ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " وهم الذين لم يرد أن يطيعوه، فاعلم ذلك.
والجواب الثاني: أن المراد بذلك أن لا يقروا بالعبادة طوعا أو كرها، وهذا قول ابن عباس، وهو حسن، لأن الكل لا بد أن يقروا بذلك؛ إما في الدنيا وإما في الآخرة.
جواب آخر: وهو أن المراد بذلك إلا لآمرهم وأنهاهم، وهذا قول مجاهد.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن معنى هديناهم، أي دعوناهم قاله سفيان وهذا صحيح، لأن الهدى يكون بمعنى الدعاء؛ قال الله تعالى: " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " أي ذراع يدعوهم إلى الهدى، وقال تعالى: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " أي تدعو.
الجواب الثاني: " وهديناهم " أي بينا لهم سبيل الهدى، قاله قتادة، وهذا صحيح، يدل عليه قوله تعالى: " وهديناه النجدين " يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر. وقال الصديق رضي الله عنه لما كان هو والرسول عليه السلام قاصدين إلى الهجرة من مكة إلى المدينة فكان الناس يقولون يا أبا بكر، وكان معروفا فيسلمون عليه ويسألونه. من هذا الرجل الذي معك ؟ فيقول: رجل يهديني السبيل، يعني يعرفني الطريق، وهو يريد رضي الله عنه سبيل الحق والدين.
الجواب الثالث: أعلمناهم الهدى من الضلالة.
جواب رابع: وهو أن المراد بذلك هدينا فريقا منهم وأضللنا فريقا دليل ذلك قوله تعالى: " ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمان " ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون " فصح ما قلناه، وأنه هدى بعضا وأضل بعضا بنص القرآن، فاعلم ذلك.
جواب خامس: وهو أن فريقا من ثمود آمنوا ثم ارتدوا، ففيهم نزلت الآية، يدل عليه قوله تعالى: " فاستحبوا العمى على الهدى " يعني رجعوا إلى الكفر بعد الإيمان.
فإن قيل: فما قولكم في قوله تعالى: " إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر " فصح أنه لا يريد الكفر، فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه لو كان كما قلتم لكان يقول: ولا يرضى لأحد الكفر، أو يقول: ولا يرضى لكم الكفر، فلما لم يقل ذلك لم يكن لكم حجة.
الثاني: أنه قال تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر " وإذا أضافهم إليه بلفظ العبودية فإنما أراد بذلك خواص عباده المؤمنين دون الكافرين. ونحن نقول: إنه ما رضى للخواص الكفر ولا أراد لهم الكفر، وإنما رضى لهم الإيمان. الذي يدل على صحة هذا: إن العباد إذا أضافهم إليه كان المراد بهم المؤمنين دون غيرهم، قول تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " وأراد بذلك المؤمنين دون الكفار. وكذلك قوله تعالى: " يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " أراد المؤمنين دون الكفار. وكذلك قوله تعالى: " عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا " أراد المؤمنين دون الكفار، وكذلك قوله تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر " أراد المؤمنين دون الكافرين، فاعلم ذلك وتحققه.
الجواب الثاني: أن الرضا بالشي هو المدح له والثناء عليه والإثابة عليه وكونه دينا وشرعا، والله تعالى لا يرضى الكفر بمعنى أنه لا يمدحه ولا يثيب عليه ولا يرضى كونه دينا وشرعا، دون إرادة وجوده وخلقه. فاعلم ذلك.
فإن قيل: أتقولون أن الله تعالى قضى المعاصي وقدرها، كما أنه خلقها، قلنا له: أجل: نقول ذلك بمعنى أنه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته، ولا نقول إنه قضاه بمعنى أنه أمر به، ولا رضيه دينا وشرعا، وأنه يمدحه ويثيب عليه.
فإن قيل: فعلى كم وجه ينقسم القضاء ؟ قيل له على وجوه كثيرة..
Страница 64