار والمقياس في الوقت نفسه، ولا يمكن أن يتصور أن يصبح الإنسان هو الذي يجري على فعله الصواب والخطأ أو القياس والمعيار، وإلا فتح الباب للأهواء والرغبات الذاتية، ومن ثم للفساد والاستبداد. وفتح المجال لتسليط الإنسان على أخيه الإنسان، بسبب فقدان الميزان والمقياس والمعيار الإلهي الذي هو أساس القيم.»
إن حجة عدم تصور أن يكون الإنسان هو الذي يجري على فعله القياس والمعايرة بالصواب أو الخطأ، قد يكون صحيحا فيما يخص الشأن الديني من طقوس وشعائر وعبادات وغيبيات، وأن الاحتجاج بعدم إمكانية جمع الإنسان بين وضع القوانين وتقييم أفعاله والحكم عليها مما يلزم عنه أن يكون هو المشرع وهو الحكم والمنفذ، وهو الأمر غير المنطقي ولا السليم عند الدكتور صاوي وجماعته؛ لذلك يرى وجوب ترك هذه المهمة للسماء وقيمها. وهو كما قلنا أمر يصح في العبادات وغيبها فقط، فليس من حقي كمثال أن أتدخل في تحديد عرض السراط، ولا عدد أجنحة جبريل، ولا أزيد من عدد الركعات أو أنقص منها، ولا أتدخل في الغيبيات كالعرش والجنة والجحيم، ولا أسأل عن أشياء إن بدت لنا مسيئة، فلا نسأل كيف ولدت الصخرة ناقة صالح وفصيلها معها، ولا الحكمة في إسراء النبي ومعراجه سرا لا علنا، ولا كيف مكث يونس في بطن الحوت، هي موضوعات إيمان لا موضوعات بحث، تقوم على التسليم وعدم المناقشة. أما فيما يتعلق بالحياة الدنيا، بالمجتمعات والدول والبشر وأنشطة الإنسان اليومية، سنجد الواقع يقول شيئا مختلفا بالمرة عما يقول فقهاؤنا؛ فالشرق والغرب والشمال والجنوب في كل بقاع المعمورة، يجرون على فعالهم الصواب والخطأ والقياس والمعايرة، وجميعهم كما نرى أحرار ناجحون متفوقون سعداء متميزون يعيشون كل الهناء والسرور، بينما نسعى نحن لتقليدهم لكننا نرفض قيمهم وننقل عنهم فقط ما قد تسمح بمروره ذائقتنا الدينية ومجموعة فلاترنا وخطوطنا الحمراء.
وبينما يستنكر فقهاؤنا أن يكون الإنسان معيار نفسه، فإن الواقع يؤكد أنه لا بد أن يكون الإنسان نفسه هو محل الفعل والتقييم والمعايرة، بدليل أن الله لم يرسل أنبياء لا إلى استراليا ولا أمريكا ولا شرق آسيا، ورغم ذلك فإن تلك البلاد متفوقة بما لا يقارن ببلاد من يزعمون امتلاك قيم سماوية.
إذا كانت هناك قيم سماوية؛ فهي فقط للعبادات وتخص كل دين على حدة؛ لذلك لم تتفق الأديان ولم تتوحد لعدم تطابق قيمها الدينية. وثمة فارق عظيم بين قيم تعبدية تختلف بين دين وآخر، وبين القيم الإنسانية الكونية الصالحة لكل البشرية. لقد نجحت القيم الإنسانية في توحيد البشرية وتوجيهها نحو قرية واحدة، بينما لم يتمكن أي دين من ذلك، وعندما أرسل الله نوحا وأحدث الطوفان، كان الهدف من هذا القرار الرهيب في حق الإنسانية كلها هو التخلص من الآخرين غير المؤمنين لتوحيد البشرية، ومع ذلك لم تتوحد البشرية، فجاء بعد نوح من خرجوا على الدين مرة أخرى، ولا شك أن الله كان يعلم ذلك سلفا، ومع ذلك استجاب لدعوة نبيه ولم يبق على الأرض من الكافرين ديارا، أطفالا ونساء عجائز وشيوخا كلت حواسهم عن إتيان المعاصي، مع من تمت إبادتهم. بينما القيم الإنسانية هي التي أدت للإنجاز الذي يتحقق اليوم تدريجا لتوحيد البشرية بالعولمة، دون دمار وطوفان وخراب ديار وإبادة للإنسانية على الأرض، إنما بمؤتمرات وحوارات بين الثقافات وما تقوم به اليونسكو الآن في (حوارات القرن الحادي والعشرين).
ثم إن الإنسان ليس نمطا واحدا، فلكل بيئة ناسها وظروفها الجغرافية والطبيعية والتاريخية، فما يتفق والنمط البدوي يختلف ويتنافر مع النمط النهري الزراعي، وما يوافق الأوروبي لا يوافق الحجازي. فإذا كانت قيم الإسلام تناسب منطقة ظهوره، فإن البشر في منطقة ظهوره كانوا من نمط يختلف عن نمط بقية البشر. بل من نمط خاص جدا تفاعل معه الوحي حسب فهم زمانه وناس مكانه فحدثهم بلغتهم ومعارفهم وبلسانهم، وخاطبهم على قدر عقولهم لا على قدر عقولنا.
Неизвестная страница