Инсаф
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
وحكى أن أبا محمد الخفاجي الحلبي، لما دخل على أبي العلاء بن سليمان بالعمرة، سلم عليه، ولم يكن يعرفه أبو العلاء، فرد عليه السلام وقال: هذا رجل طوال. ثم سأله عن صناعته، فقال: أقرأ القرآن. فقالك اقرأ علي شيئا منه. فقرأ عليه عشرا. فقال له: أنت أبو محمد الخفاجي الحلبي؟ فقال: نعم. فسئل عن ذلك فقال: أما طوله فعرفته بالسلام. وأما كونه أبا محمد فعرفته بصحة قراءته وأدائه بنغمة أهل حلب؛ فإنني سمعت بحديثه.
وقد ذكر ابن بسام المغربي في كتابه المعروف بالذخيرة، أن أبا الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي، نفذ من بغداد رسولا عن الخليفة القائم بأمر الله، إلى المعز بن باديس الصنهاجي ملك القيروان، حين رام الخطبة لبني العباس، ومخالفة ملوك مصر العبيديين. فلما اجتاز بالمعرة اجتمع بأبي العلاء المعري، فاستنشده فأندشه فيصدة لامية يمدح بها صاحب حلب، فقبل المعري بين عينيه (¬1) ، وقال له: بأبي أنت من ناظم! وما أراك إلا رسول أمير المؤمنين القائم إلى المعز ملك القيروان؛ فاطو خبرك، فالعيون لم ترك. فلحق بالمعز.
سمعت والدي رحمه الله يقول: بلغني أن أبا العلاء بن سليمان كان يعجبه قصيدة التهامي، التي يرثي بها والده، وأولها:
حكم المنية في البرية جاري ... ... ما هذه الدنيا بدار قرار
قال: فكان لا يرد عليه أحد من أهل العلم إلا ويستنشده إياها، لإعجابه بها. فقدم التهامي معرة النعمان، ودخل على أبي العلاء؛ فاستنشده إياها فأنشدها. فقال له: أنت التهامي؟ فقال: نعم، وكيف عرفتني؟ فقال: لأنني سمعتها منك ومن غيرك ، فأدركت من حالك أنك تنشدها من قلب جريح، فعلمت أنك قائلها.
Страница 88