Важные фетвы для широкой публики
فتاوى مهمة لعموم الأمة
Исследователь
إبراهيم الفارس
Издатель
دار العاصمة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤١٣هـ
Место издания
الرياض
Жанры
أَنْوَاع التَّوْحِيد
١ - سُئِلَ الشَّيْخ أَعلَى الله دَرَجَته فِي المهديين عَن تَعْرِيف التَّوْحِيد وأنواعه فَأجَاب بقوله التَّوْحِيد لُغَة مصدر وحد يوحد أَي جعل الشَّيْء وَاحِدًا وَهَذَا لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِنَفْي وَإِثْبَات نفي الحكم عَمَّا سوى الموحد وإثباته لَهُ فمثلا نقُول إِنَّه لَا يتم التَّوْحِيد حَتَّى يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فينفي الألوهية عَمَّا سوى الله ﷿ ويثبتها لله وَحده وَذَلِكَ أَن النَّفْي الْمَحْض تَعْطِيل مَحْض وَالْإِثْبَات الْمَحْض لَا يمْنَع مُشَاركَة الْغَيْر فِي الحكم فَلَو قلت مثلا فلَان قَائِم فَهُنَا أثبت لَهُ الْقيام لكنك لم توحده بِهِ لِأَنَّهُ من الْجَائِز أَن يُشَارِكهُ غَيره فِي هَذَا الْقيام وَلَو قلت لَا قَائِم فقد نفيت نفيا مَحْضا وَلم تثبت الْقيام لأحد فَإِذا قلت لَا قَائِم إِلَّا زيد فَحِينَئِذٍ
1 / 3
تكون وحدت زيدا بِالْقيامِ حَيْثُ نفيت الْقيام عَمَّن سواهُ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيق التَّوْحِيد فِي الْوَاقِع أَي أَن التَّوْحِيد لَا يكون توحيدا حَتَّى يتَضَمَّن نفيا وإثباتا وأنواع التَّوْحِيد بِالنِّسْبَةِ لله ﷿ تدخل كلهَا فِي تَعْرِيف عَام وَهُوَ إِفْرَاد الله ﷾ بِمَا يخْتَص بِهِ وَهِي حسب مَا ذكره أهل الْعلم ثَلَاثَة الأول تَوْحِيد الربوبية الثَّانِي تَوْحِيد الألوهية الثَّالِث تَوْحِيد الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَعَلمُوا ذَلِك بالتتبع والإستقراء وَالنَّظَر فِي الْآيَات وَالْأَحَادِيث فوجدوا أَن التَّوْحِيد لَا يخرج عَن هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فنوعوا التَّوْحِيد إِلَى ثَلَاثَة أَنْوَاع الأول تَوْحِيد الربوبية وَهُوَ إِفْرَاد الله ﷾ بالخلق وَالْملك وَالتَّدْبِير وتفصيل ذَلِك أَولا بِالنِّسْبَةِ لإفراد الله تَعَالَى بالخلق فَالله تَعَالَى وَحده هُوَ الْخَالِق لَا خَالق سواهُ قَالَ الله تَعَالَى هَل من خَالق غير الله يرزقكم من السَّمَاء وَالْأَرْض لَا إِلَه
1 / 4
إِلَّا هُوَ (١) وَقَالَ تَعَالَى مُبينًا بطلَان آلِهَة الْكفَّار أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق أَفلا تذكرُونَ (٢) فَالله تَعَالَى وَحده هُوَ الْخَالِق خلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا وخلقه يَشْمَل مَا يَقع من مفعولاتع وَمَا يَقع من مفعولات خلقه أَيْضا وَلِهَذَا كَانَ من تَمام الْإِيمَان بِالْقدرِ أَن تؤمن بِأَن الله تَعَالَى خَالق لأفعال الْعباد كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ (٣) وَوجه ذَلِك أَن فعل العَبْد من صِفَاته وَالْعَبْد مَخْلُوق لله وخالق الشَّيْء خَالق لصفاته وَوجه آخر أَن فعل العَبْد حَاصِل بِإِرَادَة جازمة وقدرة تَامَّة والإرادة وَالْقُدْرَة كلتاهما مخلوقتان لله ﷿ وخالق السَّبَب التَّام خَالق للمسبب فَإِن قيل كَيفَ نجمع بَين إِفْرَاد الله ﷿ بالخلق مَعَ أَن الْخلق قد يثبت لغير الله كَمَا يدل عَلَيْهِ قَول الله تَعَالَى فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ (٤) وَقَول النَّبِي ﷺ
1 / 5
فِي المصورين يُقَال لَهُم أحيوا مَا خلقْتُمْ فَالْجَوَاب على ذَلِك أَن غير الله تَعَالَى لَا يخلق كخلق الله فَلَا يُمكنهُ إِيجَاد مَعْدُوم وَلَا إحْيَاء ميت وَإِنَّمَا خلق غير الله تَعَالَى يكون بالتغيير وتحويل الشَّيْء من صفة إِلَى صفة أُخْرَى وَهُوَ مَخْلُوق لله ﷿ فالمصور مثلا إِذا صور صُورَة فَإِنَّهُ لم يحدث شَيْئا غَايَة مَا هُنَالك أَنه حول شَيْئا إِلَى شَيْء كَمَا يحول الطين إِلَى صُورَة طير أَو صُورَة جمل وكما يحول بالتلوين الرقعة الْبَيْضَاء إِلَى صُورَة ملونة فالمداد من خلق الله ﷿ والورقة الْبَيْضَاء من خلق الله ﷿ هَذَا هُوَ الْفرق بَين إِثْبَات الْخلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله ﷿ وَإِثْبَات الْخلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوق وعَلى هَذَا يكون الله ﷾ مُنْفَردا بالخلق الَّذِي يخْتَص بِهِ ثَانِيًا إِفْرَاد الله تَعَالَى بِالْملكِ فَالله تَعَالَى وَحده هُوَ الْمَالِك كَمَا قَالَ الله تَعَالَى تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير (١) وَقَالَ تَعَالَى قل من بِيَدِهِ
1 / 6
ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ (١) فالمالك الْملك الْمُطلق الْعَام الشَّامِل هُوَ الله ﷾ وَحده وَنسبَة الْملك إِلَى غَيره نِسْبَة إضافية فد أثبت الله ﷿ لغيره الْملك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى أَو مَا ملكتم مفاتحه (٢) وَقَوله إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم (٣) إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص الدَّالَّة على أَن لغير الله تعلى ملكا لكم هَذَا الْملك لَيْسَ كملك الله ﷿ فَهُوَ ملك قَاصِر وَملك مُقَيّد ملك قَاصِر لَا يَشْمَل فالبيت الَّذِي لزيد لَا يملكهُ عَمْرو وَالْبَيْت الَّذِي لعَمْرو لَا يملكهُ زيد ثمَّ هَذَا الْملك مُقَيّد بِحَيْثُ لَا يتَصَرَّف الْإِنْسَان فِيمَا ملك إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي إِذن الله فِيهِ وَلِهَذَا نهى النَّبِي ﷺ عَن إِضَاعَة المَال وَقَالَ الله ﵎ وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما (٤) وَهَذَا
1 / 7
دَلِيل على أَن ملك الْإِنْسَان ملك قَاصِر وَملك مُقَيّد بِخِلَاف ملك الله ﷾ فَهُوَ ملك عَام شَامِل وَملك مُطلق يفعل الله ﷾ مَا يَشَاء وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون ثَالِثا التَّدْبِير فَالله ﷿ مُنْفَرد بِالتَّدْبِيرِ فَهُوَ الَّذِي يدبر الْخلق يدبر السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَمَا قَالَ الله ﷾ أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين (١) وَهَذَا التَّدْبِير شَامِل لَا يحول دونه شَيْء وَلَا يُعَارضهُ شَيْء وَالتَّدْبِير الَّذِي يكون لبَعض الْمَخْلُوقَات كتدبير الْإِنْسَان أَمْوَاله وغلمانه وخدمه وَمَا أشبه ذَلِك هُوَ تَدْبِير ضيق مَحْدُود ومقيد غير مُطلق فَظهر بذلك صدق صِحَة قَوْلنَا إِن تَوْحِيد الربوبية هُوَ إِفْرَاد الله بالخلق وَالْملك وَالتَّدْبِير النَّوْع الثَّانِي تَوْحِيد الألوهية هُوَ إِفْرَاد الله ﷾ بِالْعبَادَة بِأَن لَا يتَّخذ الْإِنْسَان مَعَ الله أحدا يعبده ويتقرب إِلَيْهِ كَمَا يعبد الله تعلى ويتقرب إِلَيْهِ وَهَذَا النَّوْع من التَّوْحِيد هُوَ الَّذِي ضل فِيهِ الْمُشْركُونَ الَّذين قَاتلهم النَّبِي
1 / 8
ﷺ واستباح دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ وأرضهم وديارهم وسبى نِسَائِهِم وذريتهم وَهُوَ الَّذِي بعثت بِهِ الرُّسُل وأنزلت بِهِ الْكتب مَعَ أَخَوَيْهِ توحيدي الربوبية والأسماء وَالصِّفَات لَكِن أَكثر مَا يعالج الرُّسُل أقوامهم على هَذَا النَّوْع من التَّوْحِيد وَهُوَ تَوْحِيد الألوهية بِحَيْثُ لَا يصرف الْإِنْسَان شَيْئا من الْعِبَادَة لغير الله ﷾ لَا لملك مقرب وَلَا لنَبِيّ مُرْسل وَلَا لوَلِيّ صَالح وَلَا لأي أحد من المخلوقين لِأَن الْعِبَادَة لَا تصح إِلَّا لله ﷿ وَمن أخل بِهَذَا التَّوْحِيد فَهُوَ مُشْرك كَافِر وَإِن أقرّ بتوحيد الربوبية وبتوحيد الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَلَو أَن رجلا من النَّاس يُؤمن بِأَن الله ﷾ هُوَ الْخَالِق الْمُدبر لجَمِيع الْأُمُور وَأَنه ﷾ الْمُسْتَحق لما يسْتَحقّهُ من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات لَكِن يعبد مَعَ الله غَيره لم يَنْفَعهُ إِقْرَاره بتوحيد الربوبية والأسماء وَالصِّفَات فَلَو فرض أَن رجلا يقر إِقْرَارا كَامِلا بتوحيد الربوبية وتوحيد الْأَسْمَاء وَالصِّفَات لَكِن يذهب إِلَى الْقَبْر فيعبد صَاحبه أَو ينذر لَهُ قربانا يتَقرَّب بِهِ إِلَيْهِ فَإِن هَذَا مُشْرك كَافِر خَالِد فِي النَّار قَالَ الله تبَارك
1 / 9
وَتَعَالَى إِنَّه من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ومأواه النَّار وَمَا للظالمين من أنصار (١) وَمن الْمَعْلُوم لكل من قَرَأَ كتاب الله ﷿ أَن الْمُشْركين الَّذين قَاتلهم النَّبِي ﷺ واستحل دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ وسبى نِسَاءَهُمْ وذريتهم وغنم أَرضهم كَانُوا مقرين بِأَن الله تَعَالَى وَحده هُوَ الرب الْخَالِق لَا يَشكونَ فِي ذَلِك وَلَكِن لما كَانُوا يعْبدُونَ مَعَه غَيره صَارُوا بذلك مُشْرِكين مباحي الدَّم وَالْمَال النَّوْع الثَّالِث تَوْحِيد الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَهُوَ إِفْرَاد الله ﷾ بِمَا سمى الله بِهِ نَفسه وَوصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه أَو على لِسَان رَسُوله ﷺ وَذَلِكَ بِإِثْبَات مَا أثْبته من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَمن غير تكييف وَلَا تَمْثِيل فَلَا بُد من الْإِيمَان بِمَا سمى الله بِهِ نَفسه وَوصف بِهِ نَفسه على وَجه الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز وَلَكِن من غير تكييف وَلَا تَمْثِيل وَهَذَا النَّوْع من أَنْوَاع التَّوْحِيد ضل فِيهِ طوائف من هَذِه الْأمة من أهل الْقبْلَة الَّذين ينتسبون لِلْإِسْلَامِ على أوجه شَتَّى مِنْهُم من غلا فِي النَّفْي والتنزيه غلوا يخرج
1 / 10
بِهِ من الْإِسْلَام وَمِنْهُم متوسط وَمِنْهُم قريب من أهل السّنة وَلَكِن طَريقَة السّلف فِي هَذَا النَّوْع من التَّوْحِيد هُوَ أَن يُسمى الله ويوصف بِمَا سمي وَوصف بِهِ نَفسه على وَجه الْحَقِيقَة لَا تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تكييف وَلَا تَمْثِيل مِثَال ذَلِك أَن الله ﷾ سمى نَفسه بالحي القيوم فَيجب علينا أَن نؤمن بِأَن الْحَيّ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَيجب علينا أَن نؤمن بِأَن الْحَيّ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَيجب علينا أَن نؤمن بِمَا تضمنه هَذَا الإسم من وصف وَهِي الْحَيَاة الْكَامِلَة الَّتِي لم تسبق بِعَدَمِ وَلَا يلْحقهَا فنَاء وسمى الله نَفسه بالسميع فعلينا أَن نؤمن بالسميع اسْما من أَسمَاء الله ﷾ وبالسمع صفة من صِفَاته وَبِأَنَّهُ يسمع وَهُوَ الحكم الَّذِي اقْتَضَاهُ ذَلِك الإسم وَتلك الصّفة فَإِن سميعا بِلَا سمع أَو سمعا بِلَا إِدْرَاك مسموع هَذَا شَيْء محَال وعَلى هَذَا فقس مِثَال آخر قَالَ الله تَعَالَى وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء (١) فَهُنَا قَالَ الله تَعَالَى بل يَدَاهُ
1 / 11
مبسوطتان فَأثْبت لنَفسِهِ يدين موصوفتين بالبسط وَهُوَ الْعَطاء الْوَاسِع فَيجب علينا أنؤمن بِأَن لله تَعَالَى يديم اثْنَتَيْنِ مبسوطتين بالعطاء وَالنعَم وَلَكِن يجب علينا أَن لَا نحاول بقلوبنا تصورا وَلَا بألسنتنا نطقا أَن نكيف تِلْكَ الْيَدَيْنِ وَلَا أَن نمثلهما بأيدي المخلوقين لِأَن الله ﷾ يَقُول لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير (١) وَيَقُول الله تَعَالَى قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمِمَّا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ (٢) وَيَقُول ﷿ وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم إِن السّمع وَالْبَصَر الْفُؤَاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسئولا (٣) فَمن هَاتين الْيَدَيْنِ بأيدي المخلوقين فقد كذب قَول الله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء (٤) وَقد عصى الله تَعَالَى
1 / 12
فِي قَوْله فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال (١) وَمن كيفهما وَقَالَ هما على كَيْفيَّة مُعينَة أيا كَانَت هَذِه الْكَيْفِيَّة فقد قَالَ على الله مَا لَا يعلم وقفى مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم ونضرب مِثَالا ثَانِيًا فِي الصِّفَات وَهُوَ اسْتِوَاء الله على عَرْشه فَإِن الله تَعَالَى أثبت لنَفسِهِ أَنه اسْتَوَى على الْعَرْش فِي سَبْعَة مَوَاضِع من كِتَابه كلهَا بِلَفْظ اسْتَوَى وبلفظ على الْعَرْش وَإِذا رَجعْنَا إِلَى الإستواء فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَجَدْنَاهُ إِذا عدي بعلى لَا يَقْتَضِي إِلَّا الإرتفاع والعلو فَيكون معنى قَوْله تَعَالَى الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى (٢) وأمثالها من الْآيَات أَنه علا على عَرْشه علوا خَاصّا غير الْعُلُوّ الْعَام على جَمِيع الأكوان وَهَذَا الْعُلُوّ ثَابت لله تَعَالَى على وَجه الْحَقِيقَة فَهُوَ عَال على عَرْشه علوا يَلِيق بِهِ ﷿ لَا يشبه علو الْإِنْسَان على السرير وَلَا علوه على الْأَنْعَام وَلَا علوه على الْفلك الَّذِي ذكره الله فِي قَوْله وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ لتستووا على ظَهره ثمَّ تَذكرُوا
1 / 13
نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون (١) فاستواء الْمَخْلُوق على شَيْء لَا يُمكن أَن يماثله اسْتِوَاء الله على عَرْشه لِأَن الله لَيْسَ كمثله شَيْء وَقد أَخطَأ خطأ عَظِيما من قَالَ إِن معنى اسْتَوَى على الْعَرْش استولى على الْعَرْش لِأَن هَذَا تَحْرِيف للكلم عَن موَاضعه ومخالف لما أجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم والتابعون لَهُم بِإِحْسَان ومستلزم للوازم بَاطِلَة لَا يُمكن لمُؤْمِن أَن يتفوه بهَا بِالنِّسْبَةِ لله ﷿ وَالْقُرْآن الْكَرِيم نزل باللغة الْعَرَبيَّة بِلَا شكّ كَمَا قَالَ الله ﷾ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون (٢) وَمُقْتَضى صِيغَة اسْتَوَى على كَذَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة الْعُلُوّ والإستقرار بل هُوَ مَعْنَاهَا المطابق للفظ فَمَعْنَى اسْتَوَى على الْعَرْش أَي علا عَلَيْهِ علوا خَاصّا يَلِيق بجلاله وعظمته فَإِذا فسر الإستواء بالإستيلاء فقد حرف الْكَلم عَن موَاضعه حَيْثُ
1 / 14
نفى الْمَعْنى الَّذِي تدل عَلَيْهِ لُغَة الْقُرْآن وَهُوَ الْعُلُوّ وَأثبت معنى آخر بَاطِلا ثمَّ إِن السّلف وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان مجمعون عل هَذَا الْمَعْنى إِذْ لم يَأْتِ عَنْهُم حرف وَاحِد فِي تَفْسِيره بِخِلَاف ذَلِك وَإِذا جَاءَ اللَّفْظ فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَلم يرد عَن السّلف تَفْسِيره بِمَا يُخَالف ظَاهره فَالْأَصْل أَنهم أبقوه على ظَاهره واعتقدوا مَا يدل عَلَيْهِ فَإِن قَالَ قَائِل هَل ورد لفظ صَرِيح عَن السّلف أَنهم فسروا اسْتَوَى ب (علا) قُلْنَا نعم ورد ذَلِك عَن السّلف وعَلى فرض أَن لَا يكون ورد عَنْهُم صَرِيحًا فَإِن الأَصْل فِيمَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة النَّبَوِيَّة أَنه بَاقٍ على مَا تَقْتَضِيه اللُّغَة الْعَرَبيَّة من الْمَعْنى فَيكون إِثْبَات السّلف لَهُ على هَذَا الْمَعْنى أما اللوازم الْبَاطِلَة الَّتِي تلْزم من فسر الاسْتوَاء بالإستيلاء فَهِيَ أَولا أَن الْعَرْش قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيْسَ ملكا لله
1 / 15
تَعَالَى لِأَن الله تَعَالَى قَالَ إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش (١) وعَلى هَذَا فَلَا يكون الله مستوليا على الْعَرْش قبل خلق السَّمَوَات وَلَا حِين خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ثَانِيًا أَنه يَصح التَّعْبِير بقولنَا إِن الله اسْتَوَى على الأَرْض واستوى على أَي شَيْء من مخلوقاته وَهَذَا بِلَا شكّ وَلَا ريب معنى بَاطِل لَا يَلِيق بِاللَّه ﷿ ثَالِثا أَنه تَحْرِيف للكلم عَن موَاضعه رَابِعا أَنه مُخَالف لإِجْمَاع السّلف الصَّالح رضوَان الله عَلَيْهِم وخلاصة الْكَلَام فِي هَذَا النَّوْع تَوْحِيد الْأَسْمَاء وَالصِّفَات أَنه يجب علينا أَن نثبت لله مَا أثْبته لنَفسِهِ أَو أثْبته لَهُ رَسُوله من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات على وَجه الْحَقِيقَة من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تكييف وَلَا تَمْثِيل الْمَجْمُوع الثمين ٢٧
1 / 16
خَصَائِص الْفرْقَة النَّاجِية
٢ - وَسُئِلَ الشَّيْخ عَن أبرز خَصَائِص الْفرْقَة النَّاجِية وَهل النَّقْص من هَذِه الخصائص يخرج الْإِنْسَان مِنْهَا فَأجَاب أبرز الخصائص للفرقة النَّاجِية هِيَ التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي ﷺ فِي العقيدة وَالْعِبَادَة والأخلاق والمعاملة هَذِه الْأُمُور الْأَرْبَعَة تَجِد الْفرْقَة النَّاجِية بارزة فِيهَا فَفِي العقيدة تجدها متمسكة بِمَا دلّ عَلَيْهِ كتاب الله وَسنة رَسُوله ﷺ من التَّوْحِيد الْخَالِص فِي ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وَصِفَاته وَفِي الْعِبَادَات تَجِد هَذِه الْفرْقَة متميزة فِي تمسكها التَّام وتطبيقها لما كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي ﷺ فِي الْعِبَادَات فِي أجناسها وصفاتها وأقدارها وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها فَلَا تَجِد عِنْدهم ابتداعا فِي دين الله بل
1 / 17
هم متأدبون غَايَة الْأَدَب مَعَ الله وَرَسُوله لَا يتقدمون بَين يَدي الله وَرَسُوله فِي إِدْخَال شَيْء من الْعِبَادَات لم يَأْذَن بِهِ الله وَفِي الْأَخْلَاق تجدهم كَذَلِك متميزين عَن غَيرهم بِحسن الْأَخْلَاق كمحبة الْخَيْر للْمُسلمين وانشراح الصَّدْر وطلاقة الْوَجْه وَحسن الْمنطق وَالْكَرم والشجاعة إِلَى غير ذَلِك من مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحسنها وَفِي الْمُعَامَلَات تجدهم يعاملون النَّاس بِالصّدقِ وَالْبَيَان اللَّذين أَشَارَ إِلَيْهِمَا النَّبِي ﷺ فِي قَوْله البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا فَإِن صدقا وَبينا بورك لَهما فِي بيعهمَا وَإِن كذبا وكتما محقت بركَة بيعهمَا وَالنَّقْص من هَذِه الخصائص لَا يخرج الْإِنْسَان عَن كَونه من الْفرْقَة النَّاجِية لَكِن لكل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وَالنَّقْص فِي جَانب التَّوْحِيد رُبمَا يُخرجهُ عَن الْفرْقَة النَّاجِية مثل الْإِخْلَال بالإخلاص وَكَذَلِكَ فِي الْبدع رُبمَا يَأْتِي ببدع تخرجه عَن كَونه من الْفرْقَة النَّاجِية أما مَسْأَلَة الْأَخْلَاق والمعاملات فَلَا يخرج الْإِخْلَال بهما من هَذِه الْفرْقَة وَإِن كَانَ ذَلِك ينقص مرتبته
1 / 18
وَقد نحتاج إِلَى تَفْصِيل فِي مَسْأَلَة الْأَخْلَاق فَإِن من أهم مَا يكون من الْأَخْلَاق اجْتِمَاع الْكَلِمَة والإتفاق على الْحق الَّذِي أوصانا بِهِ الله تَعَالَى فِي قَوْله شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ (١) وَأخْبر أَن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا أَن مُحَمَّدًا ﷺ برىء مِنْهُم فَقَالَ الله ﷿ إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء (٢) فاتفاق الْكَلِمَة وائتلاف الْقُلُوب من أبرز خَصَائِص الْفرْقَة النَّاجِية أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فهم إِذا حصل بَينهم خلاف ناشيء عَن الإجتهاد فِي الْأُمُور الإجتهادية لَا يحمل بَعضهم على بعض حقدا وَلَا عَدَاوَة وَلَا بغضاء بل يَعْتَقِدُونَ أَنهم إخْوَة حَتَّى وَإِن حصل بَينهم هَذَا الْخلاف حَتَّى أَن الْوَاحِد مِنْهُم ليُصَلِّي خلف الْوَاحِد الَّذِي يرى الْمَأْمُوم أَنه لَيْسَ على وضوء وَيرى الإِمَام أَنه على وضوء مثل أَن الْوَاحِد مِنْهُم يُصَلِّي خلف
1 / 19
شخص أكل لحم إبل وَهَذَا الإِمَام يرى أَنه لَا ينْقض الْوضُوء وَالْمَأْمُوم يرى أَنه ينْقض الْوضُوء فَيرى أَن الصَّلَاة خلف ذَلِك الإِمَام صَحِيحَة وَإِن كَانَ هُوَ لَو صلاهَا بِنَفسِهِ لرَأى أَن صلَاته غير صَحِيحَة كل هَذَا لأَنهم يرَوْنَ أَن الْخلاف الناشيء عَن اجْتِهَاد فِيمَا يسوغ فِيهِ الإجتهاد لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة بِخِلَاف لِأَن كل وَاحِد من الْمُخْتَلِفين قد تبع مَا يجب عَلَيْهِ اتِّبَاعه من الدَّلِيل الَّذِي لَا يجوز لَهُ الْعُدُول عَنهُ فهم يرَوْنَ أَن أَخَاهُم إِذا خالفهم فِي عمل مَا اتبَاعا للدليل هُوَ فِي الْحَقِيقَة قد وافقهم لأَنهم هم يدعونَ إِلَى اتِّبَاع الدَّلِيل أَيْنَمَا كَانَ فَإِذا خالفهم مُوَافقَة لدَلِيل عِنْده فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة قد وافقهم لِأَنَّهُ يمشي على مَا يدعونَ إِلَيْهِ ويهدون إِلَيْهِ من تحكيم كتاب الله وَسنة رَسُول الله ﷺ وَلَا يخفى على كثير من أهل الْعلم مَا حصل من الْخلاف بَين الصَّحَابَة فِي مثل هَذِه الْأُمُور حَتَّى فِي عهد النَّبِي صلى اللهعليه وَسلم وَلم يعنف أحدا مِنْهُم فَإِنَّهُ ﵊ لما رَجَعَ من غَزْوَة الْأَحْزَاب وَجَاء جِبْرِيل وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَن يخرج إِلَى بني قُرَيْظَة الَّذين نقضوا الْعَهْد فندب النَّبِي
1 / 20
ﷺ أَصْحَابه فَقَالَ لَا يصلين أحد مِنْكُم الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة فَخَرجُوا من الْمَدِينَة إِلَى بني قُرَيْظَة وأرهقتهم صَلَاة الْعَصْر فَمنهمْ من أخر صَلَاة الْعَصْر حَتَّى وصل إِلَى بني قُرَيْظَة بعد خُرُوج الْوَقْت لِأَن النَّبِي ﷺ قَالَ لَا يصلين أحد مِنْكُم الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وَمِنْهُم من صلى الصَّلَاة فِي وَقتهَا وَقَالَ إِن الرَّسُول ﷺ أَرَادَ منا الْمُبَادرَة إِلَى الْخُرُوج وَلم يرد منا أَن نؤخر الصَّلَاة عَن وَقتهَا وَهَؤُلَاء هم المصيبون وَلَكِن مَعَ ذَلِك لم يعنف النَّبِي ﷺ أحدا من الطَّائِفَتَيْنِ وَلم يحمل كل وَاحِد على الآخر عَدَاوَة أَو بغضاء بِسَبَب اخْتلَافهمْ فِي فهم هَذَا النَّص لذَلِك أرى أَن الْوَاجِب على الْمُسلمين الَّذين ينتسبون إِلَى السّنة أَن يَكُونُوا أمة وَاحِدَة وَأَن لَا يحصل بَينهم تحزب هَذَا ينتمي إِلَى طَائِفَة وَالْآخر إِلَى طَائِفَة أُخْرَى وَالثَّالِث إِلَى طَائِفَة ثَالِثَة وَهَكَذَا بِحَيْثُ يتناحرون فِيمَا بَينهم بأسنة الألسن ويتعادون ويتباغضون من أجل اخْتِلَاف يسوغ فِيهِ الإجتهاد وَلَا حَاجَة إِلَى أَن أخص كل طَائِفَة بِعَينهَا لَكِن الْعَاقِل يفهم
1 / 21
ويتبين لَهُ الْأَمر فَأرى أَنه يجب على أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن يتحدوا حَتَّى وَإِن اخْتلفُوا فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِيمَا تَقْتَضِيه النُّصُوص حسب أفهامهم فَإِن هَذَا أَمر فِيهِ سَعَة وَللَّه الْحَمد والمهم ائتلاف الْقُلُوب واتحاد الْكَلم وَلَا ريب أَن أَعدَاء الْمُسلمين يحبونَ من الْمُسلمين أَن يتفرقوا سَوَاء كَانُوا أَعدَاء يصرحون بالعداوة أَو أَعدَاء يتظاهرون بِالْولَايَةِ للْمُسلمين أَو لِلْإِسْلَامِ وهم لَيْسُوا كَذَلِك فَالْوَاجِب أَن نتميز بِهَذِهِ الميزة الَّتِي هِيَ ميزة للطائفة النَّاجِية وَهِي الإتفاق على كلمة وَاحِدَة الْمَجْمُوع الثمين ٢٥٤
سَبَب قُوَّة الْمُسلمين
٣ - سُئِلَ الشَّيْخ يَدعِي بعض النَّاس أَن سَبَب تخلف الْمُسلمين هُوَ تمسكهم بدينهم وشبهتهم فِي ذَلِك أَن الغرب لما تخلوا عَن جَمِيع الديانَات وتحرروا مِنْهَا وصلوا إِلَى مَا وصلوا إِلَيْهِ من التَّقَدُّم الحضاري وَرُبمَا أيدوا وشبهتهم بِمَا عِنْد الغرب من الأمطار الْكَثِيرَة والزروع فَمَا رَأْي فضيلتكم
1 / 22