في الحذف، كلُّ ذلك لتحصيل التشاكل والفرار من نَفْرة الاختلاف، فكذلك ههنا حملوا الماضي على المضارع، وبل أولى، وذلك لأن مراعاة المشاكلة بالقلب أَقْيَسُ من مراعاة المشاكلة بالحذف؛ لأن القلب تغيير يعرض في نفس الحرف، والحذف إسقاط لأصل الحرف، والإسقاط في باب التغيير أتمُّ من القلب، فإذا جاز أن يُرَاعُوا المشاكلة بالحذف فبالقلب أولى.
وأما قلب الواو ياء في الماضي في نحو "تغازَيْتُ، وترجَّيبت" وإن لم تقلب ياء في المضارع لأن الأصل في تغازيت: غازيت، وفي ترجَّيت: رجَّيت، فزيدت التاء فيهما لتدلَّ على المطاوعة، وغازيت ورجَّيت يجب قلب الواو فيهما ياء في المضارع، ألا ترى أنك تقول في المضارع: أُغَازِي، وأُرَجِّي، فكذلك في الماضي، وإذا لزم هذا القلب قبل الزيادة في "غازيت أغازي، ورجَّيت أرجِّي" فكذلك بعد الزيادة في تغازيت وترجَّيتُ، حملًا لتغازيت على غازيت، وترجَّيتُ على رجَّيت، مراعاة للتشاكل، وفرارًا من نفرة الاختلاف.
والوجه الثالث: أنك تقول في تصغيره "سُمَيّ" ولو كان مشتقّا من الوَسْم لكان يجب أن تقول في تصغيره "وُسَيْم" كما يجب أن تقول في تصغير زِنَة: وُزَيْنَة، وفي تصغير عِدَة: وُعَيْدَة؛ لأن التصغير يردُّ الأشياء إلى أصولها، فلما لم يجز أن يقال إلا سُمَي دلَّ على أنه مشتق من السُّمُوّ، لا من الوَسْمِ.
والأصل في سُمَيّ: سُمَيْو، إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء، وجعلوهما ياء مشدّدة، كما قالوا: سيِّد وجيِّد وهيِّن وميِّت. والأصل فيه: سَيْود وجَيْود وهَيْون ومَيْوِت؛ لأنه من السودد والجودة والهوان والموت، إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء، وجعلوهما ياء مشددة، وكذلك أيضًا قالوا: طَوَيْتُ طَيًّا، ولَوَيَتُ لَيًّا، وشَوَيَتُ شَيًّا، والأصل فيه: طَوْيًا ولَوْيًا وشَوْيًا، إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء، وجعلوهما ياء مشددة، وإنما وجب قلب الواو إلى الياء دون قلب الياء إلى الواو لأن الياء أَخْفُّ من الواو؛ فلما وجب قلب أحدهما إلى الآخر كان قلبُ الأثْقَلِ إلى الأخفِّ من قلب الأخَفِّ إلى الأثقل.
والوجه الرابع: أنك تقول في تكسير "أَسْمَاء١" ولو كان مشتقًّا من الوَسْمِ
_________
١ وقد جمعوا "أسماء" على "أساميّ" بتشديد الياء وأصله على مذهب البصريين "أساميو" مثل قراطيس وعصافير، أما الياء فهي منقلبة عن حرف اللين الذي هو الألف في أسماء وقرطاس والواو في عصفور، وما الواو فهي لام الكلمة على مذهبهم، فلما اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة وكان السابق منهما ساكنًا قلبوا الواو ياء ثم أدغموا الياء في الياء، وربما حذفوا الياء المنقلبة عن حرف اللين وأبقوا الواو فانقلبت ياء لتطرفها إثر كسرة فقالوا "الأسامي" وتحذف هذه الياء الخفيفة في حالتي الرفع والجر، ومن ذلك قول الشاعر:
ولنا أسام ما تليق بغيرنا ... ومشاهد تهتل حين ترانا
1 / 13