فانكشف عَلَيْهِم بِهَذَا التدوين والمناظرة مَا كَانَ خفِيا من حَال الِاتِّصَال والانقطاع وَكَانَ سُفْيَان ووكيع وأمثالهما يجتهدون غَايَة الِاجْتِهَاد فَلَا يتمكنون من الحَدِيث الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل إِلَّا من دون الْألف حَدِيث كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد السجسْتانِي فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة وَكَانَ أهل هَذِه الطَّبَقَة يروون أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث فَمَا يقرب مِنْهَا بل صَحَّ عَن البُخَارِيّ أَنه اختصر صَحِيحه من سِتّمائَة ألف حَدِيث وَعَن أبي دَاوُد أَنه اختصر سنَنه من خَمْسمِائَة ألف حَدِيث وَجعل أَحْمد مُسْنده ميزانا يعرف بِهِ حَدِيث رَسُول الله ﷺ فَمَا وجد فِيهِ وَلَو بطرِيق وَاحِد من طرقه فَلهُ أصل وَإِلَّا فَلَا أصل لَهُ وَكَانَ رُؤُوس هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَيزِيد بن هَارُون وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة ومسدد وهناد وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَالْفضل بن دُكَيْن وَعلي بن الْمَدِينِيّ وأقرانهم وَهَذِه الطَّبَقَة هِيَ الطّراز الأول من طَبَقَات الْمُحدثين فَرجع الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم بعد إحكام فن الرِّوَايَة وَمَعْرِفَة مَرَاتِب الْأَحَادِيث إِلَى الْفِقْه فَلم يكن عِنْدهم من الرَّأْي أَن يجمع على تَقْلِيد رجل مِمَّن مضى مَعَ مَا يرَوْنَ من الْأَحَادِيث والْآثَار المناقضة فِي كل مَذْهَب من تِلْكَ الْمذَاهب فَأخذُوا يتتبعون أَحَادِيث النَّبِي ﷺ وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والمجتهدين على قَوَاعِد أحكموها فِي نُفُوسهم وَأَنا أبينها لَك
1 / 49