قبل نحو مليوني سنة، وأنهم كانوا يومئذ على حالة متوسطة بين الحيوان الناطق وطبقة بشرية دون هذه الطبقة، ثم تميزت خصائص الإنسان بعد ابتداء العصر الجليدي منذ نحو مليون سنة، ولكن الإنسان الذي استخدم الآلات، وصاغها من العظام والحجارة لا يعرف له تاريخ جلي قبل مدة تتراوح في تقدير العلماء بين مائتي ألف ومائة ألف سنة.
وكانت بداية انتشار الجماعات الإنسانية بين القارات الثلاث منذ العصر الحجري الأول، ثم تلاه العصر الحجري الحديث الذي تميز فيه الإنسان بأكبر مزاياه، وهي الحياة الاجتماعية، والقدرة على استخدام الآلات والنار، وتسخير سائر المخلوقات، وتدجين الأوابد على مراحل متتابعة؛ أولاها مرحلة تدجين الكلب للاستعانة به في الصيد، وتأتي بعدها مرحلة تدجين الماشية والحمار والحصان؛ للاستعانة بها في الزراعة وفي الانتقال من مكان إلى مكان حيث يوجد الكلأ والماء.
وفي هذه المراحل ملك الإنسان زمام الخليقة، وبلغ المنزلة التي استحق بها أن يسمي نفسه سيد المخلوقات، وتمهد له سبيل السيطرة على الحيوان والنبات وظواهر الطبيعة حينما احتاج إليها، ويعتقد بعض علماء السلالات البشرية أن الإنسان تقدم شأوه الأول في صراعه للحيوان وظواهر الطبيعة، ثم تقدم شأوه الثاني - والأهم - في صراعه بينه وبين أبناء نوعه، واتسع الفارق بين ملكاته في شأوه الأول وملكاته في شأوه الثاني بمقدار اتساع الفارق بين الحيلة التي تلزم للتغلب على الحيوان، والحيلة التي تلزم للتغلب على أمثاله من الآدميين، ثم تلزم لابتداع وسائل أخرى للتغلب كلما تساوى الناس في وسائلهم المشتركة.
وقد كان الناس قبل شيوع الآلات وتدجين الحيوانات سلالة واحدة، لا تختلف في الملامح والألوان، ولا يظهر بين بقاياهم الأثرية ما يدل على فارق عنصري كالفوارق التي تختلف بها اليوم سلالات البشر من سكان العالمين القديم والحديث. •••
ولكن ابتداء التغالب بين البشر فرق مواقع السكن ، وفتح الطريق لاختلاف السلالات على حسب الإقليم والمناخ والقدرة العقلية على الاحتفاظ بالمسكن، أو على الهجرة منه إلى غيره، ويعزى إلى هذا التفرق ظهور السلالات الأربع المشهورة، وهي التي تسمى عند علماء السلالات بأسماء مختلفة، أوضحها أسماء ألوان البشرة؛ وهي: البيضاء، والسمراء، والصفراء، والسوداء. وقد أحصى بعض العلماء أربعة وثلاثين لونا تتراوح من الشقرة إلى السواد الفاحم، ولكنها كلها تئول إلى تلك السلالات الأربع عند التمييز بينها بأشكالها وملامحها الجسدية.
وأبرز الفوارق بين السلالات - غير لون البشرة - شكل الشعر والأنف والفك وطول القامة، وقد تعرف القرابة بين السلالات التي انفصلت بين القارات بما بينهما من التقارب في شكل الشعر دون غيره، فيرجحون أن سكان أمريكا الأصلاء وسكان آسيا الشرقية من أصل واحد؛ لما بينهم من التشابه في استقامة الشعر وخشونته، ولونه الضارب إلى السواد، وقد أمكن اليوم تعليل أبرز الفوارق بين سلالات البشر بأسباب المناخ والأقاليم، فنسب الأنف الأفطس والجلد الأسود إلى فعل الحرارة، كما نسب الأنف الأقنى الطويل والجلد الأبيض إلى برد الإقليم، واحتياج سكانه إلى وقاية الرئة، واستغنائهم عن الصبغة الجلدية حيث يلطف وقع الأشعة على البشرة. وبمثل هذا السبب يعللون اختلاف الشعر بين النعومة والتموج، وبين الخشونة والتجعد، وبين الشعر الحريري والشعر الصوفي في الشكل والملمس، ولا يصعب تعليل خاصة عنصرية واحدة بعلة أو مجموعة من العلل ترجع إلى المناخ وأحوال المعيشة.
إلا أن الفوارق الفكرية أصعب من هذه الفوارق الجسدية تعليلا بأسباب المناخ وأحوال المعيشة، وأبرزها فوارق اللغة؛ لأنها قابلة للضبط والتقسيم، أو هي أدنى إلى التقسيم بالضوابط والعلامات من فوارق التفكير والبواعث النفسية، وقد تكون علامات اللغة مما يستعان به على جلاء الفوارق الفكرية، وفوارق الشعور والاعتقاد.
واللغات - في تصنيف بعض علمائها - قد تنقسم على حسب الأجناس والسلالات التي تتكلمها، ولكنه تقسيم يقع فيه الاختلاط؛ لاشتراك الأمم في لغة واحدة أو عائلة لغوية واحدة، مع انتمائها إلى أصول متباعدة في أجناسها وعناصرها. وخير من هذا التقسيم أن تقسم اللغات على حسب تكوينها وتكوين الكلمات وقواعد النحو في مفرداتها وتركيبها، وهو تقسيم يضبط الفوارق بينها ضبطا كافيا للموازنة بينها، والمقابلة بين عوامل التقدم وعوامل الجمود والتأخر في تراكيبها وتعبيراتها.
وتنقسم اللغات من حيث التكوين إلى لغات النحت، ولغات التجميع، ولغات الاشتقاق؛ فلغات النحت هي التي تتكون فيها الأسماء والأفعال والصفات بإدخال المقاطع الصغيرة عليها أو إلحاقها بها، وتسمى هذه اللغات بالغروية في اصطلاح الأوروبيين:
Agglutinative .
Неизвестная страница