Евангелие Толстого и его религия
إنجيل تولستوي وديانته
Жанры
ولما كنت لا أنكر على تعاليم المسيح تضمنها لنظام الحياة الحقيقية، حدا بي الفكر إلى إجلاء النظر في تلك التعاليم والإحاطة التامة بمنابت أصولها التي تفرعت عنها هاته الفروع، ففي بادئ الأمر استرشدت في ذلك القسوس والرهبان والأساقفة والمطارنة وعلماء اللاهوت، فعجزوا عن إقامة الحجة، وكان فيما يقولون تناقض بين، فلم أر فيهم فكرا قادرا على الحوم حول النقط الجوهرية، ولعل سبب ذلك قلة يقينهم مما به يعتقدون. ثم ظهر لي أن مآخذ عقائدهم هي مؤلفات رجال الكنيسة والكتب الموضوعة في الدين واللاهوت، فلما لم أحصل على ثمرة من مجادلتهم رجعت بنفسي إلى جميع التآليف اللاهوتية، فعلمت بالاستقراء فساد ما تعطيه كنيستنا للشعب من العقائد، وتحققت أن ذلك خداع بين وضلال مبين.
ثم وجدت غالب تعاليم الكنيسة الأورثوذكسية موضوعا غير معقول، ليس فيه شيء يؤثر عن الحياة وماهيتها إلا أنه محصور في تخطئة اعتقادات الطوائف الأخرى من المسيحيين؛ ولذا توجهت بعقلي إلى درس هاته العقائد؛ فألفيتها تشبه من جميع وجوهها تعاليم الكنيسة الأورثوذكسية، والغريب أن هذه تنكر على الطوائف الأخرى عقائدها، كما وأن هذه تنكر عليها ذلك؛ فنشأ من تخالف كل طائفة مع الأخرى تنافر بين أبناء هذه الطوائف، ليس هو في شيء من تعاليم المسيح، وبالجملة: فإن جميع الطوائف مصدقين لعقائد لا تنفع الحياة، ويقضي بفسادها العقل الصحيح، ثم حكمت بعد ذلك بعدم وجود كنيسة مسيحية مطلقا.
إن المسيحيين قد انقسموا إلى طوائف متعددة، وكل منها تعتقد اعتقادا متينا بأنها هي الطائفة المسيحية الحقيقية، وتنكر عقائد الطوائف الأخرى، ثم كل منها تسمي نفسها كنيسة تدعي أنها هي الحقيقية التي ثبتت على الإيمان المسيحي القويم، وأما بقية الطوائف فقد انفصلت وتفرعت منها، والأغرب من ذلك: أن كل طائفة تعتقد بداهة بهذا الاعتقاد دون أن تبحث عن تسمية نفسها بالكنيسة الحقيقية، وهل هي بالفعل أصل الكنائس أو هي فرع منفصل عن الأصل؟ كلا ثم كلا، بل إن أتباعها يدعون هذه الدعوى لأنهم ولدوا فيها؛ ففضلوها على غيرها، ويدافعون عنها ما استطاعوا إلى الدفاع سبيلا، وهم في ذلك لا يفتكرون بأن كل طائفة تدعي دعواها، وتقول عن نفسها ما تقوله هي حرفا بحرف.
ولذلك فلا يستغربن القارئ حكمي بعدم وجود كنيسة واحدة، بل يوافقني على وجود ما ينيف على ألفي كنيسة، وكلها تنكر الحقيقة وتجاهر بهذه العبادة الواردة في دستور جميع الكنائس: «وأومن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية مسكونية.» ثم تزيد على ذلك قولها: وأن كتب ديننا مقدسة ويسوع المسيح رأس لكنيستنا التي يدبرها الروح القدس، وأنها وحدها فقط خارجة من عند المسيح الإله.
نحن إذا نظرنا إلى أية شجرة نحكم بأن الأغصان من الفروع، والفروع من الجذور، والجذور من الأصول، فلا نقول إن كل الفروع والأغصان متفرعة من الجذر، كما إننا لا نستطيع أن نقول بإن كل فرع وحده دون غيره متفرع من الجذر، بل إنها جميعها متساوية بالتفرع ومن الحماقة أن نفضل أحد الفروع ونخصه بصفات التفضيل على جميع الكنائس، فالحقيقة التي لا مراء فيها هي: أنه يوجد نحو ألف طائفة كل منها تنكر عقائد الأخرى وتلعنها، ولا تعتقد هي إلا بقداسة ذاتها وصحة مبدئها؛ كالكاثوليك واللوثريين والبروتستانت والكلفينيين والشاكرين والمورمون والروم الكاثوليك والمؤمنين الأقدمين والآباء والناكري الآباء والبويكر والبليموث والخصيان ومصارعي الأرواح والسريان واليعاقبة والمورانة والأقباط و... و... إلخ مما لا يستطيع إحصاءه أحد، وكل منها تدعي أن ديانتها هي الحقيقية المقدسة الحالة فيها نعمة الروح القدس، وأما بقية الطوائف ففي ضلال مبين.
مضى على هذه الحال ما ينيف على 1800 سنة، والضلال راسخ في أذهان أتباع هاته الطوائف، ولن يزول عنها أبدا.
إن الناس على العموم يخادعون بعضهم بعضا في الأعمال الدنيوية والتجارية، وقل من منهم يقع في غش أو خداع، مضت 1800 سنة وهذه الملايين الكثيرة عمي على هذا الضلال الديني، سواء كان ذلك في روسيا أو أوروبا، حتى وفي أمريكا أم العجائب والاختراعات الجديدة، كأن جميع الطوائف اتفقت على تلازم الخرافات.
أجل، إني لا أنكر بأن كثيرين من الفلاسفة وذوي الأفكار الحرة من علماء الأجيال السالفة جاهروا بفساد هاته الخرافات والأضاليل الباطلة، وصرحوا على رءوس الأشهاد بأن الديانة المسيحية، وما تفرع عنها من الطوائف، كلها إفساد في إفساد؛ ومن ثم ينبغي وضع ديانة خالصة من أدران المفاسد، فقام هؤلاء الأفاضل بوضع ديانة جديدة ، ولكن لم يتبعهم أحد ولم تجد أقوالهم آذانا مصغية، وظل جميع المسيحيين متمسكين بكنائسهم وعقائدها، فالكاثوليك في الكثلكة، والروم في الأورثوذكسية، واللوثريون في البروتستانتية؛ وقس على ذلك.
فما أغرب هذا الأمر! وما أصعب حله! ثم لماذا لا يترك الخلق هاته التعاليم المضلة؟ فالجواب على ذلك واحد (متفق عليه من جميع العقلاء الأحرار وذوي المدارك السامية الذين نبذوا جميع معتقدات الكنائس المسيحية)، وهو أنه يصعب على الناس ترك تعاليم المسيح، ولكن لماذا ترى أن جميع المؤمنين بتعليم المسيح قد انقسموا إلى طوائف شتى، ويزداد انقسامهم هذا يوما عن يوم؟ ثم كيف لا يستطيعون الاتحاد والإجماع على معتقد واحد؟ فالجواب على ذلك واضح لا يخفى على كل ذي بصيرة نقادة، وهو أن منشأ انقسام المسيحيين التعاليم الموضوعة بواسطة الكنيسة ليس إلا التي تشير إلى أن المسيح هو الواضع لنظام الكنيسة الواحدة الحقيقية التي تعتبر بحسب وجودها وجوهرها كنيسة مقدسة ومعصومة من الخطأ فيما يتحتم عليها من التعاليم التي تلقيها إلى أتباعها؛ إذ لو لم يكن ذلك لما وجد شيء من الانقسام بين المسيحيين.
إن تعليم كل كنيسة مسيحية، أو بعبارة أخرى معتقد كل طائفة، مأخوذ طبعا من تعليم المسيح، فكل تعاليمها إذن من أصل واحد، ونبتت جميعها من حبة واحدة، وإن هذه الحبة يلزم أن تكون مرجع أصول هذه المعتقدات.
Неизвестная страница