وَجرى مجْرَاه فِي التَّفْرِيع على منهاج تفاريعه
ولنضرب لذَلِك مثلا فَنَقُول كل من تطيب فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة إِمَّا أَن يكون يَقْتَدِي بأطباء اليونان أَو بأطباء الْهِنْد فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُجْتَهد المستقل ثمَّ إِن كَانَ هَذَا المتطبب قد عرف خَواص الْأَدْوِيَة وأنواع الْأَمْرَاض وَكَيْفِيَّة تَرْتِيب الْأَشْرِبَة والمعاجين بعقله بِأَن تنبه لذَلِك من تنبيههم حَتَّى صَار على يَقِين من أمره من غير تَقْلِيد واقتدر على أَن يفعل كَمَا فعلوا فَيعرف خَواص العقاقير الَّتِي لم يسْبق بالتكلم فِيهَا وَبَيَان أَسبَاب الْأَمْرَاض وعلاماتها ومعالجاتها مِمَّا لم يرصده السَّابِقُونَ وزاحم الْأَوَائِل فِي بعض مَا تكلم قل فِي ذَلِك مِنْهُ أَو كثر فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُجْتَهد الْمُطلق المنتسب وان سلم ذَلِك مِنْهُم من غير يَقِين كَامِل وَكَانَ أَكْثَرهم توليدا للأشربة والمعاجين من تِلْكَ الْقَوَاعِد الممهدة كأكثر متطببي هَذِه الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُجْتَهد فِي الْمَذْهَب
وَكَذَلِكَ كل من نظم الشّعْر فِي هَذِه الْأَزْمِنَة أما أَن يَقْتَدِي فِي ذَلِك بأشعار الْعَرَب ويختار أوزانهم وقوافيهم وأساليب قصائدهم أَو بأشعار الْعَجم فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُجْتَهد المستقل ثمَّ إِن كَانَ هَذَا الشَّاعِر مخترعا لأنواع من الْغَزل والتشبيب والمدح والهجو والوعظ وأتى بالعجب العجاب فِي الاستعارات والبديع وَنَحْوهَا مِمَّا لم يسْبق إِلَى مثله بل تنبه لذَلِك من بعض صنائعهم فَأخذ النظير وقايس الشَّيْء بالشَّيْء واقتدر على أَن
1 / 82