وأنني حيثما يَثْنِي الهوى بصري ... من حيثما سلكوا أدنو فَأَنْظُورُ
أراد "فَأَنْظُرُ" فأشبع الضمّ، فنشأت الواو، وقال الآخر:
[٧]
هجَوْتَ زَبَّان ثمَّ جِئْتَ معتذرا ... من هَجْوِ زِبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَعِ
أراد "لم تَهْجُ"، وقال الآخر:
[٨]
كأنَّ في أنيابها القَرَنْفُولُ
_________
= وضبط الشرّاح قوله "التوراب" بفتح التاء وسكون الواو، ثم راحوا ينددون بها ويقولون: إنه يخترع لكلام العرب أوزانًا لم يقولوها، ولو أنهم ضبطوا الكلمة بضم التاء لوجدوا لها مساغًا ونظائر في كلام من يحتجون بكلامه ويخرجونه، فإن العرب يقولون "التراب" بضم التاء ... الغراب، ثم إذا أشبعت التاء نشأت واو مثل واو "أنظور".
[٧] نسب جماعة هذا البيت إلى أبي عمرو بن العلاء، يقوله للفرزدق الشاعر، وكان الفرزدق قد هجاه ثم اعتذر له، والبيت من شواهد الأشموني "رقم ٤٤" و"زبان" بفتح الزاي وتشديد الباء اسم رجل، وقد ذكر المجد في القاموس جماعة ممن تسموا بهذا الاسم منهم أبو عمرو بن العلاء المازني النحوي اللغوي المقرئ قيل، هذا اسمه، وقيل: بل لقبه واسمه العريان أو يحيى، والاسشتهاد به في قوله "لم تهجو" فإن حق العربية عليه أن يقول" لم تهج" بحذف الواو التي هي لام الفعل، لأن الفعل المضارع المعتل اللام يجزم بحذف لامه، وللعلماء في تخريج مثل ذلك رأيان: أولهما أن هذه الواو هي لام الفعل التي يحذفها جمهرة العرب من المضارع في حالة الجزم، ولم يحذفها هذا الشاعر اكتفاء بحذف الحركة كما يصنع في الفعل الصحيح الآخر، والرأي الثاني هو الذي ذكره المؤلف هنا، وتلخيصه من الواو التي هي لام الكلمة قد حذفت، وأما هذه الواو فإنها واو أخرى نشأت عن إشباع ضمة الجيم، نظير الواو في "أنظور" في الشاهد السابق، وانظر الشاهدين ١١ و١٧.
[٨] هذا بيت من الرجز المشطور، وقد أنشد ابن منظور في اللسان "ق ر ن ف ل" رجزين كل واحد منهما يشتمل على هذا البيت مع مغايرة طفيفة، أما أول الرجزين فقول الراجز:
وا، بأبي ثغرك ذاك المعسول ... كأن في أنيابه القرنفول
وأما الثاني فقول الآخر:
خود أناة كالمهاة عطبول ... كأن في أنيابها القرنفول
و"القرنفول" هو القرنفل الذي ورد في قول امرئ القيس:
إذا التفت نحوي تضوَّع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
يريد الراجز أن يصف ثغر هذه الجارية الناعمة التي يتغزل فيها بأنه طيب الريح جميل النكهة، ومحل الاستشهاد فيه قوله "القرنفول" فإن أصل الكلمة "القرنفل" فلما اضطر إلى الواو لإقامة الوزن الذي بنى عليه رجزه أشبع ضمة الفاء فنشأت الواو عن هذا الإشباع.
1 / 22