قال: «أنا أعرفك وأعرف أحوالك، فإذا لم تشفق على نفسك فأشفق على شيرين.»
فلما سمع اسم خطيبته ارتعدت فرائصه وتولته الدهشة، وجعل يتفرس في عيني الرجل وفي قيافته فلم يذكر شيئا عنه وأرتج عليه، فقال الرجل: «لا تستغرب اطلاعي على حقيقة حالك، ليس في هذه القصور أحد يعرف ذلك سواي، وقد علمت ما كان من عنادك اليوم عند الباشكاتب، وعلمت أن ذلك يذهب بحياتك وحياة خطيبتك، فلا تستسلم للجهل واعلم ألا سبيل للنجاة من القتل سوى الإقرار، وإنما يطلب منك أن تذكر أسماء الشبان الذين أغروك بالدخول في تلك الجمعية، فتنال العفو مع المكافأة وتكسب حياتك وحياة شيرين!»
قال: «وما دخل تلك الفتاة في هذا الأمر؟!»
قال: «إنها شريكتك في الجريمة، وهي التي كانت تشجعك على كتابة تلك المقالات ضد الذات الشاهانية.»
فتجلد رامز وأظهر الاستخفاف وقال: «لا دخل لها في شيء من ذلك. من أنت؟»
قال: «لا يهمك من أنا، ولكن صدق ما أقوله يدلك على إخلاصي في نصحك. وإذا كنت لا تصدق فإني أطلعك على ما كتبته بيدها تشاركك في النقمة على جلالة السلطان.»
وكان رامز يعلم أن بين أوراقه كثيرا من خطابات شيرين ولكنها لم تكن تذكر اسمها صريحا، فاستغرب اطلاع ذلك الرجل على اسمها وعلى أنها خطيبته، فرأى الإنكار أولى فقال: «لا شريك لي في هذه التهمة. دع الكلام عن النساء، أما أنا فمتى سئلت عن الجمعية فسأجيب بما أراه.»
قال: «لا فائدة من الإنكار، وأنا لا أطلب الجواب منك الآن، ولكني نصحت لك حتى إذا سئلت لا يأخذك الغرور وتقتل نفسك وأعز الناس عندك، هذه نصيحتي لك وإن غدا لناظره قريب.» قال ذلك ووقف ثم غادر الغرفة وترك رامزا يتقلب على الجمر من الدهشة والاستغراب. وبقي رامز وحده وقد أحاطت به الهواجس والمخاوف وتصور أنه في حلم، وراح يسأل نفسه: من يكون ذلك الطارق؟! وكيف عرف شيرين؟! وما الذي حمله على إسداء تلك النصيحة؟! ثم غلب عليه التعب لفرط ما قاساه من القلق والاضطراب، فنهض وأوى إلى فراشه يطلب الرقاد.
وقضى اليوم التالي وحده وهو في كل ساعة ينتظر أن يأتيه من يستجوبه ويستطلع خبر الجمعية منه، ويهيئ الأجوبة ويستعد للثبات على رأيه والمحافظة على العهود التي أقسم على صيانتها. على أن سياسة القصر اقتضت التظاهر بعدم الاكتراث، ولكنهم وسوسوا له على يد الباشكاتب وذلك المتستر ما يبعثه على الخوف ويحمله على الإقرار. ولعل القارئ أدرك أن ذلك الملثم إنما هو رئيس الجواسيس نفسه، وقد اطلع على علاقة رامز بشيرين من رسالة خاصة جاءته من صائب بك، وعلم أنه إذا استطاع كشف سر الجمعية نال جزاء عظيما. •••
كان السلطان يسأل باهتمام عما تم في أمر رامز، فلما علم بأنه مصر على التكتم رأى أن يحتال لحمله على الاعتراف على يد عزت باشا، وكان هذا بالغ الذكاء والدهاء مما حمل السلطان على الاعتماد عليه في أهم شئون السياسة وجعله مشيره الأول، وهو الذي أنقذه من عواقب مذبحة الأرمن، وكان ذلك من أكبر أسباب تقريبه والوثوق به. فرأى عبد الحميد أن يكلفه استجواب رامز وإن كان ذلك خارجا عن دائرة عمله، ولم يشأ أن يطلب ذلك منه رأسا بل تطرق إليه في أثناء حديثه معه بشأن اجتماع روال فبعث إليه، فلما جاءه قال له: «أنت معتمدي في المهمات السياسية، وقد جاءني الصدر بخبر اجتماع روال فهل علمت بذلك؟»
Неизвестная страница