قال ذلك وهو يحل سيور حذائه، وقد أسرع إليه الخادم يساعده.
فلما سمعت شيرين قوله «لا تخافي» أدركت أنه يقول ذلك تهكما، فالتفتت إلى والدتها فرأتها تفهم مرادها، فقالت توحيدة: «لست خائفة، وما الباعث على الخوف؟»
قال: «أما الباعث على الخوف فإنه موجود، لأن رامزا يتعرض لأمور كثيرة لا تعنيه ولا تنفعه وقد تضره، وإذا خاطبه أحد في سبيل مصلحته استخف به.»
ففهمت شيرين أنه يشير إلى حديث أمس، وأن أباها ناقم على رامز استخفافه بصائب، فتحولت من بين يدي أبيها إلى غرفة قريبة، وجلست تسمع صوته ولا تراه، فسمعت والدتها تقول له: «هذا شأنه، وهو يعرف حسابه.»
فقال بصوت عال: «ولكن تردده إلى بيتنا يوقع الشبهة علينا.»
فعلمت توحيدة أن الكلام مع زوجها في هذا الشأن أصبح عبثا بعد أن رفع صوته، وقد تعودت طباعه وعرفت كيف تتجنب غضبه لأنها كانت عاقلة حكيمة، والمرأة إذا عاشرت زوجها زمنا طويلا يجدر بها أن تعرف ما يرضيه وما يغضبه، فسكتت توحيدة وأظهرت أنها مشغولة في المطبخ، فلحقت بها شيرين والدمع ملء عينيها وصاحت بها: «أماه! يا أماه، إن قلبي على مثل الجمر ...!»
فأشارت بأصبعها على فمها أن «اسكتي»، والتفتت إلى الخادم وأمرته أن يذهب إلى مسكن رامز يسأل عنه، فذهب الخادم مسرعا وما عتم أن عاد وقص عليهم أن ناظم بك أرسل جندا للقبض عليه، وأخذه مع أوراقه إلى القصر.
فلم تتمالك شيرين أن لطمت خدها وقالت: «ويلاه! إن قلبي دلني على شر متوقع منذ أتانا ذلك الجاسوس، وها قد صدق ظني.»
أما والدتها فأخذت تخفف عنها لئلا يسمعها أبوها الذي كان في غرفة المائدة واقفا يتناول قدحا من الكنياك قبل الطعام، فلما سمع التهامس صاح بصوت كالرعد: «ما بالكم؟! ماذا جرى؟! هل أتى رامز؟»
فأسرعت إليه توحيدة وقالت: «إن ناظم بك قبض عليه وسجنه وصادر أوراقه.» قالت ذلك وهي تفرك يديها حسرة وأسفا.
Неизвестная страница