ومع أن التطور نظرية علمية، فإننا محتاجون إلى الفلسفة حين نكتب عن التطور في المستقبل؛ أي: عن التوجيه والتعيين ورسم الأهداف لمستقبل الإنسان، وليس لدينا هنا يقين علمي وإنما نحن نسترشد بالبصيرة المثقفة والتفكير الشامل.
والشاب الذي درس التطور في الأحياء؛ نباتا، وحيوانا، لا يتمالك أن يحس إحساسا دينيا نحو الطبيعة، ثم إذا درس بعد ذلك تطور المجتمعات والأديان والعائلة والثقافة والعلم والأدب والفن والحضارات، فإنه لا يتمالك أيضا أن يحس المسئولية نحو الوسط الذي يعيش فيه، ويجب أن يؤثر فيه، للخير والشرف والسمو؛ لأنه هو نفسه قد أصبح جزءا عاملا في هذا التطور، ويمكن أن يعد التطور بهذا الفهم دينا أو مذهبا بشريا جديدا.
ولم يكن التطور في ملايين السنين الماضية ارتقاء على الدوام، كما نفهم المعني «البشري» لهذه الكلمة، ولكنه يجب أن يكون كذلك في المستقبل؛ لأن الإنسان كان في الماضي خاضعا، في ذهول، لعوامل التطور البيئية، أما منذ الآن فإن التطور هو الذي سيخضع للإنسان عن وجدان ودراية بما يتخذ من أساليب ويبين من أهداف في مصير البشر بعد ملايين السنين.
لقد كنا، قبل الطب، نمرض ونشفى بتأثير العوامل الطبيعية، أما بعد الطب فإننا صرنا نتسلط على المرض ونمحوه بالدواء، وكذلك الشأن في التطور، فقد كنا نتغير في الماضي بتأثير العوامل الطبيعية، أما بعد اهتدائنا إلى نظرية التطور فإننا أصبحنا قادرين على التسلط على العوامل التي تغيرنا وتؤدي إلى ارتقائنا.
وفي هذا التفكير أو التوجيه الجديد رسالة تناشد في كل منا شرفه وشجاعته.
أعلام الطريق في تطور الإنسان
أعلام الطريق هي علامات تقام على جانبيه تدل السائر على مقدار ما قطع من المسافات أو تشير إلى الانعطافات، وأعلام الطريق في تاريخ الإنسان تدلنا على ارتفاعه في مراحل تطوره.
فليس شك أن الإنسان، بالمقارنة إلى الحيوان، يعد فذا، ولكن هذه الفذاذاة لا تخرجه من المملكة الحيوانية، فإن أعضاءنا الداخلية وكذلك الأعضاء الخارجية تشابه، بل أحيانا تطابق، ما عند الحيوانات من هذه الأعضاء، فإن تركيب العين البشرية لا يكاد يختلف من تركيب العين عند السمك، وأيادينا وأرجلنا زعانف متطورة، ولا يزال هناك أسماك تسير على الأرض وعلى الشجر بزعانفها، والقلب والكبد والقناة الهضمية والجهاز التناسلي والكليتان في الإنسان لها ما يقابلها، وأحيانا يطابقها، مثل هذه الأعضاء في الحيوان .
ولكن الإنسان تفوق ورأس المملكة الحيوانية، لماذا؟
الجواب هو: الدماغ الكبير.
Неизвестная страница