أن ما ذهبنا إليه له نظير في كلامهم، وما ذهبوا إليه لا نظير له في كلامهم، والمصِيرُ إلى ما له نظِيرُ أولى من المصير إلى ما ليس له نظير.
ومنهم من تمسّك بأن قال: لو جاز أن يجتمع في اسم واحد إعرابان مختلفان لجاز أن يجتمع فيه إعرابان مختلفان؛ فكما يمتنع أن يجتمع فيه إعرابان مختلفان فكذلك يمتنع أن يجتمع فيه إعرابان متفقان؛ لامتناع اجتماع إعرابين في كلمة واحدة.
والاعتمادُ على الاستدلال الأول، وهذا الاستدلال عندي فاسدٌ؛ لأن الإعراب في الأصل إنما دخل للفَصْل بين المعاني بعضها من بعض من الفاعلية والمفعولية على ما بَيَّنَّا؛ فلو جوَّزنا أن يُجْمَع في اسم واحد إعرابان مختلفان لأدَّي ذلك إلى التناقض؛ لأن كل واحد من الإعرابين يدلُّ على نقيض ما يدلُّ عليه الآخر؛ ألا ترى أنَّا لو قدَّرنا الرفع والنصب في اسم واحد لدلَّ الرفع على الفاعلية والنصب على المفعولية، وكل منهما نقيض الآخر، بخلاف ما لو قدرنا إعرابين متفقين فإنه لا يدلُّ أحد الإعرابين على نقيض ما يدل عليه الآخر؛ فبان الفرق بينهما، وأن الاعتماد على الاستدلال الأول.
وأما من ذهب إلى أنها ليست بحروف إعراب١، ولكنها دلائل الإعراب، فقال: لأنها لو كانت حروفَ إعرابٍ كالدال من "زيد" والراء من "عمرو" لما كان فيها دلالة على الإعراب، ألا ترى أنك إذا قلت: "ذهب زيد، وانطلق عمرو" لم يكن في نفس الدال والراء دلالة على الإعراب، فلما كان ههنا هذه الأحرف تدلُّ على الإعراب دلَّ على أنها دلائل الإعراب، وليست بحروف إعراب.
وهذا القول فساد؛ لأنّا نقول: لا يخلو أن تكون هذه الأحرفُ دلائلَ الإعراب في الكلمة أو في غيرها؛ فإن كانت تدل على الإعراب في الكلمة فوجَبَ أن يكون الإعراب فيها؛ لأنها آخر الكلمة، فيئُول هذا القول إلى قول الأكثرين، وإن كانت تدل على إعراب في غير الكلمة فيؤدي إلى أن تكون الكلمة مبنية، وليس من مذهب هذا القائل أنها مبنية، فسنبيّن فساد مذهبه أن الواو والألف والياء في التثنية والجمع ليست بحروف إعراب، ولكنها دلائل الإعراب، مستقصًى في موضعه، إن شاء الله تعالى.
_________
١ قد حكى المؤلف هذا القول أحد قولين لأبي الحسن الأخفش، والعلامة أبو الحسن الأشموني يحكي القولين وينسبهما إلى هشام، وهو هشام بن معاوية أحد أصحاب الكسائي كما سماه المؤلف ابن الأنباري في المسألة الحادية عشرة من هذا الكتاب.
1 / 20