فقالت شيرين: «صدقت يا أماه، لا بد من الصبر.» ومسحت عينيها وتنهدت تنهدا خفيا وهي تصلح شعرها وتنظر إلى مرآة معلقة بالحائط المقابل لباب الغرفة المستطرق إلى الدار، فرأت خيال أبيها في المرآة يمشي حافيا على رءوس أصابعه مسرعا، فأجفلت عند رؤيته وظهرت البغتة في وجهها، ولحظت والدتها فيها لذلك فقالت: «ما بالك يا شيرين؟ ما الذي تفكرين فيه؟»
فأجابتها بصوت منخفض: «لا أفكر في شيء، لكنني رأيت أبي مارا من هنا، لعله استيقظ؟»
قالت: «نعم يا عزيزتي، وكنت معه الآن نشرب القهوة في غرفته، وإني قادمة من عنده.»
فدلها قلبها على شيء تكتمه والدتها، لأنها دقيقة الشعور إلى درجة التنبؤ فلا يكاد جليسها يهم بالكلام حتى تفهم مراده، لكنها كانت تسكت عن التصريح بما يجول في خاطرها فقالت: «لأمر ما أتيت إلي؟ خيرا إن شاء الله؟»
فمدت توحيدة يدها إلى شعرات مسترسلة على جبهة ابنتها وجعلت تعبث بها كأنها تضفرها، وقالت: «لم آت إلا لخير يا حبيبتي.» وغصت بريقها، وتلألأ الدمع في عينيها، فتداركت نفسها بالكلام فقالت: «قد كلمني أبوك في شأن صائب بك، إن الرجل سيعود إلينا بعد قليل.»
فأجفلت شيرين عند ذكر اسمه، وحولت وجهها نحو الحائط وقالت: «ما لي وله عاد أم لم يعد؟ إني لا أريد أن أراه .»
قالت: «ليس الأمر أن تريه أو يراك فقط.»
ففهمت مرادها، لكنها استبعدت أن يقدم صائب على خطبتها بعد ما لاحظه من جفائها وتباعدها فقالت: «ما الذي يبغيه إذن؟»
قالت: «إن أباك خاطبني في شأنه، وكلفني إقناعك بقبول خطبته لك، إنه شاب وجيه غني مقدم عند رجال الدولة، وهو الآن صاحب النفوذ الأكبر، فمثله لا يرد طلبه.» قالت توحيدة ذلك وهي لا تعنيه، لكنها تعلم أن زوجها لا بد أن يتلصص لسماع ما تقوله لابنتها لسوء ظنه بها، وتحققت ذلك مما قالته شيرين، فإنه دخل غرفة الاستقبال ليسمع ما يدور بينهما، وهي مع ذلك على ثقة من أن ابنتها سترفض ذلك الطلب بتاتا.
أما شيرين فاستغربت كلام والدتها بهذه اللهجة مع علمها بما في قلبها من حب لرامز، فلاحظت أنها تقوله كأنها على مسمع من أبيها تتجنب به غضبه وفظاظته، فرأت أن تجاريها بالملاطفة للسبب نفسه فقالت: «فليكن كما يشاء، ما الذي يعنيني من أمره؟ إنه لا يعنيني.»
Неизвестная страница