قالت له وهي تضحك معه قبل الزواج: معظم الرجال يفضلون المرأة الصغيرة التي تتهشم عظامها في العناق.
قال لها: بالعكس أنا أفضل المرأة القوية الطويلة القامة، شرط ألا تزيد عني بأكثر من تلاتة سنتي.
تمسك فؤادة المسطرة وتقيس المسافة بين كتفها وكتفه، وتقول: بالضبط تلاتة سنتي.
ويضحكان وهما يشربان الليمون المثلج في النادي.
في الشارع الجانبي كان الموقف الخاص بالجورنال، تركت فؤادة مفاتيح السيارة للعم عثمان، له راتب كل شهر، يتشاركان في دفعه مثل كل النفقات في البيت وخارجه، حسابهما في البنك مشترك، لا تجيد فؤادة الحسابات وأعمال البنوك، يتقن شاكر هذه الأعمال، إنه دقيق عملي لا يجنح مثلها إلى الخيال، أخرج المحفظة من جيبه، تقدم نحو العم عثمان وناوله بضعة أوراق، رفع الرجل كفيه إلى السماء، ربنا يخليك يا سعادة البيه.
ابتسم شاكر، تراخت عضلاته المتقلصة، تلاشى في حلقه طعم المرارة قليلا؟
وقفت سعدية في الممر مسندة ظهرها إلى الحائط، رافعة ذراعيها إلى أعلى كالمصلوبة، تدعو الله أن يفتح باب غرفة العمليات وتخرج منه ابنتها سليمة، ذراعاها ملفوفتان حول صدرها، الخفقات تحت ضلوعها تتصاعد، يا رب أنقذها يا رب، يا رب ماليش غيرها. كلما انفتح الباب وخرجت ممرضة، تسرع نحوها تتصيد أي كلمة تطمئنها، بنتي حالتها إيه ربنا يخليكي، لم تعد تطلب من الرب إلا أن ينجي ابنتها من الموت، لا يهم أن يكون لها زوج محترم أو غير محترم، يجلس خلف مكتب أو لا يجلس، أن يكون لها مطبخ فيه فناجين مزركشة أو غير مزركشة، وحمام فيه ماء أو من غير ماء، المهم يا رب أن تعيش ابنتها، أن ترى وجهها في الصبح راقدة في جوارها، أن تلف ذراعيها حولها وتضمها إلى صدرها، مضى الوقت بطيئا، مرت ساعتان ولم تخرج ابنتها من غرفة العمليات، الأستاذة قالت إن العملية تتم في ساعة أو أقل، انتهزت فرصة خروج إحدى الممرضات وانفتاح الباب فاندفعت داخل الغرفة، رأت عددا من الأطباء والممرضات ملتفين حول المنضدة تحت الضوء وسط الغرفة، لم تر ابنتها من رءوسهم المتلاصقة، إلا قدميها المرفوعتين في الهواء فوق الرءوس، صغيرتان بيضاوان كأنما لم يبق منهما قطرة دم تحت المنضدة، سقطت عيناها فوق جردل مليء بالدم وكتل صغيرة متجمدة حمراء كأنما مقطوعة من الكبد، انطلقت الصرخة من صدرها من دون أن تدري: بنتي!
تجمعت حولها بعض الممرضات وسقنها خارج الغرفة، وهي تنتفض وتصرخ: بنتي ماتت؟ - بنتك بخير يا حاجة. - العملية نجحت؟ - أيوه نجحت يا حاجة. - وفين بنتي؟ - خارجة حالا بعد دقيقة، استريحي، هات لها كوباية ميه يا محمد.
وانطلق التمرجي وعاد بكوب الماء.
فوق المرتبة على البلاط رقدت هنادي تنزف وتصرخ من الألم، بقيت قطعة من الجنين ملتصقة بالرحم، تتقلص عضلاتها بقوة لتطردها مع قطع الدم المتجلطة، أمها سعدية في جوارها تسقيها الماء بالسكر، يا رب اشفيها يا رب ماليش غيرها.
Неизвестная страница